تولى العرش بعد وفاة والده ، اهتم بفنون العلم والأدب والشعر ، وكان يتقن اللغات الثلاثة التركية والعربية والفارسية ، وكان يميل إلى علم التصوف.
اشتهر بالتقوى واهتم بالعلماء ، وكان يميل لاقتناء الجواري ويشاوروهن وكانت من بينهن جارية بندقية الأصل سباها فدائيو البحر وبيعت في السراي وسميت صفية تدخلت كثيراً في السياسة الخارجية وساعدت أبناء أصلها.
وفي عهده بلغت مساحة الدولة العثمانية الأوج وهي 19.902.000 كم ، صرف للجنود عطايا الجلوس ومقدارها (110.000) ليرة ذهبية، فمنع الاضطرابات التي كانت تحدث عادة إذا تأخر صرف تلك الهبات.
أولاً : منعه للخمور
وكان من أول أعماله أن أصدر أمراً بمنع شرب الخمور بعد ما شاعت بين الناس وأفرط فيها الجنود خصوصاً الانكشارية ، فثار الانكشاريون واضطروه لرفع أمره بالمنع ، وهذا يدل على ظهور علامات ضعف الدولة بحيث السلطان لا يستطيع منع الخمور وإقامة أحكام الشرع عليهم ، وكذلك يدل على انحراف الانكشارية عن خطها الإسلامي الأصيل من التربية الرفيعة ، وحبها للجهاد وشوقها للشهادة.
ثانياً : وضع الحماية على بولونيا وتجديد الامتيازات :
عمل السلطان مراد الثالث على تنفيذ السياسة التي انتهجها والده من قبل ، ففي عهده قام بعدة حروب في أماكن مختلفة ففي عام (982هـ / 1574م) هرب ملك بولونيا هنري دي فالوا وذهب إلى فرنسا ، فأوصى الخليفة العثماني أعيان بولونيا بانتخاب أمير ترانسلفانيا ملكاً عليهم ، ففعلوا ، وصارت بولونيا (بولندا) فعلاً تحت حماية العثمانيين عام (983هـ / 1575م) واعترفت النمسا بذلك في معاهدة الصلح التي أبرمتها مع الدولة العثمانية عام (984هـ / 1576م) فاستنجدت بالسلطان العثماني فأعلن حمايتها بمعاهدة رسمية ، وجدد السلطان مراد الامتيازات مع فرنسا والبندقية وزاد بعض الامتيازات القنصلية والتجارية مع زيادة بعض البنود في صالحهما أهمها أن يكون سفير فرنسا مقدماً على كافة سفراء الدول الأخرى في الاحتفالات الرسمية والمقابلات الحكومية ، لقد كثر توارد السفراء على الباب العالي للسعي في إبرام معاهدات تجارية أصبحت ذريعة فيما بعد للتدخل الفعلي في شئون الدولة ، وفي زمن السلطان مراد تحصلت إيزابلا ملكة الانجليز على امتياز خصوصي لتجار بلادها وأصبحت السفن الانجليزية تحمل العلم البريطاني وتدخل الشواطئ والموانئ العثمانية.
ثالثاً : القضاء على ثورة مراكش :
وفي عام 985 حدث في مراكش ثورة ، واستعان زعيمها بالبرتغاليين النصارى، واستنجد السلطان بالخليفة فأنجده، وأرسلت قوة من طرابلس اشتبكت مع البرتغاليين في معركة القصر الكبير جنوب طنجة انتصر فيها العثمانيون وحلفاؤهم على البرتغاليين وأنصارهم، وأعيد السلطان الشرعي إلى حكمه.
رابعاً : الصراع مع الشيعة الصفوية :
وفي عام (985هـ / 1577م) ونتيجة لحدوث اضطرابات في بلاد فارس بعد وفاة طهماسب ، أرسل العثمانيون حملة عسكرية ، تمكنت من قطع مفازات شاسعة في بلاد القوقاز وفتحت مدينة تفليس وكرجستان (الكرج) ودخل العثمانيون بعدها تبريز عام (993هـ / 1585م) وتمكنت فيها جيوش مراد من السيطرة على أذربيجان والكرج (جورجيا) وشيروان ولوزستان ، فلما تولى الشاه عباس الكبير حكم فارس سعى إلى إقامة صلح مع العثمانيين ، تنازل بمقتضاه عن تلك الأماكن التي أصبحت بيد العثمانيين كما تعهد بعدم سب الخلفاء الراشدين – أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم – في أرض مملكته وبعث بابن عم له يدعى حيدر ميزرا رهينة إلى استنبول لضمان تنفيذ ما اتفقا عليه.
خامساً : تمرد وعصيان على أيدي الانكشارية :
قام الإنكشاريون بتمرد وعصيان في الولايات العثمانية بعد توقف الحروب ، في استانبول والقاهرة وتبريز وبودا وقتلوا الولاة ، وكان السلطان قد كلفهم بحرب المجر غير أنهم هزموا أمام النمسا التي ساندت المجر ، واحتلت عدة قلاع حصينة استردها سنان باشا بعد ذلك ، كما أعلن أمراء الأفلاق والبغدان وترانسلفانيا التمرد وانضموا إلى النمسا في حربها مع العثمانيين ، فسار إليهم سنان باشا عام 1003هـ / 1594 غير أنه لم يحرز النصر وخسر عدة مدن.
سادساً : مقتل الصدر الأعظم صوقللي محمد باشا :
قتل الصدر الأعظم نتيجة لدسائس حاشية السلطان المتأثرة بدسائس الأجانب الذين لا يروق لهم وجود مثل هذا الوزير القدير ، الذي سار على منهج الاستقامة ، وطريق الحكمة ، وبناء الدولة ، وحسن القيادة ودقة التخطيط ، وضبط الإدارة ، ومتابعة الولاة ، واستغلال الفرص ، فكان موته ضربة شديدة ومحنة عظيمة وفتح باب للشر في تنصيب وعزل الصدور العظام والتنافس عليه مما أضعف قوة السلطنة ، وارتبكت أحوال البلاد ، وتمردت بعض فرق الجيش ، ولم تتمكن الحكومة من القضاء على هذا التمرد ، ونتيجة لهذه الاضطرابات والثورات الداخلية خرجت بولونيا عن الدولة العثمانية واشتبكت في صراع معهما.
سابعاً : اليهود والسلطان مراد الثالث :
ظن اليهود أن الفرصة سانحة لهم لتحقيق حلم روادهم طويلاً ، فنزحوا في هجرات متقطعة ومتقاربة إلى (سيناء) لاستيطانها ، وكانت خطتهم تقوم في المراحل الأولى على تركيز إقامتهم في مدينة الطور ، وكان اختيارهم لهذه المدينة اختياراً هادفاً ، فهذه المدينة وهي تقع على الشاطئ الشرقي لخليج السويس لها ميناء يصلح لرسو السفن التجارية ، وكان تأتيه سفن من جدة ، وينبع وسواكن ، والعقبة ، والقلزم ، كما كانت المدينة تربط برأً بخط قوافل مع القاهرة و الفرما.
وبذلك كان يسهل على اليهود إيجاد اتصالات خارجية فلا يصبحون في عزلة عن العالم بل تستطيع السفن أن ترسو في ميناء الطور تحمل أفواجاً من اليهود الجدد.
وقد تزعم حركة التهجير رجل يهودي اسمه (إبراهام) استوطن (الطور) مع أولاده وسائر أفراد أسرته ، ولما أقام اليهود بالطور تعرضوا بالأذى لرهبان (ديرسانت كاترين) مما دفعهم إلى إرسال شكاوى مكتوبة إلى سلاطين الدولة العثمانية وولاتها يشتكون من إيذاء اليهود لهم مذكرين بعهد العثمانيين لحمايتهم ، ومنع اليهود استيطان (سيناء) ومحذرين من نزوح اليهود إلى سيناء وخاصة مدينة الطور في جماعات كثيرة بقصد إيقاع الفتن.
ولما كانت الدولة الإسلامية مسئولة بحكم الشرع عن حماية أهل الذمة ، فقد سارع على الفور المسؤولون العثمانيون إلى إصدار ثلاثة فرمانات ديوانية في عهد السلطان (مراد الثالث) فأمروا بإخراج إبراهام اليهودي وزوجته وأولاده وسائر اليهود من سيناء ومنعهم في قابل الأيام منعاً باتاً من العودة إليها بما فيها مدينة الطور والإقامة بها أو السكنى.
ثامناً : وفاة السلطان مراد الثالث :
توفى السلطان مراد الثالث في1003هـ الموافق 16 كانون الثاني 1595 عن عمر يناهز 49 عاماً ، ودفن رحمه الله في فناء أيا صوفيا.
كتاب الدولة العثمانية للدكتور علي الصلابي ، ص 467 ، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر8/ 126 ، وتاريخ الدولة العثمانية للدكتور علي حسون ، ص 128