إرنستو جيفارا دِ لا سيرنا ( Ernesto Guevara de la Serna ) - ينطق گيفارا، بالجيم الخرساء (14 مايو1928 - 9 أكتوبر1967) - ثوري كوبي أرجينتيني المولد، كان رفيق فيديل كاسترو. يعتبر شخصية ثورية فذّة في نظر الكثيرين. جيفارا
درس الطب في جامعة بوينيس أيريس و تخرج عام 1953، وكانت رئتيه مصابة بالربو ، وبسبب ذلك لم يلتحق بالتجنيد العسكري . قام بجولة حول أمريكا الجنوبية مع أحد أصدقائه على متن دراجة نارية وهو في السنة الأخيرة من الطب وكونت نلك الرحلة شخصيته وإحساسه بوحده أميركا الجنوبية و بالظلم الكبير من الدول الإمبريالية للمزارع البسيط الامريكي . توجه بعدها إلى غواتيمالا ، حيث كان رئيسها يقود حكومة يسارية شعبية ، كانت من خلال تعديلات ، وعلى وجه الخصوص تعديلات في شؤون الارض والزراعة ، تتجه نحو ثورية إشتراكية. وكانت الإطاحة بالحكومة الغواتيمالية عام 1954 بانقلاب عسكري مدعوم من قبل وكالة الإستخبارات الأمريكية ،
وفي عام 1955 قابل "هيلدا" المناضلة اليسارية من "بيرون" في منفاها في جواتيمالا، فتزوجها وأنجب منها طفلته الأولى، وهيلدا هي التي جعلته يقرأ للمرة الأولى بعض الكلاسيكيات الماركسية، إضافة إلى لينين و تروتسكي و ماو.
سافر للمكسيك بعد أن حذرته السفارة الأرجنتينية من أنه مطلوب من قبل المخابرات الأمريكية ، التقى هناك راؤول كاسترو المنفي مع أصدقائه الذين كانوا يجهزون للثورة وينتظرون خروج فيديل كاسترو من سجنه في كوبا. ما إن خرج فيديل كاسترو من سجنه ونفيه إلى المكسيك حتى قرر غيفارا الإنضمام للثورة الكوبية فقد نظر إليه فيديل كاسترو كطبيب هم في أمس الحاجة إليه
في 1959 اكتسح رجال حرب العصابات برئاسة فيدل كاستروهافانا واسقطوا الديكتاتورية العسكرية لفولجنسيو باتيستا. هذا برغم تسليح حكومة الولايات المتحدة وتمويلها لباتيستا ولعملاء الـ CIA داخل جيش عصابات كاسترو.
دخل الثوار كوبا على ظهر زورق ولم يكن معهم سوى ثمانين رجلا لم يبق منهم سوى 10 رجال فقط، بينهم كاسترو وأخوه "راءول" وجيفارا، ولكن هذا الهجوم الفاشل أكسبهم مؤيدين كثيرين خاصة في المناطق الريفية.
وظلت المجموعة تمارس حرب العصابات لمدة سنتين وخسروا نصف عددهم في معركة مع الجيش
كان خطاب كاسترو سببا في إضراب شامل وبواسطة خطة غيفارا للنزول من جبال سييرا باتجاه العاصمة الكوبية تمكن الثوار من دخول العاصمة هافانا في يناير 1959 على رأس ثلاث مائة مقاتل إلى هافانا ليبدأ عهد جديد في حياة كوبا وانتصرت الثورة بعد أن أطاحت بحكم الديكتاتور "باتيستا"،
وفي تلك الأثناء اكتسب جيفارا لقب "تشي" الارجنتيني، وتزوج من زوجته الثانية "إليدا مارش"، وأنجب منها أربعة أبناء بعد أن طلّق زوجته الأولى.
برز تشي غيفارا كقائد ومقاتل شرس جدا لا يهاب الموت و سريع البديهة يحسن التصرف في الأزمات لم يعد غيفارا مجرد طبيب بل أصبح قائدا برتبة عقيد وشريك فيديل كاسترو في قيادة الثورة، أشرف كاسترو على استراتيجية المعارك وقاد وخطط غيفارا للمعارك،
عرف كاسترو بخطاباته التي صنعت له وللثورة شعبيتها لكن كان غيفارا خلف أدلجة الخطاب وإعادة رسم ايديولوجيا الثورة على الأساس الماركسي اللينيني.
جيفارا وزيراً
صدر قانون يعطي الجنسية والمواطنية الكاملة لكل من حارب مع الثوار برتبة عقيد ولا توجد هذه المواصفات سوى في غيفارا الذي عيين مديرا للمصرف المركزي وأشرف على تصفية خصوم الثورة وبناء الدولة في فترة لم تعلن فيها الثورة عن وجهها الشيوعي وما أن أمسكت الثورة بزمام الأمور وبخاصة الجيش قامت الحكومة الشيوعية التي كان فيها غيفارا وزيراً للصناعة وممثل كوبا في الخارج والمتحدث باسمها في الأمم المتحدة بزيارة الإتحاد السوفيتي والصين وإختلف مع السوفييت على إثر سحب صورايخهم من كوبا بعد أن وقعت الولايات المتحدة معاهدة عدم إعتداء مع كوبا.
تولى بعد استقرار الحكومة الثورية الجديدة –وعلى رأسها فيدل كاسترو- على التوالي، وأحيانا في نفس الوقت مناصب:
* سفير منتدب إلى الهيئات الدولية الكبرى.
* منظم الميليشيا.
* رئيس البنك المركزي.
* مسئول التخطيط.
* وزير الصناعة.
ومن مواقعه تلك قام الـ"تشي" بالتصدي بكل قوة لتدخلات الولايات المتحدة ؛ فقرر تأميم جميع مصالح الدولة بالاتفاق مع كاسترو؛ فشددت الولايات المتحدة الحصار، وهو ما جعل كوبا تتجه تدريجيا نحو الاتحاد السوفيتي وقتها. كما أعلن عن مساندته حركات التحرير في كل من: تشيلي، وفيتنام، والجزائر.
اغتياله
ألقي القبض على اثنين من مراسلي الثوار، فاعترفوا تحت قسوة التعذيب أن جيفارا هو قائد الثوار. فبدأت حينها مطاردة لشخص واحد. بقيت السي أي على رأس جهود الجيش البوليفي طوال الحملة، فانتشر آلاف الجنود لتمشيط المناطق الوعرة بحثا عن أربعين رجلا ضعيفا وجائعا. قسم جيفارا قواته لتسريع تقدمها، ثم أمضوا بعد ذلك أربعة أشهر متفرقين عن بعضهم في الأدغال. إلى جانب ظروف الضعف والعزلة هذه، تعرض جيفارا إلى أزمات ربو حادة، مما شكل عامل ساهم في تسهيل مهمة البحث عنه ومطاردته.
في يوم 8 أكتوبر1967 وفي أحد وديان بوليفيا الضيقة هاجمت قوات الجيش البوليفي المكونة من 1500 فرد مجموعة جيفارا المكونة من 16 فردا، وقد ظل جيفارا ورفاقه يقاتلون 6 ساعات كاملة وهو شيء نادر الحدوث في حرب العصابات في منطقة صخرية وعرة، تجعل حتى الاتصال بينهم شبه مستحيل. وقد استمر "تشي" في القتال حتى بعد موت جميع أفراد المجموعة رغم إصابته بجروح في ساقه إلى أن دُمّرت بندقيته (م-2) وضاع مخزن مسدسه وهو مايفسر وقوعه في الأسر حيا. نُقل "تشي" إلى قرية "لاهيجيراس"، وبقي حيا لمدة 24 ساعة، ورفض أن يتبادل كلمة واحدة مع من أسروه. وفي مدرسة القرية نفذ ضابط الصف "ماريو تيران" تعليمات ضابطيه: "ميجيل أيوروا" و"أندريس سيلنيش" بإطلاق النار على "تشي".
دخل ماريو عليه مترددا فقال له "تشي": أطلق النار، لا تخف؛ إنك ببساطة ستقتل مجرد رجل، ولكنه تراجع، ثم عاد مرة أخرى بعد أن كرر الضابطان الأوامر له فأخذ يطلق الرصاص من أعلى إلى أسفل تحت الخصر حيث كانت الأوامر واضحة بعدم توجيه النيران إلى القلب أو الرأس حتى تطول فترة احتضاره، إلى أن قام رقيب ثمل بإطلاق رصاصه من مسدسه في الجانب الأيسر فأنهى حياته.
وقد رفضت السلطات البوليفية تسليم جثته لأخيه أو حتى تعريف أحد بمكانه أو بمقبرته حتى لا تكون مزارا للثوار من كل أنحاء العالم.
وقد شبّت أزمة بعد عملية اغتياله وسميت بأزمة "كلمات جيفارا" أي مذكراته. وقد تم نشر هذه المذكرات بعد اغتياله بخمسة أعوام وصار جيفارا رمز من رموز الثوار على الظلم. نشر فليكس رودريجيس، العميل السابق لجهاز المخابرات الأميركية (CIA) عن إعدام تشي جيفارا. وتمثل هذه الصور آخر لحظات حياة هذا الثوري الأرجنتيني قبل إعدامه بالرصاص ب"لا هيغويرا" في غابة "فالي غراندي" ببوليفيا، في 9 أكتوبر(تشرين الأول) من عام 1967. وتظهر الصور كيفية أسر تشي جيفارا، واستلقائه على الأرض، وعيناه شبه المغلقتان ووجهه المورم والأرض الملطخة بدمه بعد إعدامه. كما تنهي الصور كل الإشاعات حول مقتل تشي جيفارا أثناء معارك طاحنة مع الجيش البوليفي. وقبيل عدة شهور، كشف السيد فليكس رودريجيس النقاب عن أن أيدي تشي جيفارا بُترت من أجل التعرٌف على بصمات أيديه.
من أقواله
"إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني"
"الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن"
"لا يهمني أين ومتى سأموت بقدر ما يهمني ان يبقى الوطن"
"الثوار يملئون العالم ضجيجا كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء"
إن الطريق مظلم وحالك فإذا لم تحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق"
"لن يكون لدينا ما نحيا من أجله .. إن لم نكن على استعداد أن نموت من أجله".
نضالاته
كره تشي اتكال الثورة الكوبية على الاتحاد السوفيتي، واستمر في ابتكار وسائل أخرى للحصول على التمويل وتوزيعه. ولأنه الوحيد الذي درس فعلا أعمال كارل ماركس بين قادة حرب العصابات المنتصرين في كوبا، فانه كان يحتقر البيروقراطيين ومافيا الحزب الذين صعدوا على أكتاف الآخرين في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وفي كوبا أيضا.
كشف آي اف ستون كيف انهمك تشي جيفارا في نقاش علني، أثناء مؤتمر في مدينة بونتي ديل استي بأورجواي مبكرا في 1961 (وهو المولود في الأرجنتين حيث درس الطب هناك) مع بعض شباب اليسار الجديد من نيويورك. أثناء تلك المناقشة، مر بهم اثنان من جهاز الحزب الشيوعي الأرجنتيني. لم يستطع جيفارا أن يمنع نفسه من الصياح بصوت عال، "هيي، لماذا انتم هنا، أمن اجل أن تبدءوا الثورة المضادة؟"
تشي، مثل كثيرون في الحركة الناشئة لليسار الجديد حول العالم، خاض تجربته الأولى مع بيروقراطية الحزب الشيوعي ومقت محاولاتهم لفرض بيروقراطيتهم على الحركات الثورية للسكان الأصليين.
وفعلاً،الثورة في كوبا صنعت، على عكس المفاهيم المعاصرة للكثيرين في الولايات المتحدة اليوم، مستقلة وفي بعض الأحيان معارضة للحزب الشيوعي الكوبي. ولقد أخذ بناء مثل هذه العلاقة التي لم يكن من السهل صنعها عدة سنوات فقط بعد الثورة ونجحت في اخذ سلطة الدولة وتأسيسها دافعة إلى الاندماج بين القوى الثورية والحزب - الاندماج الذي لم يضع نهاية لمشاكل جيفارا والثورة الكوبية نفسها.
أحد المشاكل من هذا القبيل: اعتماد كوبا المتزايد على الاتحاد السوفيتي (في بعض الأوجه يماثل الاعتماد المتزايد لبعض المنظمات الراديكالية على منح المؤسسات في صورة أموال ولوازم لولبية أخرى). قررت الحكومة أثناء احتياجها اليائس للنقد من اجل شراء لوازم شعبها الضرورية - - وبعد نقاش مرير - - قررت أن تضيع فرصة تنويع الزراعة في كوبا من اجل التوسع في محصولها النقدي الرئيسي، قصب السكر، الذي يتم تبادله أمام البترول السوفيتي، لتستهلك جزء من هذا البترول وتعيد بيع الباقي في السوق العالمي. وبالتدريج فقدت كوبا، بالرغم من تحذيرات تشي (والآخرين)، القدرة على إطعام شعبها نفسه - - وهي المشكلة التي بلغت أبعادا مدمرة بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
وهي نفس الأزمات التي أحدقت بالاتحاد السوفيتي والدول التي كان معترفا بها كدول اشتراكية عندما سعوا وراء النموذج الصناعي للتنمية وحاولوا أن يدفعوا ثمنه بالإنتاج والتنافس في السوق العالمي. كان رد فعل تشي: لا تنتج من اجل السوق العالمي. ارفض تحليلات التكلفة/المنفعة ( cost/benefit) كمعيار لما ينبغي إنتاجه. آمن تشي بان المجتمع الجديد حقيقة عليه أن يجعل طموحه هو ما يحلم به شعبه من اجل المستقبل وان يعمل على تنفيذه فورا في كل أوان وزمان. وحتى تبلغ ذلك، على الثورات الشيوعية بشكل حقيقي أن ترفض معيار "الكفاءة" وعليها أن ترعى المحاولات المجتمعية المحلية حتى تخلق مجتمعا أكثر إنسانية بدلا من ذلك.
اصطدم احتقار تشي لكهنوت الماركسية الرسمي (بينما كان يعتبر نفسه ماركسيا)، واحتقاره للبيروقراطيين من كل لون، اصطدم بالنزعة الاقتصادية الميكانيكية المخدرة التي صارت عليها الماركسية. "الثورة" عند تشي واليسار الجديد الذي يستلهم جيفارا، تقهقرت إلى خلفية الأجندة التاريخية.
أممية تشي وارتباطه المميز بالفقراء والمنبوذين في كل مكان، ورفضه الاعتراف بقداسة الحدود القومية في الحرب ضد إمبريالية الولايات المتحدة، ألهمت الحركات الراديكالية الجديدة في العالم كله. نادى تشي الراديكاليين لنحول أنفسنا إلى شيء جديد، أن نكون أناس اشتراكيون قبل الثورة، هذا إذا ما كان مقدرا لنا أن يكون لدينا أمل في أن نحقق فعلا الحياة التي نستحق أن نعيشها. نداؤه "بان نبدأ العيش بطريقة لها معنى الآن" تردد صداه عبر الجيل بأكمله، فاتحا ذراعيه ليصل بدرجة كبيرة من ناحية إلى وجودية سارتر، ومن ناحية أخرى ممتدا نحو ماركس. من خلال الحركة، ومن خلال انتزاع مباشرة الثورة عن طريق الاشتباك مع الظلم بكل أشكاله، في كل لحظة، ومن خلال وضع مثاليات المرء فورا في الممارسة العملية، صاغ تشي من التيارات الفلسفية المعاصرة الرئيسية موجة مد من التمرد.
حب تشي للناس أخذه أولا إلى الكونغو ثم إلى بوليفيا، حيث نظم فرقة من رجال حرب العصابات لتكون، كما كان يتعشم، عاملا مساعدا على الإلهام بالثورة، ولم ينس ان يمر بمصر والجزائر في طريقه ليلتقى الرئيس المصري جمال عبدالناصر والرئيس الجزائري أحمد بن بلة اللذان كان يمثلا رمز الثورة العربية ائنذاك