الحج عن الميت أفضل أم الصدقة ؟
هل الأفضل أن أحج عن والدي المتوفيين ، مع العلم أنهما قد حجا الفريضة ؟ أو أصرف ذلك في بناء المساجد والجهاد في سبيل الله ؟.
الحمد لله
" أحسن ما يبر به الوالدان ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدعاء لهما ، والاستغفار لهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم التي لا صلة لك فيها إلا بهما ، هذه هي التي نص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله السائل : فقال : يا رسول الله ، هل عليَّ من بر أبوي شيء بعد موتهما ؟ فأجابه بذلك ، وأما الحج عنهما والأضحية عنهما والصدقة عنهما فهي جائزة لا شك ، ولا نقول : إنها حرام ، لكنها مفضولة ، إذ إن الدعاء لهما أفضل من هذا ، واجعل هذه الأعمال التي تريد أن تجعلها لوالديك اجعلها لنفسك ، حج أنت لنفسك ، تصدق لنفسك ، ضح لنفسك وأهلك ، ابذل في المساجد والجهاد في سبيل الله لنفسك ، لأنك سوف تكون محتاجاً إلى العمل الصالح كما احتاج إليه الوالدان ، والوالدان قد أرشدك النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما هو أنفع وأفضل ، هل تظنون أن الرسول صلى الله عليه وسلم غاب عنه أن الأفضل أن تحج وتتصدق ؟!
أبداً لا نعتقد أن الرسول غاب عنه ذلك ، فلنعلم أن الرسول اختار هذه الأشياء الأربعة : الدعاء ، والاستغفار ، وإكرام الصديق ، وصلة الرحم ، لأنها هي البر حقيقة ، ولهذا صح عنه أنه قال : ( إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) لم يقل : أو ولد صالح يتصدق عنه ، أو يضحي عنه ، أو يحج عنه ، أو يصوم عنه ، مع أن الحديث عن الأعمال ، فعدل النبي عليه الصلاة والسلام عن جعل الأعمال للميت إلى الدعاء ، ونحن نشهد الله ، ونعلم علم اليقين أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لن يعدل إلى شيء مفضول ويدع الشيء الفاضل أبداً ، لأنه صلوات الله وسلامه عليه أعلم الخلق ، وأنصح الخلق ، فلو كانت الصدقة أو الأضحية ، أو الصلاة ، أو الحج ، لو كانت مشروعة لأرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أقول : إنه ينبغي لطلبة العلم في مثل هذه الأمورالتي يكون فيها العامة سائرين على الطريق المفضول ينبغي لطالب العلم أن يبين ، وأن يوضح ، وأن يقول : ائتوني بنص واحد يأمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتطوع الإنسان لوالديه بصوم أو صدقة ، أبداً لا يوجد ، لكن قال : ( مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن نصوم الفرض عن الميت ، ولكن التطوع أبداً ، قلّب في السنة كلها من أولها إلى آخرها هل تجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يتصدق الإنسان عن والديه ، أو يصوم تطوعاً عن والديه ، أو يحج تطوعاً عن والديه ، أو يبذل دراهم في المصالح العامة لوالديه ؟ أبداً ، لا يوجد ، غاية ما هنالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر هذا الشيء ، وإقرار الشيء لا يعني أنه مشروع ، فقد أقر سعد بن عبادة حين استأذن منه أن يجعل مخرافه يعني بستانه صدقة لأمه ، قال : (نعم) ، وكذلك أقر عليه الصلاة والسلام الرجل الذي قال : إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت ، أفأتصدق عنها ؟ قال : "نعم" ، لكن هل أمر أمته أن يتطوعوا لله ويجعلوها للأموات ؟ هذا لا يوجد ، ومن عثر على شيء من ذلك فليتحفنا به ، إلا بالشيء الواجب ، فالواجب لابد منه " انتهى .
"فتاوى ابن عثيمين" (21/267) .