أنا الحجر الأسود
أنا حجر..
ولكني غير الاحجار التى يبنى بها لكم البيت والمدرسة والمصنع.
أنا حجر غال.. أغلى من كل الاحجار الكريمة. أغلى من اللؤلؤ، وأغلى من الياقوت، وأغلى من المرجان..أنا حجر وحيد..فريد..ليسلي مثيل..
أنا حجر قديم مقدس. لي مكاني في الكعبة الشريفة التي بناها إبراهيم وولده إسماعيل..أنا الحجر الأسود!
وعندما جدد أهل مكة بناء الكعبة، اشتركوا جميعا في البناء. وبعد أن انتهوا من كل شيء أرادوا أن يضعوني في مكاني..فاختلفوا!
وقام النزاع بين قبائل مكة. كل قبيلة منهم كانت تريد أن تفوز بشرف حملي ووضعي في مكاني.وكانت كل قبيلة مستعدة لأن تحارب وتقاتل من أجل أن تفوز بهذا الشرف.
اشتد الخلاف، وارتفعت الأصوات، وأخذت كل قبيلة تجهز السيوف وتستعد للقتال حتى لا يفوتها شرف حملي ووضعي في مكاني.
كبر الأمر واتسع، وأصبح من الصعب أن يتفقوا. وكنت أشعر بالخطر يشتد وأحس بالقتال يوشك أن يقع. وشعرتُ بمسؤوليتي، فأنا السبب. دعوت الله أن يتفقوا، فنحن في الكعبة، في البيت الحرام..بيت الأمن والسلام..ومن دخله كان آمناً.
فجأة، ارتفع صوت عاقل يقول:
" يا قوم ..يا قوم.. ما نتيجة هذا الخلاف؟ هل يجوز القتال في البيت الحرام؟! حكِّموا عقولكم واطردوا الشيطان من بينكم.
ردوا عليه:" هل عندك حل نرضى به ونوافق جميعا عليه؟"
قال لهم:"ما رأيكم أن نحتكم إلى أول قادم علينا، ونقبل حكمه وننزل جميعا عليه؟"
استحسن الجميع الفكرة ووافقوا عليها. وهدأت الأصوات، وسكنت النفوس، وساد الصمت، وانتظر الجميع أول قادم يدخل عليهم، وهم يرجون أن يكون عادلاً وحكيماً، يستطيع أن يجد الحل الذي ترضى به جميع القبائل.
انتظروا وانتظرتُ معهم، ومر وقت قصير، ولكنه كان عليهم وعلي طويلاً..طويلاً..ثم قطع السكون صوت يقول:"أرى فتى قادماً من بعيد".
التفت الجميع إلى الجهة التي أشار إليها صاحب الصورة، والتفتُ أنا كذلك. وكان الفتى قد اقترب منا. وعرفوه، وهتف البعض في ارتياح وسرور:" إنه محمد بن عبد الله".
فسألهم صاحب الصوت العاقل، صاحب الفكرة:"هل تقبلون حكمه؟"
فأجابوا جميعاً:" نعم..إنه الأمين".
قال الرجل بعد أن دخل عليهم محمد:"يا محمد! لقد أعدنا بناء الكعبة كما تعرف. وكل القبائل جمعت من الحجارة واشتركت في البناء. وبقي أن نضع الحجر الاسود في مكانه ..وهنا اختلفنا.كل قبيلة تريد أن تقوم بحمله ووضعه ليكون لها شرف ذلك. وأوشك الخلاف بيننا أن ينقلب إلى قتال ونزال. وقد اتفق رأينا على أن تحكم بيننا. فماذا ترى؟
نظر محمد إلي-أنا الحجر الأسود- ثم نظر إلى القبائل المجتمعة، وفكر لحظة، ثم قام ونزع رداءه، وفرشه على الأرض. ثم تناولني بيديه الكريمتين ووضعني وسط ردائه ثم قال لرؤساء القبائل:
" تعالوا جميعا..كل منكم يمسك طرفاً من الرداء وبذلك تنالون جميعاً شرف حمل الحجر الأسود ووضعه في مكانه".
ذٌهل الجميع! ذٌهلوا من روعة الفكرة ويساطتها، وعجِبوا وعجِبت معهم، كيف لم تخطر لواحد منهم على بال، وهم شيوخ القبائل وزعماؤها وحكماؤها! وارتاحوا جميعاً إلى الفكرة الذكية الحكيمة البسيطة الرائعة، ورضوا بها ووافقوا عليها.
وحملني جميع رؤساء القبائل إلى مكاني. وقد شملهم الرضا والارتياح، وغمرتهم البهجة والسرور، وزالت من بينهم الضغينة والشحناء، وحل محلها الصفاء والإخاء. فلا حرمان لقبيلة ولا امتياز لقبيلة، بل اشتركت كل القبائل في حملي ووضعي في مكاني، واشتركت على قدم المساواة.
ومنذ ذلك اليوم، وأنا في مكاني من الكعبة ، يراني أهل مكة، ويراني حجاج بيت الله الحرام، فأذكرهم بحادثتي التي تشهد بحكمة محمد، وعبقرية محمد، وعظمة محمد منذ أن كان شاباً فتياً.