لا يمكن فهم مبادئ السياسة الاستيطانية الفرنسية في عهد النظام العسكري في الجزائر دون التطرق بإسهاب إلى المرسوم المشيخي السيناتوس كانسولت الذي أصدره نابليون الثالث في 23 إبريل 1863 و قانون فارنييه الصادر في 26 جويلية 1873، واللذان ارتبطا بإجراءات المصادرة. إن القانونان كانا بداية لترسيخ وإرساء التشريعات القانونية الفرنسية العقارية ، الهادفة الى تحويل طابع الملكية الجماعية الجزائرية الى الملكية الفردية ومن ثمة فرنستها .وهذا الأمر لا يمكن أن يتم دون ضرب أساس البنية الاجتماعية التقليدية للمجتمع الجزائري، والمتمثلة في القبيلة ، ومنه القضاء على عرى التضامن والروح الجماعية والتماسك التي نسجتها القبيلة . وبضرب القبيلة ينهار ذلك البناء الاجتماعي المتراس ، ويتحول الى بضعة مجموعات من الأفراد ، لا تربطها سوى المصالح ، فتسهل في النهاية عملية اختراق المجتمع وتفتيته.
أعلنت المادة الثانية من السيناتوس كانسولت ، عن توزيع أفراد القبيلة الواحدة بين مختلف الدواوير أو القرى التي تنتمي إليها القبيلة . وبمعنى آخر الاستعاضة عن الوحدة التقليدية للقبيلة بنظام إداري جديد نواته الدوار وليس القبيلة . وبموجب هذا المرسوم ، تم توزيع القبيلة الواحدة على ثلاثة أو أربعة دواوير ، وأصبحت كل وحدة جديدة تعرف انطلاقا من موقعها الجغرافي،وتتكفل لجان الجماعة في داخل الدوار بخلق الملكيات الفردية وتنظيمها بين أهالي القرية وهكذا تتحول أراضي الأعراش والقبائل الى ملكيات فردية فتسهل من بعد ذلك على السلطات الاستعمارية ، عملية ابتلاعها والاستيلاء عليها بعدة طرق وأساليب.
كان لتطبيق هذا المرسوم آثار مدمرة، يمكن إجمالها فيمايلي:
- إن توزيع القبائل في وحدات إدارية صغيرة أو دواوير، وتجميعهم اعتباطيا دون مراعاة انتماءاتهم المختلفة داخل الدوار أو الدشرة، أدى إلى انحلال القاعدة العقارية التي تعود عليها المجتمع الجزائري في العهود السابقة. وبعد نجاح السلطات الفرنسية في تكسير السمة العائلية لحق الملكية، والتي تمنع عمليات البيع والشراء الحرة، تحولت هذه الملكيات إلى ميدان تنافس بين المجموعات الضاغطة من المستوطنين الأوربيين واليهود للاستيلاء عليها والمتاجرة فيها.
- أحدث تطبيق المرسوم اضطرابا كبيرا في ذهنيات الأفراد، إذ لم يعد الفرد الجزائري يشعر بذلك الرباط القوي كان يشده إلى الجماعة، وبالتالي حرم من الدعم الحسي والمعنوي، الذي كان بالنسبة له الضمانة الأساسية لوجوده، والتي مكنته من الاستمرار في المقاومة لعهود طويلة في وجه مختلف التحديات التي فرضت عليه.
- رغم إدعاء الإدارة الفرنسية، أن المرسوم جاء ليضع حدا للآثار المدمرة التي ألحقتها القوانين الفرنسية بالجزائريين كالطرد والإبعاد والاستحواذ على الممتلكات. إلا أن الواقع التاريخي في تلك الفترة، يخالف هذا الإدعاء، حيث أنه خلال 1862-1863، منحت هذه الإدارة 160.000 هكتارا من الغابات الواقعة بين سكيكدة وعنابة لثلاثين من أصحاب النفوذ في باريس. وتذكر الإحصاءات الفرنسية أن السلطات الفرنسية في الجزائر استمرت في القيام بعمليات الحصر القديمة في كنف السناتوس كونسيلت، إذ طبقت هذه العمليات على 372 قبيلة كانت تملك 6.883.811 هكتارا تم الاستيلاء على 2.861.175 هكتارا وتوزيعها على أصحاب المال