ظلت فلسطين تعيش الهجمة الصهيونية المركزة على الإنسان والأرض والتاريخ ، معززة لذاتها شرعية البقاء من خلال سرقة المعالم الدالة على عروبة الأرض وتشويهها بنسيج الحروف العبرية المسروقة من لغات الأرض وخاصة العربية .
في قراءة أحداث التاريخ الصهيوني في فلسطين تجد حجم التخطيط المرعب والمآمرة الضخمة التي تعرض لها الفلسطيني بدعم من دول الاستعمار العالمي المساند والداعم لإسرائيل وبلا حدود.
ما نؤكده في هذا السياق أن القدس ظلت محط نظر اليهود منذ المؤتمر الصهيوني فيمدينة بازل عام (1897م) بعد فشل خيارات التوطين في أوروبا وبعض المناطق التي كان يطمح اليهود العيش فيها .
ففي أوائل القرن العشرين أنشأت (اللجنة الإسرائيلية للأسماء والجغرافية) حيث أنيط بها تسمية المستعمرات التي جاءت على أنقاض المدن الفلسطينية وقراها المحروقة والمدمرة . حيث تم ما بين عامي (1922 و 1948م) تغيير أسماء نحو (216) موقعاًفلسطينياً.
وفي أثناء قيام ما يسمى بدولة إسرائيل ما بين عامي (1948 _ 1951) تم تغيير أسماء (198) موقعا فلسطينيا ،وعلى إثر هذه الإنجازات تم تحويل اللجنة الإسرائيلية التي أنشئت عام( (1922 وفي العام (1951م) إلى لجنة حكومية رسمية تم ضمها إلى ديوان رئيس الحكومة) الإسرائيلية) .
المؤشرات الرقمية في هذا السياق وضعت الأعوام بين (1951- 1953م) من المراحل الأشد خطورةً على مستقبل فلسطين والقدس ، حيث تمت السيطرة والتزييف لأكثر من (520) موقعا فغيرت الأسماء العربية إلى أسماء عبرية مثال ذلك : متسوبة الاسم العبري بدلمعصوبة ، الكوشة بدل دير القاسي ، منوتبدل لوبية، وفرود بدل فرادية ،وعموقه بدل عموقه .
في المتابعة للأوراق الصهيونية يظهر اسم الوزير الإرهابي (يسرائيل كاتس) الذي كان صاحب شعار لنجعل الفلسطيني (الغائب – الحاضر) . بغية هذا نفذ المخطط الأوسع ، فكتب أسماء المدن والقرى بأحرفعربية وانكليزية وفق لفظها باللغة العبرية مثلاً: عكا التي أصبحت عكو ، طبريا طفيريا ، و القدس يروشليم ، و يافا يافو ، و الناصرة نتسريت ، بئر السبع بئير شيفع ،صفد تسفات ، البقيعة بكيفين.
كل ما سبق من خطوات للتغير والسرقة كان منبها رغبة "دافيد بن غوريون" مؤسس دولة إسرائيل الذي قال " سأمحو كل ما كانقائما يدل على العرب " .
القدس في المحرقة :
بعد العام (1967م) أكملت العصابة الصهيونية احتلال الأرض ومنها القدس الشرقية المتبقي ،وفي مقدمة ذلك وقع المسجد الأقصى تحت الاحتلال وفي صحبته مئات المواقع الدينية والأثرية.
ومنذ ذاك اليوم حتى يومناينشط بناء المستعمرات على أراضي الضفة الغربية، وللإمعان في القرصنة الصهيونية فقد تم إعطاء المناطق المسروقة أسماءً عبرية وتوراتية لزعم الأحقية والوجود .
التسمية المزيفة شملت الطرق الرابطة بين مدن الضفة الغربية والقدس، وكذلك الطرقالالتفافية التي تربط بين 84 مستعمرة محيطة في القدس وداخلها .
شهادة التاريخ ... القدس عربية :
ما نستطيع الجزم به من أن القدس لم يثبت قبل منتصف القرن التاسع عشر أنها كانتلليهود أية اهتمامات من الناحية الدينية و الروحية فيها.
هذا الحديث يفسر الحديث الأرعن لنتنياهو الذي تحدى وجود القدس في القرآن لتغطية حقائق الأرض التي بدأت الحفريات فيها من العام 1800 م وإلى يومنا هذا وعلى يد أكثر من بعثة تنقيب أثرية .
الحقيقة المسجلة التي تجمعها كل الشواهد المحسوسة على أن البحث والتنقيب في القدس كرسا الهوية العربية للمدنية وبشاهدة المؤسسات الدولية التي لم تسجل أي أثر صهيوني ذي مغزى في المدينة .
في حديثنا عن الخلاصة المهمة في هذا السياق أن ما تقوم به المؤسسة الاحتلالية من حفريات يأتي لطمس المعالم التاريخية العربيةوالإسلامية ولشرعنة الاحتلال ولتزوير المكتشفات الأثرية.
مشاهد العبث الصهيوني والتهويد في القدس :
في تكرار الحديث عن الخطر الذي يحيط بالقدس وأنها باتت في مرحلة النزع الأخير ، وأن الحجارة فيها غدت اليد الصهيونية تجبرها على النطق باللغة العبرية ، لم أبالغ حين كتبت في مقال سابق أن المدينة اليوم غدت شهيدةً ، وخاصة حين تشاهد كم العبث الذي أذكر منه وعلى عجالة بعض المستعمرات التي أضيفت لأحياء القدس بعشرات الآلاف من المستعمرين كعطروت، راموت ،وبسغات زئيف ليمتد المخطط ليصل مجمع عتصيون في الجنوب ، ومعالي أدوميم في الوسط ليتحقق الحلم الصهيوني بمليون يهودي في القدس حتى أواخر 2017 .
في الحديث عن مشاهد التهويد المرئية بالعين يمكن ذكر أسماء الأحياء العربية في القدس التي سرقت وهودت ، مثل حي الساهرة الذي تحول هيرودوس ، وسلوان إلى كفا هشلوح ، و رأس العامود إلى معالية زيتيم ، و ا لشيخ جراح إلى قريةالصديق شمعون و حي المصرارة إلى نيسان بك ، و عقبة الخالدية إلى الحشمونائيم و(بطن الهوىحي اليمن في سلوان) إلى كفار هتمنيم و حاكورة المسكوب في برج اللقلق ، إلى حاييمكرمون .
حتى جبال القدس مدفن الصحابة اليوم عبرية :
في البحث عن جبال القدس ومن خلال التجوال يمكن مشاهدة اليافطات الكبيرة التي تحمل الأسماء التالية :
جبل أبو غنيم العربي تحول إلى هار هحوما ، و جبل المكبر إلى نوف تسيون وجبل الطور إلى متسبور نسوريم ، وجبل المشهد إلى هار هاتصوفيم ، ووادي سلوان إلى يهو شافاط ، ووادي الرباب إلى غايبي هنيوم .
معالم عبرية وكنس لشرعنة الوجود :
في حديثنا عن المعالم العربية التي تعرضت للتحريف نصف الحقيقة ليظل الشاهد العملي على الأرض ما تفعله المؤسسة الصهيونية التي بنت 130 كنيساً ومدرسة في محيط القدس منها 70 داخل البلدة القديمة ، وبالتحديد بالقرب من المسجد الأقصى وتحت أسواره .
كما نستطيع الحديث عن السمة الأشد خطراً ،وهي مشاهدة كنيس الخراب الذي يتربع بالقرب من المسجد الأقصى كمعلم بارز سيتبعه بناء ثلاث كنس بنفس الحجم والسمة ليشكلن جميعا لوحة دينية تطغى على المسجد الأقصى ،ولتلتقي مع تسع حدائق توراتية من خلال أنفاق تزيد اليوم عن 130 حفرية تنسج البنية التحتية لما يسمى بالهيكل المزعوم .
وخاصة بعد أن تم للمؤسسة الصهيونية السيطرة على ساحة البراق ، والقصور الأموية ، وتعزيز التدمير الممنهج للأحياء العربية التي سيطر على 70% منها ، كما أن العبث هذه الأيام وصل ذروة المعالم التاريخية من مقبرة مأمن الله وباب الرحمة ، ومن ثم التغير الجاري في باب المغاربة اليوم وفي ساعة كتابة هذا المقال .
جولة في صفحات التهويد :
معالم الأسرلة والتهويد في القدس لا يمكن حصرها في مقالة ؛ لأن الحديث في ذلك يطول ، لكن يمكن اختزال بعض الأحداث المهمة على شكل النقاط التالية :
1. قامت مؤسسة الاحتلال ببناء وإقامة أحياء يهودية داخل البلدة العتيقة في القدس لتنافس الوجود العربي فيها وخاصة بكثرة رفع الأعلام الصهيونية واللافتات المعرفة باللغة العبرية .
2. باشرتقوات الاحتلال الصهيوني منذ اليوم الأول للمدينة بهدم عدة أحياء عربية و هي: حيالمغاربة وباب الشرق وباب السلسلة وحي الياشورة .
3. السيطرة على حائط البراق وتحويله إلى ما يسمى بحائط المبكى .
4. في 21/8/1969 قامت عصابة صهيونية وبتخطيط محكم بحرق المسجد الأقصى على يد أحدهم «دينيس مايكل».
5. إصدار سلسلة من القوانين والإجراءات التيتهدف إلى تهويد المنطقة وضمها للكيان الإسرائيلي مباشرة وفصلها عن الضفة الغربية ومنها قرار 11/6/1967 المتعلق بضم القدس وقرار عام1980 حيث أقر الكنيست توحيد المدينة المقدسة بشقيها الشرقي والغربي .
6. إحاطة المدينة المقدسة ب 84 مستوطنة من أكبرها ( جبعات زئيف) شمالغرب القدس (و معاليه ادوميم) ( وبيسجات زئيف) شرق القدس وتجمع ( غوش عتصيون) جنوبا
7. طرد العرب من المدينة المقدسة ، حيث بلغت الإحصاءات المؤكدة أن تعاقب السياسات الصهيونة التي كانت تستهدف الوجود العربي فيها نجح في طرد مليون فلسطيني ، إذا تمت حسبة العدد المفترض للتوالد الطبيعي .
8. عزل كافة القرى العربية عن المدينة المقدسة من خلال ما يعرف بالجدار العازل الذي معه تم إقصاء أكثر من مئة ألف فلسطيني عن المدينة في الأعوام الثلاث الماضية .
هذا بعض مما يمكن ذكره ليظل السؤال الكبير مفتوح ، ما الذي يمكن أن يحرك العربي لنصرة القدس ؟ وما هي الخيارات التي يجب الفرار إليها ونحن نرى مدينتنا الأجمل تموت .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الكاتب والمختص في القدس والاستيطان