مقدمة:
بدأعلماء الآثار منذ القرن السابع عشر للميلاد بالتنقيب في مختلف الأقطار العربيةوالبحث عن مدن قديمة دثرت منذ أقدم العصور، لقد تبين لهؤلاء الباحثين وجود كثير منالمدن، وخاصة في سورية، قد تحولت لتلال من الأحجار والأتربة، من جراء كوارث طبيعية،أو نتيجة حروب مدمّرة قضت عليها ، وبما أن العادة قد جرت عند خراب مدينة ما أنيعاد البناء فوقها، لذلك غالباً مايجد المنقّبون طبقات متراكمة بعضها فوق بعض، تضمآثاراً تعود لأزمنة متدرجة بالقدم.
كانتآثار وادي النيل من أوائل ما اكتشف المنقبون، إلا أن جهلهم للخط الهيروغليفي حالدون معرفتهم للأحداث التاريخية وللمستوى الحضاري للشعب المصري في العصر الفرعوني،ولكن بعدما استطاع العالم شامبليون قراءة ذلك الخط اتضحت أسرار تلك الحضارةالعريقة.
وهذاما حصل أيضاً في بلاد الرافدين والهلال الخصيب، ذلك لأن الخط المسماري وقف عائقاًدون تفسير ما ورد في الألواح الطينية التي وجدت بأعداد كبيرة في مدن سومر وآكادوبابل وآشور، وخاصة في أوغاريت وماري وإيبلا، أما الآن فقد تمكن بعض علماء الآثارمن أجانب وعرب من قراءة ذلك الخط الذي دوّنت به لغات ولهجات عدة أقوام قطنوا فيتلك المدن، منذ الألف الرابع قبل الميلاد حتى القرن الأول منه.
كانتشعوب العالم الغربي تعتبر الحضارة اليونانية، والتي يعود قدمها إلى منتصف الألفالثاني قبل الميلاد، ذروة الحضارات القديمة، ولكن بعد أن تم اكتشاف حضارة واديالنيل وبلاد الرافدين، والتي يعود تاريخها إلى الألف الخامس والرابع قبل الميلاد،تغيرت نظرة علماء التاريخ للأمر، وصاروا يسعون لمعرفة العلاقات التي كانت تربط بينتلك الحضارات.
لقدبينت الأبحاث والندوات التي عُقدت وتُعقد في الوقت الحاضر، فضل شعوب الشرقينالأدنى والأقصى في اكتشاف كثير من العلوم النظرية والتكنولولجية، ومنها علمالتعدين.
من المعلوم أن اكتشاف المعادن ومعرفة الطرق المؤدية للاستفادة منها تعدّ أحد الأسبابالأساسية للرفاهية التي تتمتع بها أكثر شعوب الأرض، وبما أن الثروة المعدنية لقطرمن الأقطار تعد مصدراً رئيساً لدخله القومي غالباً، لذلك سأسعى في بحثي هذا أن أبينإسهام الشعوب العربية في اكتشاف مناجم المعادن، وبيان توزعها الجغرافي في بلادهم.
ومعرفة طرق فحصها وتصنيعها معتمداً على الأمور الآتية:
1ً-بيان المكتشفات الأثرية الحديثة والتي تبين تقدم علم التعدين فيالأقطار العربية.
2ً-ذكر مارود في المؤلفات العربية التراثية، من كتب تاريخ وجغرافياطبيعية، والتي تعرف عادة باسم المسالك والممالك، تقويم البلدان، المدن والأمصار... حيث نجد إحصاءات ومعلومات دقيقة عن المناجم المنتشرة في تلك الأقطار، وعن صفاتما يستخرج منها من فلزات معدنية، وكيف يتم صهرها وتنقيتها وسكبها، وغير ذلك منالأعمال التكنولوجية.
3ً-المؤلفات العربية في علم كيمياء المعادن، وخاصة ما كتبه جابر بنحيان وأبو بكر الرازي، المخطوط منها والمطبوع، بالإضافة إلى الكتب التي تذكرالجواهر والأحجار في العالمين العربي والإسلامي؛ وهي من مؤلفات البيروني والأكفانيوالتيفاشي وغيرهم.
التنقيبات الأثرية والمؤلفات التراثيةتدلعلى فضل الشعوب العربية في تقدم علم التعدين:
لقددلت التنقيبات الأثرية التي جرت في البلاد الواقعة على أطراف الخليج العربي،على أنتلك الأماكن كانت مأهولة بالسكان خلال العصر الجليدي، ففي مواضع مختلفة، منها رأسعوينة علي، الواقعة في شبه جزيرة قطر، وفي مواضع أخرى من البحرين، عثر المنقبون علىأدوات حجرية تعود إلى العصر الحجري القديم (الباليوليتيك)، أي قبل خمسين ألف عام ، وممّا عثر عليه أحجارٌ صوانية، على شكل حراب وسكاكين، وأخرى على شكل مناجل، مما يدلعلى أنها كانت تستعمل في تقطيع لحم الفرائس، أو لحصد المزروعات أو للدفاع عنالنفس.
وفيجزيرة فيلكا عثر المنقبّون أيضاً على آثار وسكن وهياكل يرجع عهدها إلى الألف الثالثقبل الميلاد، وقد تبين للباحثين أن هذه الجزيرة، وكذلك السواحل والجزائر الأخرىالواقعة على الخليج كانت ملاجئ يأوي إليها الملاحون والتجار، خلال تلك الأزمنة،للاستراحة، وللحصول على ما يحتاجون إليه عند أهل هذه السواحل من ماء عذب وغذاء.
ونظراً لأهمية هذه السواحل والجزائر سعت الشعوب، التي قطنت في بلادالرافدين من آكاديين وبابليين وآشور ويونان، للاستيلاء عليها والتمتع بخيراتهاومواقعها الاستراتيجية.
ويقالأن سرجون الأكادي كان أول من استولى على البحرين وقطر حوالي عام (2300ق.م)، كماذُكر أن جماعة من تجار أور كانوا يتاجرون مع البحرين منذ الألف الثاني قبل الميلاد،وقد أنشؤوا لذلك أسطولاً لنقل البضائع المستوردة والمصدّرة.
وفيأسطورة سومرية، عُثر عليها مدونة على أحد الرقم بالخط المسماري، وجد علماء الآثاروصفاً لجزيرة البحرين، التي أطلق عليها اسم دلمون ، ويقول كاتب تلك الأسطورة : إنهاأرض السلامة والنظافة، الجنة التي لا يُعرف فيها الموت ولا الأمراض والأحزان، والتيلا ينعب فيها غراب، ولاتفترس أسودُها وذئابها البشر ولا الأغنام.
كانتدلمون محطة مهمة للتجارة بين الهند وإفريقية وسواحل الخليج، تستورد الأخشابوالتوابل والعقاقير من الهند وإفريقية، وتنقل النحاس من عمان إلى العراق، ومنه تحصلعلى ما تحتاج إليه من غذاء وكساء، ويقول العالم بارتون : إن بعض الرسائل الملكية تدلعلى أن الملك مانشتوسي، والدُنارام سين الآكادي، قد أرسل حملة عسكرية بحرية، عام (2306-2292)ق.م، عبرت البحر الأسفل (الخليج العربي)، وتغلبت على سكان السواحل،واستولت على الجبال الواقعة في الجنوب، وأخذت ما فيها من الأحجار، فصنعت منها تماثيلقدمها الملك نذراً للإله أنليل، كما عُثر على نصوص تبين من دراستها أنها عقود جرتلتبادل الفضة والنحاس مع التجار.
صناعةالفخار والخزف والزجاج:
اهتمسكان بلاد الرافدين، شأنهم شأن بقية الشعوب المتوغلة بالقدم، بصنع الأدوات والأسلحةالتي يحتاجون إليها من الأحجار المنتشرة في أطراف بلادهم، وبما أن المواد الغضاريةتستر أكثر أراضيهم لذلك لجؤوا إليها لصنع الأدوات المنزلية، كما استفادوا منها لصنعألواح كتبوا عليها بالخط المسماري الذي اخترعوه. وكانوا يكتفون بمزج الغضار بالماءوصنع تلك الأدوات ثم تركها لتجف تحت أشعة الشمس، وفي أوائل الألف الثاني قبلالميلاد اهتدوا لشيّ تلك الأدوات والألواح، وهذا ما أكسبها صلابة ومقاومة للتفتت،الناجم عن الرطوبة أو الاحتكاك، وفي منتصف الألف الثاني قاموا بطلي بعض تلك الأدواتبطبقة من الزجاج.
ويُعدّ تزجيج الفخار من أوائل الصناعات الكيماوية التي اهتدى إليهاالإنسان، ويقول الدكتور سارتون : إنه يوجد في المتحف البريطاني بلندن لوح مسماريصغير، يعود تاريخه إلى عصر الملك جولكيشار (1690-1636)ق.م، نُقش على وجهيه وصفةعملية لتزجيج الفخار، أي تحويله لخزف، وتدل هذه الوثيقة على الطريقة التي كان يعمدإليها سكان الرافدين لطلي الفخار بطبقة رقيقة من مادة زجاجية، فتكسبه صلابة وملاسةولمعاناً وجمالاً، ويتمّ ذلك بأخذ أوزان معينة من فتات النحاس والرصاص والزجاجالمكسّر، تجعل بشكل سائل باستعمال الخل. وتغمس به الأواني الفخارية، ثم تشوى داخلفرن تشتعل فيه النار، وتخرج منه بعد ذلك وتترك لتبرد في العراء، وبذلك يتلون الفخاربلون أخضر.
ويقولسارتون إن هذه الوثيقة لاتقتصر أهميتها على كونها أقدم سجلّ معروف عن وصف عمليةالتزجيج، بل إن الوثائق الأخرى المماثلة لم تظهر في بلد آخر إلا بعد ذلك بألف عام.
لقدتفنن صانعو الخزف باختيار الغضار المناسب لصنع الفخار، فاليمنيون مثلاً كانوايجلبونه من الصين، أما لتلوين الخزف فقد اهتدوا إلى معرفة الأكاسيد المعدنيةالمناسبة لتلوينها بالألوان المطلوبة، ومما ساعد على تقدم عملية التزجيج وجود قطعمن الزجاج الطبيعي، مبعثرة بين الرمال، وهي تحصل في الطبيعة من اتحاد حبيبات الرمالالناعمة (وتركيبها أكسيد السيليسيوم) مع الأملاح القلوية الناتجة من احتراقالنباتات.
وبماأن وادي النيل غني بالرمال وبملح النطرون، الذي يدخل في تركيبه فحمات الصوديوموفحمات البوتاسيوم، لذلك اهتدى المصريون منذ فجر التاريخ أيضاً لصنع الزجاج، وقدتقدمت هذه الصناعة في مصر وفي غيرها من بلاد الشرقين الأقصى والأدنى، وخاصة بينالقرنين السادس عشر والخامس عشر قبل الميلاد، وأصبح العمال ينتجون أوانيٍ خزفيةوزجاجية، جميلة الأشكال رائعة الألوان، وقد اشتهر الزجاج المصري بألوانه المتعددة،ومنها البنفسجي، علماً أن هذا اللون ينشأ من أوكسيد الكوبالت، وهو معدن لا يصادف فيأرض مصر، مما يدل على قيام المصريين القدماء بالبحث عنه في الأراضي المجاورةلبلادهم.
ومنالأدوات الفخارية التي انفرد بصنعها سكان الرافدين الأختام، وألواح الكتابة (الُرقم)، والتي كانوا يستعملونها لتدوين الرسائل والعقود غالباً.
كان الكهنة في بلاد الرافدين هم الذين يعرفون القراءة والكتابة بالخط المسماري، منذالألف الثالث قبل الميلاد، فإذا أراد أحد الملوك أو الأمراء أن يُبرم معاهدة، أويرسل رسالة إلى ملك آخر، أو أراد أحد الملاّك أو التجار أن يسجّل عقداً مع مستأجرأو بائع، التجأ إلى أحد الكهنة أو الكتبة، وبما أن العقود والرسائل كانت تنقش علىألواح طينية غضة لذلك كان لابد لكل فرد يتمتع بمكانة اجتماعية أو مالية، أن يكون لهخاتم خاص يدل عليه، فيمهر به العقد أو الرسالة. ويتفاوت حجم الخاتم، وطريقة نقشه،ونوع الحجر المصنوع منه، حسب مكانة صاحبه. لذلك وجد المنقبّون في خرائب مدنالرافدين أختاماً من الفخار أو العقيق أو اللازورد أو اليشب، أو غيرها من الأحجارالكريمة، منقوشة بأسماء أصحابها أو رموزهم.
التعدين أساس علم الكيمياء:
يقولالعالم الفرنسي برتلو، في كتابه تاريخ علم الكيمياء "إن العلم البشري الأول ولد منصناعات التعدين البدائية. أي حينما اهتدى الإنسان لصنع الخلائط المعدنية، وقامبتزجيج الفخار وصنع الزجاج وصبغ الأقمشة، وتعلم استعمال الميزان...".
ويقولديورانت، في كتابه تاريخ الحضارة: "إن النحاس كان أول معدن استخدمه الإنسان فيمانعلم، في أعلى مجرى الرافدين، في عصر يرجع إلى(4500ق.م). ثم نجده في مقابر البداريفي مصر، ويرجع عهده إلى مايقرب من (4000ق.م). ونجده كذلك في آثار أور في زمن يرجعإلى (3000ق.م).
كانسكان وادي النيل من أوائل الشعوب التي اكتشفت الذهب والفضة منذ فجر التاريخ. ذلكلأن هذين المعدنين يصادفان بشكل حبيبات من المعدن الحر، تجتمع على شكل عروق في باطنالصخور. وبتأثير السيول والأمطار تتفتت تلك الصخور وتتحرر منها الحبيبات التي تصادفبين الرمال في مجاري السيول والأنهار، والموجودة خاصة في جنوب وادي النيل.
أماالنحاس فقد اكتشف في صحراء سيناء على شكل فلزات كبريتية، واستخصلوه منها بإحراقهابعد مزجها بالفحم النباتي الذي يرجع الأكاسيد المعدنية، ويحرر المعدن.
ونظراً لليّونة وقابلية التطريق، اللتين يتمتع بهما الذهب والفضةوالنحاس، فقد صنعوا منها كثيراً من الأواني والأدوات والحلي، فاستعملوا بعضهاللزينة وبعضها لتحضير الطعام. وقد أبدع المصريون في صنع التحف والتماثيل الذهبية،كما أبدع اليمنيون في صنع الحلي والأسلحة الفضية.
عصرالبرونز والصفر:
لميصلح النحاس النقي في صنع الأسلحة لليونته، كما لم يصلح تماماً لصنع الأدواتالمنزلية، لأنه سريع التحول إلى مركبات سامة حينما تكون الأطعمة حامضة ؛ لذلكلجأت بعض شعوب الشرق الأقصى والأوسط والأدنى إلى خلط النحاس بمعادن أخرى، لتكسبهالقساوة والصلابة وسهولة الانصهار، وبذلك بدأ عصر البرونز. ولكن الزمن الذي حصل فيهاكتشاف خلائط النحاس يختلف من بلد لآخر، ويمكن القول بأن ذلك قد تم بين الألفينالثالث والثاني قبل الميلاد. ويذكر العالم سارتون أن المصريين قد استعملوا البرونزعلى نطاق واسع خلال حكم الأسرة الثامنة عشرة (1580-1350)ق.م.
يتألفالبرونز المصري من معدني النحاس والقصدير، مع قليل من الشوائب. وبما أن القصدير غيرموجود في أرض مصر، لذلك بحث علماء التاريخ والجيولوجيا عن مصدره، فوجدوا أن أقربمكان يمكن أن يجلب منه هو مدينة جبيل (بيبلوس) على الساحل السوري.
إنعدم وجود فلزات تجمع بين النحاس والقصدير في مصر يدل على أن المنشأ الأول للبرونزلم يكن في مصر. وهذا أمر طبيعي لأن صناعة التعدين كانت منتشرة في عدة أماكن منالعالم القديم. وقد كان للفينيقيين دور هام في نقل المعادن ونشر صناعتها بين دولالبحر المتوسط منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.
لقدعرف السومريون نوعاً آخر من البرونز، واستعملوه على نطاق واسع خلال الألف الثانيقبل الميلاد، وكان يتألف من مزيج من النحاس والرصاص، وكلاهما كان متوافراً في منطقةالرافدين، أو فيما يجاورها من الأقطار.
كانتعمليات التعدين، كالمعالجات الطبية، كثيراً ما يصاحبها الإخفاق. ولما كان سكان واديالرافدين يؤمنون بتأثير الكواكب، في جلب السعد أو النحس، والشفاء أو المرض، لذلكفإن إمكان نجاح تحضير الخلائط المعدنية، وصهر المعادن وتنقيتها، كان مرتبطاً بظهوربعض الكواكب، أو بأوضاعها المختلفة بالنسبة إلى بعضها مع بعض. وقد أشار بعضالمؤرخين إلى أن كثيراً من العمليات التكنولوجية كانت تصاحبها طقوس دينية وثنيةلاسترضاء الأرواح الخفية المسيطرة على باطن الأرض. وقد أسبغ الكيميائيون والفلاسفةعلى العناصر التي اكتُشفت فيما بعد، صفات الكائنات الحيّة، كما اعتقدوا بأن الصهروالمزج، الذي يتمّ بين تلك العناصر، كثيراً ما يؤدي إلى موت أو إحياء أو تزاوج أوافتراق بينها.
اشتهرت الشعوب القديمة من سكان الشرق بتجربتها الواسعة في صناعةالتعدين، وقد انتقل تراثها الحضاري إلى سائر شعوب البحر المتوسط. وهنالك بعضالأساطير القديمة التي تؤيد ذلك، منها: أن أحد ملوك فينيقية، ويدعى قدموس Cadmus،قد جاء إلى بلاد اليونان بصناعة التعدين، وهو أول من استفاد من مناجم الذهب والفضةالموجودة في جبال مكدونيا.
كمايحكى أن أميراً فينيقياً آخر يدعى تاسوس Tassus استثمر مناجم الذهب الموجودة فيجزيرة تقع شمال بحر إيجه فسميت الجزيرة باسمه.
ظهورعلم الكيمياء:
يقولالعالم هولميارد إن مصر كانت المهد الأول لظهور الكيمياء، وذلك في عهد البطالسة. ومما يؤيد ذلك اكتشاف كتاب لفيلسوف يدعى بولس ديموقريطس، يعود تاريخه إلى نحو عام (200ق.م).
عاشهذا العالمفي مدينة مانديس Mendès، الواقعة في دلتا نهر النيل. ويقول هولميارد إنكتاب ديمقراطيس المذكور، والمسمى فيزيكا Physika، ينقسم إلى أربعة أقسام، تكلم فيهاعلى صناعة الذهب والفضة والأحجار الكريمة والأرجوان. ويضم هذا الكتاب مزيجاً غريباًمن وصفات ومقتطفات تتعلق بتجارب عملية منشؤها مصر وسورية وبابل وبلاد فارس.
وممايميز ديمقراطيس من أصحاب الصنائع والحرفيين اهتمامه بتحويل المعادن البخسة إلىثمينة، وذلك بتلوين المعادن أو صبغها أو خلط بعضها ببعض أو إضافة بعض الموادالملونة لها، وخاصة الكبريت أو مشتقاته، وكذلك بعض المركبات الزرنيخية الطبيعية.
لقدتكلم كل من هولميارد وسارتون على برديات مكتشفة في مصر، تضم بعض المعلومات عنالتعدين. وهذه البرديات محفوظة حالياً في متحفي ليدن واستوكهولم. إلا أن علماءالآثار لم يستطيعوا تعيين قدمها، أهي من عهد البطالسة أم ترجع إلى عهد قدماءالفراعنة.
ولكنمن المؤكد أن المصريين قد أتقنوا صناعة الذهب وتصفيحه ولحمه وتحويله لأسلاك منذ عصرالأسر القديمة. وقد قام كيميائي مصري يدعى زوسيم Zosimos، عاش في النصف الثاني منالقرن الثالث للميلاد، بوضع كتاب وصف فيه الأدوات اللازمة في هذه الصناعة. علماًأنه كان من أهالي مدينة بانوبوليس Panopolis، الواقعة على الضفة الشرقية من نهرالنيل في صعيد مصر، والمعروفة حالياً باسم إخميم. وفي هذه المدينة أقام قدماءالمصريين أبنية حجرية، على شكل غرف، زينت جدرانها بلوحات مصورة أو محفورة، يمثلبعضها صناعة التعدين، وإلى جانبها كتابة بالخط الهيروغليفي لشرح ماجاء فيها.
إنبعض هذه الأبنية لما تزل ماثلة الآثار، وقد وجد فيها قديماً أدوات ومواد كانتتستعمل في صناعة التعدين. وورد ذكر هذه الأبنية في عدة مؤلفات عربية، منها كتاب(الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر) لمؤلفه الطبيبوالمؤرخ عبد اللطيف البغدادي (ت629هـ/1231م).
لقدثبت لعلماء الجيولوجيا والآثار أن مناجم النحاس والإثمد قد استثمرت منذ عصر الأسرالقديمة، وأن تنظيم استثمارها حصل في زمن سنوسرت الأول (1980-1935ق.م). ويقولالعالم سارتون :إن المصريين أقاموا في سيناء مساكن للعمال والموظفين وحصوناً لصدغزوات البدو. ونستطيع اليوم أن نرى بقايا تلك المستعمرات الخاصة بالتعدين والتييرجع تاريخها إلى ثمانية وثلاثين قرناً قبل الميلاد.
مماسبق يتبين لنا أن المعادن الرئيسة التي اهتم بها المصريون كانت الذهب والفضةوالنحاس والقصدير والإثمد (كبريت الانتموان) المستعمل في صناعة الكحل. أما صناعةالحديد فقد تأخر ظهورها في مصر لسببين:
أولاً: لعدم اكتشاف مناجم الحديد فيها بصورة مبكرة.
ثانياً : صعوبة استخلاص الحديد من فلزاته، والذي يتطلب درجات عاليةمن الحرارة وتقنيات معقدة. ومن المحتمل أن يكون بعض صناع الحديد قد وفدوا إلى مصرفي الفترة الواقعة بين القرنين الثاني عشر والسادس قبل الميلاد.
عصرالحديد:
يقولبعض المؤرخين : إن الحيثيين هم الذين اخترعوا صناعة الحديد حول منتصف الألف الثانيقبل الميلاد. ومن بلاد الحيثيين في الأناضول وصلت تلك الصناعة إلى بلاد الشام ومصرفي الجنوب، وإلى بلاد مكدونيا في الغرب. ويقول سارتون: "من الراجح أن الغزاةالدوريين استطاعوا أن يفرضوا سيادتهم على شعوب البحر الإيجي بفضل أسلحتهم وأدواتهمالحديدية".
ومنالمفيد أن نذكر بأن العصور التاريخية المتتابعة، وهي الحجري والنحاسي والبرونزيوالحديدي، لم تحدث في زمان واحد في جميع الأقاليم التي انتشرت فيها الحضاراتالقديمة، كما أن ظهور أحد هذه العصور في إقليم معين ربما استمر فيه مدة أطول مماكان عليه في إقليم آخر، وذلك لأسباب عديدة منها:
1ً-أنجميع الصناعات من كيماوية وغيرها كانت ولم تزل تعتبر من الأسرار التي تجب المحافظةعليها كمصادر للدخل، وكثيراً ما كانت القبائل والشعوب والعائلات تحتكرها وتخفيأسرارها.
2ً-أنالخامات الضرورية لصناعة التعدين لا تتوافر من ناحية الجودة والغزارة في جميع بقاعالأرض، لذلك كان لابد من وجود تجار ووسطاء يقومون ببيعها أو شرائها عن طريقالمقايضة غالباً.
ويقولالمؤرخ سترابون : إن تجار صور الفينيقيين كانوا يقومون بعد حروب طروادة بقليل،بتصدير مجموعة كبيرة من البضائع وتوزيعها في بلاد البحر المتوسط؛ ومنها الأوانيالزجاجية والفخارية، والأدوات المعدنية المصنوعة من النحاس القبرصي. وكانوا يحصلونمن مصر وجزيرة العرب وبلاد الرافدين، على معظم البضائع التي يبيعونها. وكثيراًما نسبت إليهم مخترعات (صناعة الزجاج مثلاً) لم يكونوا أهلها، بل عملوا علىترويجها.
لقدأنشأ الفينيقيون مستعمرات لهم في أماكن متعددة على سواحل البحر المتوسط وفي الجزائرالمنتشرة فيه. وكانت أهم مستعمراتهم قرطاجة، التي تأسست عام 814 ق.م، وسقطت بيدالرومان عام 146ق.م.
استطاع الفينيقيون أن يصبحوا سادة التجارة البحرية منذ القرن الثانيعشر قبل الميلاد، وكان منافسهم الوحيد الأسطول اليوناني. ولما وقعت الحرب بيناليونان والفرس من عام 478 إلى 449ق.م، كان الفينيقيون إلى جانب الفرس، فانتهتالمعارك بهزيمتهم، ومن ثم سيادة اليونان على التجارة البحرية، وبقاء السيادةالفارسية على بلاد الشرق الأوسط بما فيها مصر.
ومنالأعمال الجريئة والمهمة التي قام بها القرطاجيون اجتيازُ ملاحيهم أعمدة هرقل (مضيقجبل طارق)، وتوغلهم في البحر المحيط المظلم والمخيف. واكتشافهم جزر هيبرنيا والبيون(إيرلندة وإنجلترة)، ومن هناك استطاعوا الحصول على القصدير، وهو المعدن اللازملصناعة البرونز في مصر وجزيرة قبرص.
كانتالحضارة الكنعانية التي نشأت في جنوب بلاد الشام أساساً ومرتكزاً في فلسطين، و قامتعليهما الحضارة الآرامية في سورية. وقد أطلق اليونان فيما بعد على الكنعانيين الذيناحتلوا سواحل وأرض لبنان اسم الفينيقيين.
علمالمعادن في أسفار وملاحم العالم القديم:
لميكن عدد المؤرخين الأوائل، والذين ظهروا خاصة قبل الميلاد، كبيراً. كما لم يكنلديهم الوسائل العلمية الصحيحة التي تمكنهم من التحقق من صدق الأخبار التي تنقلإليهم؛ لذلك كانت المبالغة والتحريف من الأمور الشائعة في مؤلفاتهم، حتى عُدّت بعضأخبارهم من الأساطير التي لا يعتمد على صحتها. وقد سُجل بعضها في زمرة كتب النوادرأو عجائب المخلوقات والكائنات.
وسنتكلم فيما يلي على مرجعين هامين، ورد فيهما ذكر المعادن، وكانامصدرين لاستقاء أخبار أمم غابرة، أحدهما كتاب العهد القديم، والثاني ملحمتا هوميروسالإلياذة والأوذيسة.
لقدشمل كتاب العهد القديم، بأسفاره العديدة (39 سفراً) وجملة إصحاحاته (929 إصحاحاً) تاريخ البشرية، منذ ظهور آدم عليه السلام، ونوح وإبراهيم الخليل وذريتهما حتى عهدالنبي زكريا. وبقي هذا الكتاب المرجع الأول لتاريخ الأمم الغابرة عند المؤمنينبالكتب السماوية. وحينما ظهر المؤرخون الحديثون، وكان أكثرهم من اليهود، استمربعضهم بالاعتقاد في صحة ماجاء بالتوراة خاصة، أو بكتاب العهد القديم بصورة عامة. وقد شمل اعتقادهم أموراً دينية أو تاريخية أو علمية.
كانإبراهيم الخليل يقطن وعشيرته في أور (الكلدانيين؟)، كما جاء في سفر التكوين، ثمانتقل منها إلى حاران، حيث تزوج من عشيرته (الآراميين)، وبعدها تابع الطريق مع أخيهلوط إلى أرض كنعان (فلسطين).
ويقولالدكتور أحمد سوسة (في كتابه العرب واليهود في التاريخ): "إنالحضارة الكنعانية تعود إلى عصور موغلة في القدم. فمنذ العصر الحجري الحديث ( 7-5آلاف سنة ق.م) بدأت هذه الحضارة تنمو وتتقدم. فكان الكنعانيون أول من اكتشف النحاساللّين، ثم اهتدوا إلى الجمع بين النحاس والقصدير في إنتاج البرونز. وبذلك أصبحاستعمال البرونز شائعاً في المدن الكنعانية منذ أواسط الألف الثالثة قبل الميلاد". ومن المحتمل أن يكون الكنعانيون قد أخذوا صناعة الحديد من الأقوام المجاورة لهم مثلالحثيين".
منالمعتقد أن إبراهيم الخليل ظهر في بلاد الرافدين بين القرنين الثامن عشر والسابععشر قبل الميلاد، وأن موسى ظهر في مصر خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد، زمنالملك رعمسيس الثاني (1301-1235)ق.م.
وحتىذلك العصر لم يكن استعمال الحديد شائعاً في وادي النيل وأرض كنعان، وإنما كانالنحاس والبرونز هما المستعملان في صنع الأسلحة والأدوات المنزلية. وحينما ظهرالملك داوود وابنه سليمان، وذلك بين القرنين الحادي عشر والعاشر قبل الميلاد، بدأتصناعة الحديد بالظهور والانتشار.
وفيكتاب التوراة ما يشير إلى استيلاء الحثيين على القسم الشمالي من أرض كنعان، ذلك لأنإبراهيم الخليل، بعد عودته من مصر، اضطر إلى أن يدفع مبلغاً من الفضة إلى ملكالحثيين، لكي يسمح له بدفن زوجته سارة في قبر يقع في مغارة حبرون (مسجد الخليلحالياً). كما أن عيسو بن إبراهيم اتخذ زوجتين من الحثيين، وهذا ما أغضب أباه وجعلهينصح ابنه الثاني إسحاق بالذهاب إلى بلاد آرام النهرين (حاران) ليتزوج من نسل أخيهناحور. وأرسل إبراهيم أحد عبيده ليكون واسطة للزواج وأعطاه حزاماً وإسوارين منالذهب ليقدمها هدية للعروس.
وفيسفر الخروج (الإصحاح 17) ورد ذكر حرب جرت بين العماليق وبني إسرائيل في زمن موسىعليه السلام، ولكن لم ترد أي إشارة عن نوع المعدن الذي استعمله المحاربون في صنعالسيوف. وفي الإصحاح (25) من السفر المذكور جاء ذكر الهدايا الواجب تقديمها إلىالرب، وهي تتألف من ذهب وفضة ونحاس واسمانجوني وأرجوان وقرمز وجزْع. وكان على بنيإسرائيل أن يصنعوا أيضاً تابوتاً لحفظ كتاب العهد (صحف موسى) ومائدة من خشب السنط،على أن تغشّى سطوحهما من الداخل والخارج بصفائح من الذهب النقي، وأن يزين التابوتبإكليل من الذهب. وأن يصنعوا مناراً (شمعداناً) من ذهب نقي يحمل ستة شعب. كما جاءوصف للمسكن (خيمة الاجتماع) الذي يجب أن يضم عشر شقق مبنية من البوص المبروم،ويعلوه خيمة تصنع من شعر الماعز، وأعمدتها من النحاس...
وجاءفي الإصحاح (28) من سفر الخروج أيضاً: على بني إسرائيل أن يصنعوا ثياباً وأطواقاًوسلاسل من الذهب، لهارون وبنيه، لتقديسهم، وليكونوا كهنة لهم (وهم اللاويّون). وأماالثياب فيجب أن يصنعها حائك حاذق، من ذهب وفضة، و(تزيّن بأحجار) اسمانجونيوأرجوان...
وفيالإصحاح (31): كلم الرب موسى قائلاً: "إني دعوت صائيل بن أورى بن حور أن يعمل منالذهب والفضة والنحاس مخترعات، وأن ينقش الحجارة للترصيع". وقد قام هذا الصانع(الحوري) بحياكة ثياب هارون وبنيه، كما قام بصنع التابوت والمائدة والمنار، وغيرهامن الأدوات والأواني الثمينة.
وفيالإصحاح (32): إن بني إسرائيل، لما أبطأ موسى بالنزول إليهم (وهم في صحراء التيه) قالوا لأخيه هارون: "قم فاصنع لنا آلهة تسير أمامنا. فقال لهم هارون: انزعوا أقراطالذهب التي في آذان نسائكم وبناتكم وآتوني بها، فصنع منها عجلاً مسبوكاً. فقالواهذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر".
وهذاالقول يؤكد أن بني إسرائيل كانوا يعبدون العجل آبيس (Apis)، الذي كان أحد الآلهةالمقدسة في مصر، وأنهم لم يكونوا موحدين قبل خروجهم منها.
وفيالإصحاح (31) من سفر العدد: "كلم الرب موسى قائلاً: انتقم لبني إسرائيل منالمديانيين"، ذلك لأن أهل مدائن صالح قد تحرشوا ببني إسرائيل ونهبوا بعض أموالهمعند خروجهم من مصر.
وبعدأن قام جنود إسرائيل بتنفيذ الانتقام، وقضوا على جميع الذكور الأحياء من أهل مدين،أتوا إلى موسى والعازر الكاهن (ابن هارون) وإلى جماعة بني إسرائيل بالسبىوالغنائم.. فقال العازر للجند الذين ذهبوا للحرب: هذه فريضة الشريعة التي أمر بهاالرب موسى: الذهب والفضة والنحاس والحديد والقصدير والرصاص، كل ما يدخل النارتجيزونه في النار فيكون طاهراً. وأما كل مالا يدخل النار فتجيزونه في الماء،وتغسلون ثيابكم في اليوم السابع، فتكونون طاهرين، وبعد ذلك تدخلون المحلة".
وبعدذلك أحصيت الغنائم، ثم قسمت المواشي والسبايا على المحاربين، وعلى اللاويينالحافظين لشعائر الدين. أما الذهب وكان يضم أساور وخواتم وأقراط وقلائد، أخذها موسىواليعازر، وأتيا بها إلى خيمة الاجتماع.
إنوجود هذه الكمية الكبيرة من الذهب، في مدائن صالح، بالإضافة إلى أنواع المعادنالمختلفة، المهمة في الصناعة، يدل على التقدم الحضاري لسكان تلك المنطقة التي تقعشمال الحجاز. علماً بأنه لم يرد في التوراة خبر يبين الطرق التي اتّبعت في تصنيعتلك المعادن. وقد ظهر الإسرائيليون في جميع حروبهم كغزاة وقتلة ومخربين للحضارةأكثر منهم بناة ومبدعين.
اليونانيون يقتبسون العلم والصناعة من مصر وبلاد الشام:
إنأقدم مؤلف تاريخي محفوظ حتى الآن، ويتكلم على بلاد اليونان، هو الإلياذة والأوذيسة. وتنسب هاتان الملحمتان إلى شاعر ضرير يدعى هوميروس، وقد خلّد بهما الحرب التي قامتبين أثينا وطروادة. أما تاريخ هذه الحروب فقد جعلها بعضهم نحو عام 1280ق.م، وأرجعهابعضهم الآخر إلى عام 1180ق.م. علماً بأن البناء الفني واللغوي لهاتين الملحمتين،كما يقول المؤرخ سارتون، لم يك من المستطاع قبل القرن العاشر أو التاسع قبلالميلاد. كما أنه يوجد فارق زمني بين الملحمتين لايقل عن قرن أو أكثر.
لقدبنى هذا المؤرخ استنتاجاته المذكورة على إحصاء قام به، فقد وجد أن الإلياذة تذكرالبرونز (14) مرة، مقابل كل مرة يذكر فيها الحديد. أما في الأوذيسة فالبرونز يذكرأربع مرات لكل مرة يذكر فيها الحديد، مع العلم أن جذور الملحمتين نبتت في عصرالبرونز، ولكن هوميروس في الأوذيسة كان أكثر معرفة بالحديد وأقل معرفة بالبرونز منهوميروس الأول. وعلى هذا الأساس فرض سارتون وجود مؤلفين أحدهما للإلياذة ودعاههوميروس الأول، والآخر ألّف الأوذيسة ودعاه هوميروس الثاني.
الإلياذة والأوذيسة لهوميروس:
أسطورتان يونانيتان، غنيتان بالمعلومات التي تدل على حضارة اليونان،وصلتها بالحضارات الشرقية، وخاصّة المصرية والكنعانية البابلية. ويقول المؤرخسارتون "إن الموازنة بين الثقافة الهوميرية وغيرها من الثقافات الشرقية ليست عادلة،لأن العصر الهوميري لم يستمر إلا بضعة قرون قليلة، على حين أن نمو الثقافات الأخرىظل مستمراً عشرة أمثال مدته".
لقدأنشأ الكريتيون مدناً ومستعمرات كثيرة على السواحل الغربية للأناضول، وظهر فيهاعلماء وحكماء منهم طاليس المالطي (ت545ق.م). والذي يقال بأن أصله فينيقي، وتلقىعلومه في مصر، وكذلك فيثاغورس الساموسي (ت503 ق.م) الذي زار مصر أيضاً، واطلع علىالطرائق الهندسية والمعمارية فيها.
لقدجاء في الإلياذة قصة حرب نشبت حول مدينة إليون، في أرض تسمى طروادة، تقع في الزاويةالشمالية الغربية من الأناضول.
أماسبب هذه الحرب فهو أن باريس Paris، ابن ملك إليون، قام باختطاف هيلانة زوجةمانيلاوس ملك اسبارطة. ولما كان أغاممنون، ملك مسنيا، أخاً لمانيلاوس، ورئيساًلتحالف ملوك الإخائيين الذين كانوا يحكمون بلاد اليونان، لذلك استنفر الجميعلمعاقبة الطرواديين. وقد اشتهر من هؤلاء أوذيس (اوعوليس) الذي حذق فنون الحرب ووضعالحيل، ومنها حصان طروادة. كما اشتهر آخيل كبطل صنديد، ولكن قلبه كان خالياً منالرحمة.
لقدورد في الإلياذة فقرات عديدة تدل على أنواع المعادن التي عرفها الإغريق، والأدواتوالأسلحة التي صنعت منها.
- كانالحداد هيفست Hephaestus الإسبارطي الأعرج يقوم بصنع مراجل تحملها ثلاث عجلات ذهبيةلتكون في دار الأرباب. كما كان يقوم بصنع التروس والدروع والرانين (ج.ران) لحفظالساقين. وكان يصنع في الكور برونزاً وقصديراً وذهباً وفضة. كما صنع درعاً وخوذةبحافة من ذهب، وصنع رانين من القصدير.
وصنعترساً لآخيل Achille يتألف من خمس طبقات، طبقتان من البرونز، وطبقة من الذهبوطبقتان من القصدير. وبعد مقتل بتروكل Patroclus دعا آخيل قومه إلى سباق مركباتوخيول، تكريماً لصديقه الميّت، وأحضر من سفنه كثيراً مما يصلح للجوائز، كالمراجلوالأباريق المصنوعة من البرونز والحديد.
كماجرى سباق للجري قدمت فيه جوائز للفائزين، كان أولها كأس للمزج يتسع لستة مكاييل،ليس لحسنها مثيل، صنعت في صيدا وجلبها تجار فينيقيون.
وفيمباراة رمي القرص الحديدي قام آخيل، وبيده قرص ثقيل من الحديد وقال: "إن هذا القرصهو لمن يبعد مرماه فيفوق الجميع، أما جائزته فهي كمية من الحديد تكفيه خمسة أعوامللعمل في مزارعه مهما اتسعت".
أمافي مباراة رمي السهام فكانت جائزة الأول عشرة فؤوس من الحديد ذات حدين، وجائزةالثاني عشرة فؤوس ذات حد واحد. وفي مباراة رمي الرماح كانت الجائزة رمحاً طويلالسنان، ومرجلاً لم تمسّه نار، يساوي ثمن ثور.
وبعدمقتل هكتور، ابن الملك بريام Priam ملك طروادة، بيد آخيل الذي احتفظ بجثته، أرسلالإله زوس Zeus رسولاً إلى بريام يقول له: اذهب واحمل معك من الهدايا القيمة مايرضيقلب آخيل، وارجع بجثة ولدك، فأمر بريام أن تهيأ مركبة وتملأ بمجموعة من الدثاراتوالبسط والجلابيب، مع عشر وزنات من الذهب، ومرجلين بهيين لهما قوائم ثلاث، وأربعةسيوف وكأس ليس لجمالها نظير". ولانعلم ممَّ كانت تصنع تلك المراجل والسيوف، والغالبأنها من البرونز.
أماالأوذيسة فهي الملحمة الثانية التي تنسب لهوميروس أيضاً، وفيها وصف لعودة الإغريقإلى بلادهم، بعد رحلة دامت عشر سنوات، لاقوا خلالها كثيراً من المشاق والأهوال فيالبر والبحر. وكلمة الأوذيسة مشتقة من أوذيس (أو عوليس) ملك إيتاكا، وقد خلدههوميروس في ملحمته وجعله خير أبطال الإغريق وأشجعهم.
تزوجأوذيس قبل سفره من بنلوب، ورزق منها ولداً اسمه تليماك. وحينما عاد أوذيس إلى بلدهوجد حشداً من الخطّاب قد اغتنموا فرصة غيابه، وصغر سن ولده، فأخذوا يبذرون أموالهويلحون على امرأته للزواج من أحدهم.
ونجدفي الأوذيسة وصفاً رائعاً لعادات الإغريق وطرائق معيشتهم وآداب سلوكهم. أماالإلياذة فهي الملحمة التي مثّلت استعداد الإغريق للحرب، وتصرفهم في القتال حتىنوال النصر.
لقدورد في الأوذيسة عدة فقر فيها ذكر لأنواع المعادن المستعملة منها: أن أوذيس كانيدخر في منزله قبل سفره الذهب والبرونز والثياب، إلى جانب زيت الزيتون والنبيذ. وأنأغنياء الإغريق كانوا يتناولون النبيذ بكؤوس من الذهب، ويشربون الماء بأباريق منذهب أيضاً، ويغسلون أيديهم بطست من الفضة.
كانتمصر منذ القدم مصدراً لمعدن الذهب، ويدل على ذلك أن مانيلا ملك إسبارطة صادف بطريقالرجعة ريحاً شديدة قرب جزيرة كريت، فساقت سفينته إلى مصر. وهناك تاه طويلاً بينقوم غرباء اللسان، لكنه استطاع أن يجمع كثيراً من الذهب عن طريق عمله كعبد أسير.
كانتمدينة صيدا مركزاً لصناعة الأدوات الفضية والذهبية المتقنة، وقد تردد ذكرها عدةمرات في الملحمتين، منها أن الملك مانيلا، حينما أراد أن يكرم تلماك، قدم له كأساًمن الفضة وحواشيها من الذهب، وقال له : إن ملك الصيداويين كان قد أهداها إليه.
واشتهر الفينيقيون بصنع سلاسل ذهبية تحمل كرات من الكهربا، وكانخطّاب بنلوب يقدمون لها هدايا، منها اثنا عشر مشبكاً ذهباً، واثنتا عشرة قلادة،وسلاسل فيها خرزات من الكهربا ، وهي غالباً من صنع الفينيقيين أيضاً.
دراسات تاريخية حديثة ورد فيها ذكر المعادن:
نظمتجامعة حلب بالتعاون مع جامعة روما ندوة عالمية، بتاريخ 17-20/10/1992، حول تاريخسورية والشرق الأدنى خلال الفترة الممتدة من 3000 إلى 300 سنة قبل الميلاد.
وكانمن بين البحوث التي ألقيت موضوع عنوانه: "رسائل جديدة عن تاريخ حلب وشمال سورية فيالقرن الثامن عشر قبل الميلاد"، ألقاه الدكتور فيصل عبد اللّه، من جامعة دمشق، وجاءفيه مايلي:
كانتمدينة إيمار (مسكنة) المنفذ التجاري لمملكة حلب (يمحاض) على الفرات. وكانت دولةقطنة في منطقة حمص المنافس المزمن لمدينة حلب. وقد توطّدت العلاقات بين مملكتي حلبوماري بعدد من التحالفات الحربية، في مواجهة أعداء حلب في الجبال الشمالية وأعداءماري في الشرق. وكانت حلب منطقة عبور نحاس الجبال إلى ماري، والمجلوب غالباً منقبرص عن طريق قطنة وفلسطين. وبما أن حلب كانت أيضاً بحاجة للقصدير لإنتاج البرونزكانت تستورده عن طريق تل ليلان (شبات انليل)، وإما بواسطة مملكة ماري".
لقدورد في بعض النصوص المكتشفة في هذه المملكة وصف رحلة قام بها ملكها الأموري زمريليم، حفيد حمورابي، إلى حلب، من أجل تكريم إلاهها أدو، مصطحباً معه أواني ثمينة منذهب وفضة. كما ورد في رسالة أخرى اكتشفت حديثاً وصف الهدايا التي قدمت إلى الأميرةشبتوبنت ياريم ليم ملك حلب، وزوجة زمري ليم ملك ماري، وكان من بينها خاتم ذهب وزنهست مثاقيل.
لقدأتقن سكان ماري صياغة المعادن الثمينة وسكب البرونز، بدليل أن زمري ليم قد أرسل إلىحلب عن طريق إيمار (مسكنة) تمثالاً للإله بعل، وطبلاً كبيراً من البرونز بلغ منالضخامة والثقل ماجعل نقله من الصعوبة بمكان.
الرحلات الاستكشافية وأثرها في علم الجغرافية:
يقولالمؤرخ فيليب حتّي، في كتابه تاريخ لبنان: "كانت كنعان خلال الألفين الثالث والثانيقبل الميلاد جسراً عبرت عليه البضائع المصرية في طريقها إلى بابل، والبضائعالبابلية إلى مصر. ولم يقتصر الأمر على البضائع المادية بل تعدّاها إلى انتقالالأفكار والتيارات الحضارية. كما أن الإغريق اقتبسوا من الفينيقيين الكثير: فيالدين، واللغة، والزراعة، والصناعة، وفن العمارة، والأدب، والكتابة".
منالمسلّمات التاريخية أن أكثر الشعوب القديمة كانت تشكل قبائل مفطورة على حبّ التنقلوالترحال منذ فجر التاريخ. ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها: طلب الرزق من ماء وغذاء،وطلب الأمان، خشية الحيوان والإنسان، والفرار من أمكنة ينتشر فيها الوباء أوالكوارث الطبيعية.
ولكنحينما استقرت أكثر تلك القبائل في أماكن آمنة، يتوافر فيها الرزق والعمل، فقد أصبحللانتقال والرحلات الفردية أو الجماعية غايات أخرى، أهمها التجارة، وطلب العلم، وحبالاستطلاع.
ويقولالعالم سارتون إن عدداً من المؤرخين اليونان قاموا برحلات عديدة القصد منها جمعمعلومات خاصة بالجغرافيا البشرية، منهم هيرودوت وكيتسياس وهانون في القرن الخامسق.م، وكسينوفون وبتياس في القرن الرابع ق.م، وباتروكليس السلوقي وإراتوستنيسالبرقاوي في القرن الثالث ق.م.
تركهؤلاء العلماء والرحّالون مذكرات عن أسفارهم البرية والساحلية، ورسوماً وخرائطبدائية استفاد منها السلوقيون والرومان في فتوحاتهم، كما استفاد منها علماء التاريخوالجغرافية العرب فيما بعد.
لقداعترف الفيثاغوريون، حوالي القرن الخامس ق.م، بكروية الأرض، ولما جاء إراتوستنيسوضع خريطة للعالم مستنداً إلى أسس الجغرافية الرياضية المبنية على كروية الأرض. ولدهذا العالم في برقة نحو عام 273ق.م، وتلقى علومه في أثينا، ثم انتقل إلى الاسكندريةبدعوة من بطليموس الثالث، حيث قضى بقية حياته، وتوفي عام 192 ق.م. ترك هذا العالمعدة مؤلفات أهمها (مذكرات جغرافية) استفاد منها العالمان سترابون وبطليموس القلوذي. وتتألف هذه المذكرات من ثلاثة أجزاء: الأول: مقدمة تاريخية. والثاني: قياس الأرضوالجهات المسكونة منها.والثالث: الخرائط وتقويم البلدان.
استرابون Strabon:
ولدنحو عام 64ق.م في مدينة أماسيا عاصمة مملكة بنطس الواقعة على البحر الأسود. وهو منأسرة آسيوية يونانية، تعلم في روما وأتم دراسته في الاسكندرية. وتعود شهرته لتأليفهكتابين: الأول مفقود وعنوانه (دراسات تاريخية)، والثاني موجود وهو موسوعةبالجغرافية الطبيعية والبشرية، تعد من أهم ماتركه اليونانيون من تراث علمي، وهيتتألف من (17) جزءاً.
قاماسترابون بعدة رحلات شملت كثيراً من بقاع آسيا الصغرى واليونان وإيطاليا ومصروالحبشة. أما بقية البلاد التي تكلم عليها، وهي الهند وفارس وبين النهرين، فقد كانتمقتبسة من مؤلفات من سبقه من الرحّالين وأصحاب الأخبار.
ألمّاسترابون بالعلوم الفلكية التي عرفها المصريون والكلدانيون. وذكر أن الفينيقيين منأهل صيداهم الذين نقلوا مبادئ علم الفلك والحساب إلى بلاد اليونان. عاش استرابون فيزمن الامبراطور الروماني أوغسطس، وتكلم على مناجم الفضة الموجودة في إقليم لوريونفي اليونان، وعلى صناعة الزجاج المتقدمة في الاسكندرية.
ويقولالعالم سارتون: إن كتاب استرابون، على الرغم من ضخامته وأهميته، فإن الحكومة ورجالالأعمال في الامبراطورية الرومانية لم يستفيدوا منه. والسبب في ذلك ربما يعودلإخفاء أصحاب هذه الموسوعة النسخ الأولى منها لاستخدامها في أغراضهم الخاصة. وإنالمؤرخ يوسفوس كان أول من اطلع على هذا الكتاب، واستفاد منه في القرن الأولللميلاد. بينما لم يعرفه أحد من علماء اليونان ولا بطليموس القلوذي و بلينيالروماني.
وفيالعصر البيزنطي (القرن السادس للميلاد) اكتُشف أول مخطوطاته، ثم ظهرت له بعد ذلكثلاث مخطوطات أخرى باليونانية. ثم ترجمت أجزاؤه إلى اللاتينية على دفعات، وأخيراًطبع بكامله باللغتين اليونانية واللاتينية بين القرنين الخامس عشر والسادس عشرللميلاد.
لقدبقي كتاب استرابون مجهولاً عند المؤرخين والجغرافيين المسلمين، علماً بأنه ترجم إلىالفرنسية في خمسة مجلدات، بأمر من نابوليون بونابرت، كما ترجم إلى الإنكليزية، وظهرفي ثمانية مجلدات بين عامي (1917-1932)م.
بطليموس القلوذي (Ptolémus Claudius):
فلكييوناني، ولد في مدينة تدعى (Ptolmais Hermius)، التي كانت في مصر العليا خلال القرنالثاني بعد الميلاد. اشتهر بتأليف كتابين: الأول في الرياضيات وعلم الفلك، عرف باسمالماجسطي (Almageste)، والثاني في وصف الأرض وعرف باسم الجغرافية (Géography). ترجمالأول إلى العربية في زمن الخليفة أبي جعفر المنصور ترجمة أبي يحيى البطريق، ثمأعاد نقله فيما بعد الحجاج ابن مطر وغيره.
أماكتاب الجغرافية فقد استخرج منه محمد بن موسى الخوارزمي كتابه المعروف باسم (صورةالأرض من المدن والجبال والبحار والجزائر والأنهار)، وذلك في خلافة المأمون (196-218هـ) الذي ولاه رئاسة بيت الحكمة.
ويقولالمرحوم الدكتور عمر فروخ : إن الجغرافيين العرب صنعوا صورة للأقاليم (خريطة) تظهرعليها المناطق والبلدان، موّقعة بأسمائها العربية، غير أن حدود القسم المعمور منالأرض، وكذلك حدود الأقاليم، كانت كلها حسب ماوردت في كتاب المجسطي لبطليموس.
تطورعلم الجغرافيا في الدول العربية الإسلامية:
اندفعت القبائل العربية منذ ابتداء الدعوة الإسلامية إلى خارجالجزيرة، فتعرفت بلاداً وأقاليم وشعوباً غريبة عنها، علماً ولغة وديانة وغذاءوملبساً. وعلى الرغم من التفاوت الحضاري بين القبائل العربية وتلك الشعوب، فقداستطاع الإنسان العربي المؤمن أن يسيطر على تلك الشعوب بالحكمة والموعظة الحسنة،وأن يأخذ عنها ويستفيد منها كثيراً من الأمور المادية والعلمية، وأن يمنحها السلاموالإيمان بالوحدانية، والعدالة الاجتماعية.
وفيالقرن الثاني للهجرة تحولت الدولة الأموية إلى إمبراطورية مترامية الأطراف، تضمدويلات عديدة، تخضع لسلطة الخلافة الدينية والزمنية. وأصبح من الواجب أولاً: معرفةحدود تلك الدول وحمايتها من هجمات الأعداء.
ثانياً- التجسس على الأعداء، وتسقط أخبراهم، وذلك كما فعل الرشيدحينما أرسل رجلاً إلى بلاد الروم، كما ذكر ابن حوقل.
ثالثاً- توزيع القوات المسلحة حول المناطق السكنية المكتظة لحمايتهامن اللصوص وقطاع الطرق، وذكر أسماء المدن والقرى والمسافات الفاصلة بينها.
رابعاً- معرفة مصادر المياه من أنهار وينابيع، ومنحدرات السيول،وذلك لتنظيم السقاية والريّ، وإنشاء السدود عند الحاجة لدرء أخطار الطوفان وتنظيمري الحقول، وتعداد المحاصيل الزراعية والحيوانية، وأنواع النقود والأوزانالمتداولة.
خامساً- تعيين المواقع التي توجد فيها المعادن (المناجم)، للاستفادةمن الفلزات والأحجار الكريمة التي تحتوي عليها، مع بيان الجهات التي تستفيد منها.
سادساً- من المعلوم أن المناطق التي كان يقطن فيها أهل الذمة، كانسكانها يخضعون لضريبة الجزية، كما أن أراضيهم المزروعة كانت تخضع لضريبة الخراج،لذلك كان على دواوين الدول الإسلامية إحصاء السكان وتقدير الغلاّت لمعرفة وجبايةالأموال المترتبة على تلك المناطق، ومن ثم أداء نفقات الخلافة والإمارات، ومايحتاجإليه مال المسلمين.
المعادن والتعدين في الجزيرة العربية:
يقولالدكتور جواد علي في كتاب المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: "لقداكتشفت المعادن، وخاصة الذهب والفضة والنحاس، في الجزيرة العربية منذ أقدم العصور. وبما أن الصناعة لا تقوم إلا في مكان تتوافر فيه إمكانياتها، من استقرار وأمن وتوافرالمواد الأولية ووجود حاجة إليها، لذلك فإن حالة البداوة التي كانت سائدة في بطنالجزيرة العربية لم تكن مؤهلة لاستثمار تلك الخامات. إلا أن الأقطار الواقعة فيأطراف الجزيرة بدأت فيها صناعة التعدين في وقت باكر".
واليمن كانت في مقدمة الأقطار العربية بهذه الصناعة. وقد انتشرتمنتجاتها المتعددة في جزيرة العرب وخارجها، فزادت صادراتها على وارداتها. وهذاما جعل المستوى المعاشي فيها أعلى من المستوى المعاشي لبقية الأقطار العربية، وكانتتجارة المعادن الخام والمصنعة، وتصدير الأحجار الكريمة، من أكثر نشاطاتها.
كانتالصناعة في الجزيرة العربية محتقرة بصورة عامة، وهي عمل لا يليق بالعربي الحر أنيقوم به، لهذا قامت الصناعة على أكتاف العبيد والخدم والأعاجم.
كانالرقيق منتشراً في كل مكان من الأقطار العربية، ولاسيما في الأماكن الزراعية ومراكزالتجارة والتعدين. وكان يشكل اليد العاملة المتوافرة الرخيصة والماهرة. ويُطلق اسمأهل القرى على المستوطنين الذين يعثرون على بئر ماء، فينشئون مزرعة حوله، أو يعثرونعلى منجم (معدن) فيقومون باستثماره. وهم يعملون لحسابهم إذا كانوا أحراراً، أويعملون لحساب مالكهم إذا كانوا عبيداً.
وكان للرقيق عدة مصادر، فالأبيض منه كان يأتي من العراق وبلاد الشام. والأسود من سواحلأفريقية والحبشة وبلاد النوبة. وكانت أسواق اليمامة والبحرين وعمان مصدراً للرقيقالوارد من السند والهند.
يعدالعالم اليمني أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهم