أصل الحضارة العمرانية في فلسطين :
أقدم حضارة عرفها التاريخ منذ عهد الملك سليمان حيث كان محباً للعمران متوجهاً بسجية " المباهاة والاختيال " هكذا ذكرته أسفار التوراة ولذلك سعى للاستعانة بالجميع لتحقيق حلمه ، فقد ورد في أساطيرها أنه اقترن بـ 700 إمرأة ، بنى لكل منهن داراً يحاكى في بيئتها ، أصولها التي أتت منها وفي خضم الحاجة الماسة لمن يرفع البنيان ويحقق طموحاته فقد ورده البناءون من مصر الفرعونية أيام ( سي آمون ) من الأسرة الحادية والعشرين ، ومن آشور وبابل في العراق واليمن أيام الملكة بلقيس، ومن فينيقيا في لبنان ويدلل على اهتمامه هذا الطفرة الحضارية التي حدثت بين ما فطر عليه وبين ما جبل عليه أبوه داود الذي كان قد جاء إلى القدس غازياً من البادية ولم يعر البناء المرتبط بالحضارة اهتماماً يذكر ، وقد مارس سليمان التعدين والتجارة البحرية إضافة إلى الزراعة فاغتنت بذلك مدينة القدس ، واتسعت أرياضها وعظمت منزلتها الدينية، وقد ابتنى مرافق المدينة وسورها وفرض الضرائب على الجميع ما عدا القدس وكذلك بيت لحم والخليل لأن عائلته كانت ما زالت تنزل بها ويمكن أن يكون هذا هو السبب من وراء ثورة القبائل والمدن ضد دولته من بعد وفاته .
وكلمة الهيكل التي تأتي بصيغة Eg-gal ( أيكال ) من مصدر سومري التي احتفظ بها الأكديون وأعاروها إلى اللغات الآمورية والكنعانية الشقشقة حتى وصلت العبرية والعربية وهي تعنى في الأصل ( البيت الكبير ) واليوم هي تعني البنية الإنشائية أو ما يقابل كلمة Structure والهيكل في حقيقته ما هو إلا " مسكن الآلهة " كما هو حال أي كائن له مسكن وفي هذا المكان يتم الاتصال بين الآلهة والبشر ويمكن تأسيس علاقة خاصة فيما بينهم .
وأول الهياكل الكنعانية هو ما وجد في أريحا ومجدو من مطلع الألف الثالثة ق.م . وكان هذا النموذج يتكون من غرفة واحدة لها باب على الجانب الطويل من البناء وقد تطور هذا الشكل حتى منتصف الألف الثاني ق.م. ليصبح متكاملاً ليتطور كما هو في بيت شان ( بيسان ) ويحتوي على المذبح الصخري والنصب المقدس والعمود المقدس ( اشيراه ) والغرف تحت الأرض ويضطلع المذبح بصفة الصدارة من ضمن تلك الوظائف المعمارية . والغرف التواقة تحت الأرض كانت تستخدم لتلقي النبوءات . وكان يوجد عند المداخل أماكن للوضوء لغسل أرجل المتعبدين قبل ولوجهم إلى المعبد وقدس الأقداس هنا مكان مرتفع في مؤخرة المعبد يوضع عليه تمثال الإله على الأغلب.
وقد كان سليمان قد استعان ( بحيرام ) ملك صور الفينيقي ( 981- 947 ق.م. ) لتزويده بالعمال المهرة في قطع الأحجار وكذلك تموينه بخشب الأرز مع النجارين المهرة وبسبب ذلك يعتقد أن طراز البناء يشبه إلى حد بعيد الطراز الفينيقي الذي نجد بقاياه اليوم في أطلال بعلبك أو صور أو أطلال السامرة التي بناها الفينيقيون بعد ثمانين عاماً من بنائهم لهيكل سليمان . ومن الجدير ذكره هنا ويكتسب دلالات عميقة في تاريخ العمارة هو أن العمارة اليونانية ومن ثم الرومانية ليست إلا تقليداً واقتباساً من الطراز المعماري الفينيقي ولدينا ما يدلل على ذلك الآثار في الآثار الباقية في ( السامرة ) ومنها تيجان الأعمدة السابقة للأيوني Proto-lonic التي تجلى فيها السبق على الإغريق ووارثيهم الرومان بأمد طويل .
وللهيكل الذي بناه الملك سليمان وصف تفصيلي في جميع أسفار التوراة ( العهد القديم ) تقريباً كما ذكرت الأخبار بأن إنجازه تم بمدة ثلاثة عشر عاماً، واستعمل فيه الحجر المهندم المقطوع بالمنشار وبحجوم ضخمة وقد صنع منها ( الحيطان الساندة ) والأعمدة ، وسقف بالخشب الوارد من أشجار الأرز في لبنان الفينيقية، وكذلك في بعض الأعمدة في ثنايا في ثنايا المعابد والقصور . وغطيت أرضياتها بخشب السرو وزين في بعض أجزائه ببذخ حيث طلي بالذهب وطعم بالأحجار الكريمة ولاسيما في المواقع التي تأخذ بعداً مقدسا في أجزاء البناء . وكانت أبعاد الهيكل 33*16.2م ، وارتفاعه 15م بمخطط مستطيل الشكل موجه من الشرق إلى الغرب ويشتمل على ثلاث طوابق وتقع بوابته في الجاني الشرقي له وتتوزع الحجرات على الجوانب الثلاثة الباقية. وكان الضوء يلجها من خلال فتحات أعلى الحجرات . أما قدس الأقداس الذي يأخذ حيزاً عظيماً وبسبب عدم وصول ضوء النهار إليه فإنه يضاء بمصباح كبير واحد . وقد أسهمت التوراة في وصف الأبهة التي تضمنتها مراسيم التدشين لهذا الصرح. وقد جلب إلى هذا المعبد ( تابوت يهوة ) Ark of Yahweh ليزيد من قدسيته وهيبته . ويبدو من هذا الوصف أن هذا المعبد ذا الأسوار الضخمة وعناصر الحماية والمراقبة كأنه قلعة حصينة وبذخ كثير أكثر من كونه داراً للعبادة والخشوع والتقوى.
ومن الجدير ذكره أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما دخل القدس عام 636م وصلى بها أمر ببناء المسجد على تلك الهضبة لم يجد أي ظاهر أو باطن لبناء سليمان الموصوف هذا وقد بقي هذا الهيكل حتى أيام السبي البابلي الذي جاء بعد احتلال نبو خذ نصر الكلداني لها عام 586ق.م. حينما أفرغت المدينة من كل سكانها اليهود وصفوة القوم بها وسيروا سبايا لبابل . وقد عاد جزء قليل من هؤلاء إليها بعد خمسة عقود ونيف من السنين بعدما سمح لهم ( كورش ) ملك الفرس بالعودة بعد احتلاله بابل وإسقاط الدولة البابلية .
وقد حاول الملك الروماني ( هيرودوس ) المعين على فلسطين عام 20 ق.م.إعادة بناء هذا الهيكل بعد تظاهره باعتناق اليهودية تزلفاً لهم . وقد شرع في ذلك ولم يكمله ، ويمكن أن يكون عمله هذا شكلياً كما تهوده . ويعتقد أن قسماً من أعماله مازال باقياً مثال الدكة التي أقيمت عليها قبة الصخرة علم 692م .وقد أقام ( هيرودوس ) منصته بطول 480م وعرض 300م على الحافة الضيقة للمدينة لتكون دكة اصطناعية مستوية لإقامة المبنى والساحة العمومية المحيطة به . وبذلك طمس كل عمارة سليمان ولم يبق منها أثر بعد دخولها ضمن الحيطان السائدة لجرف الدكة .
واليوم تبحث الفرق العلمية والأثرية اليهودية عن أي بقايا لهذا الهيكل استناداً إلى الوصف الوارد في أساطير التوراة دون جدوى. وقبل أن يشقوا الأنفاق تحت الحرم وقبة الصخرة كانوا قد حاولوا حرقهما عام 1969م . وبالرغم من عدم وجود أي أثر للهيكل فإن عنادهم ظل قائماً بالبكاء على حائط البراق الذي ربط الرسول الكريم حصانه ( البراق ) عليه في معجزة الإسراء والمعراج وهذا الجدار هو حائط استنادي بني تحت المصطبة التي تقام عليها المعالم الإسلامية . ومع إقرار كل عشاق الجمال ومنظريه ورهط من المختصين بالعمارة بأن المعلمين الإسلاميين يعتبران أكثر جمالاً ورونقاً بالمقارنة بالهيكل المزعوم لسليمان . وناهيك بالقدسية التي تكتنف المكان ، أفليس من الإجحاف التفكير في المساس بأجمل المعالم التي أبدعها الإنسان في تاريخه كل ذلك الخرق ليس إلا ليحول دون ما يؤكد الهوية العربية الإسلامية الدامغ للمدينة .
وفي خضم هذا اللغط الدائر حول لمن تعود المدينة والإجحاف الذي يمارس بحق تاريخها ، تبقى القدس عروس المدائن الزاهية تؤكد أصلها الكنعاني وروحها العربية الإسلامية وتسامحها اللامحدود لكل من دخلها مسبحاً بالوحدانية ومسالماً لأهلها ومحيطها .
ثانياً : عصر الإغريق
ازدهرت العمارة في عهد الإسكندر الأكبر وقد أنشأ مدينة الإسكندرية بمصر وجعلها عاصمة ملكه وقد أصبحت مركزاً للثقافة والحضارة الإغريقية ثم جاء من بعده قائده بطليموس حيث ازدهرت الحضارة في الجزء الجنوبي من مصر ، حيث تغلغلت العادات الإغريقية إلى مصر وقد اهتم البطالسة بإنشاء المعابد في مناطق نيروة، أسنا ، ادفو ، فيلا – شجعوا الفن الشعبي وقد عرفت هذه المعلومات عن طريق الكتابات التي وجدوها على حجر رشيد .
1. العمارة الإغريقية:
أهم ما تتميز به العمارة الإغريقية طابعها المميز لطرزها الثلاث : ( الدوركي – الأيوني – الكورنثي ) ،حيث استخدمت فيه عناصر موحدة ثابتة من حيث النوع والعدد ومن حيث علاقة هذه العناصر ببعضها حيث العناصر والتكوين والنظام وكذلك المعابد الدوركية تتشابه من حيث العناصر والتكوين والنظام وكذلك المعابد الأيونية والكورنثية .
الأقسام الثلاث المكونة للنظام :-
1. القاعدة المدرجة
2. العمود نفسه ويسمى البدن
3. النكتة ( تاج العمود )
2. المعابد الإغريقية :
أنشئت المعابد بدقة تامة ومهارة فائقة واعتنى بمظهرها الخارجي بالنقش على حوائطها بأدق الآثار وأبدعها التي كانت مستوحاة من أساطير الآلهة التي كانوا يعبدونها ، وأنشئت على قاعدة تتكون من ثلاث درجات ، والمعبد عبارة عن قاعة مستطيلة الشكل تحتوي على حجرة داخلية تسمى الهيكل وبها تمثال للآلهة ، كما احتوت المعابد الكبيرة على حجرتين أو ثلاثة، ويحيط بالقاعة رواق خارجي على جوانب مدخل المعبد عادة نحو الشرق بحيث تتجه أشعة الشمس على تمثال الآلهة ودخل آخر مقابل المدخل الأول في الجهة الغربية ، وتتميز المعابد الإغريقية بالبساطة وكثرة الأعمدة الخارجية التي يحيط بها فضاء فسيح حيث يمكن رؤيتها من جميع الجهات بنفس الروعة والدقة والجمال ، ومما هو جدير بالذكر أن معظم هذه المعابد خالية من النوافذ معتمدة على دخولها من المدخل الشرقي .
ينقسم المعابد من حيث تصميمها بالنسبة للأعمدة الخارجية إلى أنواع متعددة منها عمودان أماميان على واجهة المدخل للمعابد الصغيرة أو أكثر من صف واحد للعمودين على المدخلين وأعمدة مصفوفة على الجوانب الأربعة وقد تكون الصفوف رباعية أو سداسية أو ثمانية ، وذلك للأعمدة الأمامية ، أما الجانبية فغير محددة وكان العدد يختلف من ( 11 – 17 عمود )، وكان يلاحظ أن عدد الأعمدة الجانبية تقريباً ضعف الأعمدة الأمامية للعدد .
استخدام الحجر الجيري أو الرملي في بناء المعابد مع تغطية الحوائط بطبقة من البياض الذي يتكون من مسحوق للرخام والجير ، أما الأسقف فهي مائلة من الخشب ومغطاة من الكرميد أو بلاط الرخام، عملية البناء كانت تتم بدقة متناهية ومهارة فائقة وكانت تتكون من اسطوانات من الحجر يتم نحتها بالشكل المطلوب وبكل اسطوانة ثقب في وسطها لوضع وتد خشبي لتثبيت الاسطوانات بعضها ببعض بحيث تكون مجموعها بدن العمود ثم بعد ذلك يتم نحت الحليات والزخارف .
أشهر المعابد الإغريقية :
1) معابد الطراز الدوركي :- معبد هيرا أولمبيا – معبد الباثيون في أثينا عام 454- 438 قبيل الميلاد .
2) معابد الطراز الأيوني :- معبد أبوببو باستي الذي أنشئ عام 430 قبل الميلاد .
3.المسارح الإغريقية :
كانت المسارح الإغريقية تقام باستمرار في الهواء الطلق وكانت تبنى في منحنى أو فجوة من تل، وكانت صفوف المقاعد مقسمة إلى قسمين أو ثلاثة أقسام حسب درجات خط النظر ويفصل بين هذه الأقسام ممر متسع ، وكان لبعض هذه المقاعد مساند خلفية ( من الحجر ) بينما البعض الآخر ليس له هذه الميزة ، كما كان يوضع مقعد مميز عن بقية المقاعد في وسط الصف الأول يخصص لأكبر شخصية تحضر لحضور الحفل وكان لهذا المقعد بالإضافة إلى المسند الخلفي متكآن جانبيان ، وقد اعتنى الإغريق بهذا المقعد وزين بالزخارف والنقوش ويحاط هذا المقعد على جانبيه بمقاعد جيدة إلى حد ما للشخصيات البارزة . وكانت هذه المقاعد تحفر بالصخر أو تعمل من الرخام على شكل مجوف قليلاً ومنفصلة عن بعضها ببروز قليل في الحجر، وقد كان شكل المسقط الأفقي لهذه المسارح على شكل حذوة حصان أي أكثر من نصف دائرة ، أما مكان وقوف فرقة التمثيل أو الموسيقى فكانت على شكل دائرة وكان المسرح غالباً يحتوي على منظر جميل بإحدى طرز الأعمدة الإغريقية لذلك يتغير هذا المنظر في المسرح الواحد ، مثل مسرح أبيد وراس( 350ق.م. ) والمدرج الروماني في الأردن في جرش لازال قائماً حتى يومنا هذا تقام به المهرجانات السنوية لجذب السياح من جميع أنحاء العالم كل عام .ولازالت تلك الخصائص الفنية القديمة مستخدمة في عصرنا الحاضر في عملية تصميم القاعات والمسارح ودور السينما وغيرها …