حليمة مرضعة الرسول
كانت حليمة تمتلك "حمارة صغيرة" تستخدمها للتنقل...سوف تحكي لنا قصتها مع حليمة مرضعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
عشت منذ سنين في الصحراء. عند سيدة اسمها (( حليمة السعدية )) . . وكانت حليمة تشتغل مرضعة ، ترضع الاطفال بدل امهاتهم. فلم يكن في تلك الايام لبن صناعي في علب. وكان من عادة العرب في ذلك الوقت ان يسلموا أطفالهم لمرضعة تاخدهم ليعيشوا معها في الصحراء.
وكانت حليمة فقيرة مسكينة، تعيش هي وزوجها ((الحارث )) في خيمة، في منطقة قليلة المطر، قليلة الخضرة، قليلة الخير. وكنت انا نحيفة هزيلة.
وذات يوم، أخذتني حليمة أمام الخيمة. ففرحت، لأنني حسبت أني ذاهبة إلى المرعى مع الغنم، آكل بعض العشب الأخضر. لكن حليمة ركبتني ومعها طفلها الصغير الذي لا يسكت عن البكاء، وركب زوجها ناقة عجوزاً. وسرنا في الصحراء.
كان الجو حاراً، وكنت أنقل أقدامي بصعوبة..لأني كنت في الحقيقة تعبة، وكنت غير قادرة على السير. وكان الطفل لا يزال يبكي، فأرادت حليمة أن ترضعه ليسكت فلم يجد في ثدييها نقطة لبن واحدة، فقال لها زوجها:
-كيف تذهبين لتأتي بطفل آخر ترضعينه، وأنت ليس عندك لبن لطفلك؟
فردت عليه:
-عندما أحضر طفلا آخر لأرضعه، سيدفع لي أهله بعض المال، فأشتري به الطعام، وعندما آكل وأتغذى يصبح في صدري لبن أعطيه للأثنين. ألا تعرف؟ المهم أن أجد طفلا غنياً يقدر أهله على أن يدفعوا لي مبلغا كبيراً من المال.
وأردت أن أعرف لإلى أين نذهب. فسألت الناقة التي تعرف طرق الصحراء أكثر مني، فأجابت:
-سنذهب إلى مكة.
فرحت كثيرا عندما سمعت اسم مكة. وأحسست على الفور بنشاط وقوة على السير. وأخذت أسير بل أجري..بسرعة! كيف؟ لا أدري!
وأسرعت لدرجة أننا وصلنا مكة قبل جميع من ساروا قبلنا، وشكرتني حليمة لأني أعطيتها فرصة أكبر لتسبق غيرها، وتختار الطفل الذي سترضعه.
وراحت حليمة تبحث هنا وهناك. وبعد وقت طويل عادت إلينا متعبة وحزينة. وسمعتها تقول لزوجها:
- يظهر أننا سنرجع كما جئنا. سنرجع ومعنا الجوع وزاد عليه التعب.
حزنت لها. مسكينة، لم يقبل أحد أن يعطيها طفله، لأنها كانت تبدو فقيرة وصحتها ضعيفة.
وبعد أن استراحت قليلا، رجعت تبحث من جديد. وغابت مرة أخرى، وفجأة رأيناها تجري إلينا سعيدة..سعيدة.. ونادت على زوجها بصوت فيه فرحة:
- الحمد لله..الحمد لله
سعدنا نحن أيضا وفرحنا معها، فقد وجدت طفلا.
وعندما وصلت إلي، شممت رائحة مثل المسك، حلوة حلوة. إنها رائحة الطفل الذي أحضرته. كانت تحمله بين يديها وكانت طفلا وديعا حلواً جميلاً..جميلاً كالبدر!
اقترب منه الحارث زوجها، ونظر إلى وجهه ففرح به هو الآخر فرحا كبيرا، وسألها:
-ابن من هو؟وما اسمه؟
-اسمه محمد..محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، جده عبد المطلب سيد قريش وزعيمها. أبوه عبد الله توفي والطفل في بطن أمه. فهو يتيم. وأمه آمنة بنت وهب، من كرائم سيدات العرب ومن شرائف بيوتهم.
ظهرت السعادة والسرور على وجه الحارث وهو يساعد حليمة لتركب ومعها محمد وطفلها..طفلها الذي رأيتُهُ هو أيضاً فرحاً سعيداً..ويضحك!
وركب الحارث الناقة وانطلقنا. وجدت نفسي أسير، بل أجري بسرعة غريبة. سبقتُ من خرجوا معنا من مكة. ثم لحقتُ من سبقونا. وكنت أحس بالقوة وأشعر بالشبع كأني كنتُ واقفة طول الوقت في المرعى آكل وأشرب. وكانت ناقة الحارث تسابقني هي الأخرى وتجري كأنها حصان!
وصلنا الخيمة..خيمة حليمة والحارث.
وصلنا وبدأ الخير الكثير يجيء ألينا. تغيرت الحال تماما بعد عودتنا. منذ شهور طويلة، لم تمطر السماء نقطة واحدة، وإذا بالسحاب يتجمع والمطر ينزل ويروي الأرض وتصبح الأرض خضراء كثيرة المرعى. ونجد - نحن الغنم والناقة وأنا- العشب الذي يكفينا والماء الذي يروينا. لقد تغير كل شي: الأرض، السماء، الجو، الناس، الغنم، الخيمة. كل شيء أصبح أفضل..كل شيء أصبح أفضل..كل شيء أصبح أجمل منذ مجيء الطفل محمد.
وحليمة كانت في منتهى السعادة. كانت من قبل لا تجد لبنا يكفي طفلها وحده فأصبح عندها لبن يكفيه ويكفي الطفل محمداً ويزيد على حاجتها. كانت سعيدة..سعيدة بما أصبحت فيه من خير كثير ورزق وفير..وكذلك كان زوجها سعيداً مثلها.
وكثيرا ما كانت حليمة تركبني ومعها الطفل محمد. كانت أسعد لحظة عندي أن يركبني معها. كنت أسير بهما في شمس الصحراء دون أن أتـأثربحرارتها الشديدة. كنت أحس وكأن سحابة تظللنا من الشمس، وتقينا حرارتها المحرقة.
وعندما اصبح عمر محمدعامين، فُطم عن الرضاعة، وكان على حليمة أن ترجعه إلى أمه. فركبتني وهو معها وسرت بهما إلى مكة. كانت حليمة طول الطريق صامتة غارقة في تفكير عميق.
دخلنا مكة ووصلنا بيت محمدٍ ونزلت حليمة إلى أمه. وبعد قليل سمعتُ صوت حليمة من الداخل، سمعتها ترجو السيدة آمنة أن يبقى محمدُ عندها فترة أخرى. وأخذت حليمة تستعطف السيدة آمنة حتى رق قلبها، ووافقت على أن يعود معنا محمد.
عدنا ونحن نكاد نطير من الفرح. كنت أجري جريا. وكان كل من يراني لا يصدق أنني فعلاً حمارة حليمة!
دخلنا على الحارث. لم يصدق عينيه من الفرح. عاد محمد معنا!
وأقام محمد ثانية معنا. فاستمر الخير واستمرت البركة واستمرت سعادتنا وفرحتنا به.
ومرت أيام وشهور..وذات يوم جاء ابن السيدة حليمة يجري ويصرخ:
لقد جاء رجلان يرتديان ملابس بيضاء، ناصعة البياض وأخذا أخي محمداً.""
صرخ الحارث:
أخذاه؟! إنه وديعة عندنا، ونحن مسؤولون عنه وعن سلامته.""
استمر الطفل يحكي:
"وفتح أحدهما صدر محمد وبحث الثاني فيه عن شيء أخرجه ثم انصرف الاثنان وابتعدا عن المكان."
قامت حليمة وزوجها يجريان بحثاً عن محمد. وجريت أنا الأخرى لأرى ما حدث فوجدنا محمداً واقفا في هدوء والبسمة العذبة تملا وجهه المشرق الحبيب.
رغم أنه كان سليما وبخير وعافية، فقد خافت حليمة وخاف الحارث وقررا أن يعيداه إلى أهله. وتركنا محمد ولكنه ترك لنا الخير الذي جاء معه. ترك المطر والخضرة والرزق الوفير.
ترك لنا السعادة والبهجة والفرحة..الفرحة التي زادت عندما عرفنا فيما بعد قصة الرجلين. لقد كانا ملاكين من الملائكة، جاءا وقاما بغسل قلب محمد وتطهيره إعدادا له لحمل الرسالة الكبرى..رسالة الإسلام..عليه الصلاة والسلام.