الحملة الفرنسية على الجزائر 1245 هـ/ 1830 م :
تمثل الحملة الفرنسية على الجزائر عام 1245 هـ/ 1830 م مثلا من أمثلة تشويه تاريخ الشعوب الإسلامية ، إذ اتخذت فرنسا منن حادثة ( المروحة) سببا جوهريا لمهاجمة الجزائر دفاعا عن شرفها وكرامتها التي أهدرت ولم يكن هذا هو السبب الحقيقي للغزو ،فالتفكير في احتلال الجزائر سابق على هذه الحادثة بسنوات أرجعها عباس فرحات إلى عام 1231 هـ/ 1815 م وفيها هزم نابليون بونابارت وفقدت فرنسا أجزاء واسعة من إمبراطوريتها ، تنازلت عنها لبريطانيا ، ومن ثم رأت فرنسا أن تستعيض عنها بدول المغرب العربي ،ولتكن البداية بالجزائر كنقطة انطلاق نحو الاستيلاء على المغرب بأكمله .
والحقيقة أن قوة الجزائر البحرية قد ازدادت زيادة كبيرة في البحر المتوسط وتمكنت بهذه القوة البحرية أن تحفظ التوازن في القوى في الحوض الغربي للبحر المتوسط ،وأن تحمي السفن الإسلامية فيه ، وذلك خلال القرون الثلاثة السابقة على الاحتلال الفرنسي لها ، وكانت العلاقات بينها وبين فرنسا في مد وجزر ، فأحيانا يسودها السلام بناء على اتفاقات ، و أحيانا أخرى تهاجم كل منهما سفن الأخرى في البحر المتوسط ، وكان الكتاب الفرنسيون يطلقون على إغارات السفن الجزائرية بأنها أعمال قرصنة ولكنهم يطلقون على ما يقومون به ضد السفن الجزائرية بأنه دفاع عن النفس .
وعلى أية حال كانت فرنسا حريصة على استمرار علاقتها مع الجزائر ، فكلما تعكر صفو تلك العلاقات حاولت إعادتها إلى صفائها مرة أخرى ، حرصا منها على سلامة سفنها ، وتحقيقا لمصالحها الاقتصادية ، وحفاظا على امتيازاتها التجارية ضد منافسة الدول الأجنبية
واتصفت عملية الغزو الفرنسي للجزائر 1245 هـ/ 1830 م بالتعصب الديني من قبل فرنسا ، فيذكر الملك شارل العاشر - الذي حدث الغزو في عهده - بأنه لم يراع في هذه العملية سوى كراهية فرنسا للجزائر .
لم تكن الكراهية وحدها هي الدافع للغزو ، فالمشكلات الداخلية التي تعانيها فرنسا وقتذاك كانت لها نصيب كبير في حكومة فرنسا إلى التفكير في القيام بمغامرة خارجية لتوجيه السخط الداخلي ، الذي قد يطيح بها ، إلى هذه المغامرة ، أولا وهي غزو الجزائر. بل إن من جاءوا بعد شارل العاشر من الملوك ساروا في نفس الاتجاه ، وأكدوا عدم تخليهم عن الجزائر ، لأن في ذلك إغضابا للمسيحيين في كل مكان وهم الذين فرحوا بهذا الغزو وباركوه وإن تمسك فرنسا بالجزائر يعتبر تضحية منها في سبيل نشر الحضارة بين القبائل الجزائرية ، وحتى لا يقعوا في براثن استعمار آخر كالاستعمار التركي .
وفي هذا الكلام رجوع الى القول هو التذرع برسالة الرجل الأبيض وحرصه على نشر الحضارة والثقافة بين القبائل الجزائرية ، ولكن الحقيقة تثبت عكس ما زعموه ، فلو نظرنا إلى التعليم في الجزائر عند مجيء الفرنسيين إليها نجد أن عدد المدارس الابتدائية وحدها في مدينة الجزائر عام 1245 هـ / 1830 م بلغ مائة مدرسة، لم يبق منها في عام 1262 / 1846 - أي بعد الاحتلال الفرنسي بست عشرة سنة - سوى أربعة عشرة مدرسة ضربنا هذا المثل بمدينة واحدة في الجزائر دون أن نذكر ما حدث في سائر المدن لأن هذا ليس موضوع دراستنا .
وعلى أية حال فإن نصف المؤسسات التعليمية قد اختفى من ولاية الجزائر في الفترة فيما بين عامي 1245 - 1265 هـ/ 1830 - 1850 م .وهذا يؤكد زيف ما ادعاه معظم الكتاب الفرنسيين من عدم وجود تعليم في الجزائر في العهد العثماني، وأن فرنسا هي التي عملت على نشره بعد احتلالها للبلاد .