ذكــــر القلقشـندي صــاحب كـتـاب ( مـآثـر الإنـافـة ) في سبب فتح عمورية على يد المعتصم عـام 223هـ : ( يحكـى أن صاحب عمورية من ملوك الروم كانت عنده شريفة من ولـد فاطـمة رضي الله عنها ، مأسـورة في خلافة المعتصـم بن الرشـيد ، فعذبها ، فصاحت الشـريفة : وامعتصماه ، فقال لها الملك : لا يأتي لخلاصك إلا على أبلق – خيـول فيها سواد وبياض – فبلغ ذلك المعتصم فنادى في عسكره بركوب الخيل البلق ، وخـرج وفي مقدمة عسكره أربعة آلاف أبلق ، وأتى عمورية وفتحها ، وخلص الشريفة ، وقال : اشهدي لي عند جدك أني أتيت لخلاصك ، وفي مقدمة عسكري أربعة آلاف أبلق ) . وعند ابن خلدون وابن الأثير : أنه لما بلغه الخبر أجاب وهو على سريره : لبيك لبيك ، وصاح في قصره : النفير النفير . وفي شذرات الذهب : أنه كان بيده كأس ليشرب ، فبلغه الخبر ، فرد الكأس ، وقال : لا شربته إلا بعد فك الشريفة من الأسر وقتل العلج . فلما فتح عمورية دخلها وهو يقول : لبيك لبيك ، وطـلب العلج صاحب الأسيرة وضرب عنقه ، وفك قيود الأسيرة ، وقال للساقي : ائتني بكأسي المختوم فشرب ، وقال : الآن طاب شرب الشراب .
حم الله المعتصم فكم كان يحمل بين جنبيه من نفس أبية ، ومروءة قوية ، وكرامة عزيزة ، خلت منها هذه الأيام ، فيا ليت لنا معتصماً كذاك ، يفتح البلاد ، وينتقم للضعفاء ، ويحفظ لنا عزتنا ، ويرفع لنا رؤوسنا في زمن الانكسار الرهيب .