بداية فضيلة الشيخ، الجدل هذه الأيام محتدم فيما يتعلق
بمضاعفة المخالفات المرورية، بعض المشايخ يفتي بأنها زيادة ربوية؛ لأنها
مقابل التأخير، وبعضهم يفتي أنها ليست ربوية بحكم أنها تغليظ في العقوبة،
فما رأيكم فضيلة الشيخ؟
الشيخ عبدالعزيز الفوزان
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب
العالمين, والصلاة والسلام عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم فقهنا في الدين، وعلمنا التأويل،
واهدنا للتي هي أقوم، واجعلنا على صراط مستقيم، وأرنا الحق حقاً وارزقنا
اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وزينا بزينة الإيمان،
واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
تغليظ العقوبة في المخالفات التي تفرضها
الدولة، سواء كانت في المخالفات المرورية، أو المخالفات في الإقامة أو في
الجوازات، أو في البلديات، أو غيرها.
العلماء-حفظهم
الله- اختلفوا في حكمها على قولين:
القول الأول:
أن هذا من باب الربا؛ لأنك ألزمت الشخص الذي وجب عليه مبلغ نقدي، فتأخر في
سداده بأن تضاعف عليه العقوبة أو تزاد عليه، حتى لو لم تكن الضعف، قد تكون
الربع أو العشر، أو النصف أو السدس، ويقيسون هذا على المدين إذا تأخر في
السداد، فبلغت المديونية وزيدت بمقدار الربع أو الثلث، أو أكثر من ذلك، أو
أقل، فهذا هو وجه قولهم.
القول الثاني
في المسألة: أن هذا ليس من باب الربا في شيء؛ لأنه تغليظ للعقوبة من قبل
ولي الأمر، وأراد بذلك الردع، والزجر، وحث الناس على الالتزام بالأنظمة
التي وضعت لأجل مصالح الناس، وقالوا: إن هذا يشبه تغليظ الزكاة على مانع
الزكاة، النبي-عليه الصلاة والسلام- غرم من منع الزكاة ضعف ما وجب عليه
منها، فإذا وجب عليه خمسمائة ألزمه بألف؛ لأنه امتنع من أدائها، وكذلك ثبت
عنه -عليه الصلاة والسلام- في حق من سرق ثمراً في جرينه أو على رؤوس النخل
ونحوها أن يغرم مثل ما سرق، ومثله، يعني: يغرمه مرتين.
فقالوا: هذه من باب العقوبة المالية، أو
التعزير بالمال، والتعزير بالمال على الصحيح من قول العلماء مشروع لولي
الأمر، وهذا الذي يترجح لي وأرى أنه الصواب، أن هذا ليس من الربا، وإنما هو
من باب التعزير المالي.
لكن ينبغي التنبيه إلى أن استخدام
العقوبات المالية والتوسع فيها كما هو الملاحظ مع الأسف الشديد في كثير من
الجهات الحكومية عندنا أرى أن هذا فيه إجحاف بالناس، وظلم عظيم لهم، وربما
كثير منهم عن سداد أصل الغرامة، فكيف بسدادها بعدما ضوعفت عليه، يعني: إذا
كان وجب عليه كما قرأت عن نظام المرور، وجب عليه ثلاثمائة ريال ولم يسددها
في الشهر الأول صارت ستمائة في الشهر الثاني، هذا فيه ابتزاز للناس بدرجة
كبيرة، والغالب أن الذي عجز عن سداد الثلاثمائة سيعجز عن الستمائة، وهكذا
تتضاعف عليه الغرامات يا أخي، فلا يجوز إرهاق الناس بمثل هذه العقوبات
المالية التي ربما كثير منهم يعجزون عنها أو أكثرهم، وأنا قلت في إحدى
القنوات قبل أيام، أتمنى أن نستفيد من تجارب من سبقونا، الغربيون عندهم
أنظمة رائعة في معالجة مثل هذه المخالفات، ونجحوا فيها نجاحاً باهراً،
والواقع يصدق هذا، فتجد عندهم من الالتزام بأنظمة المرور وآداب السير ما لا
يوجد مثله عندنا مع الأسف الشديد.
ومن هذه الأشياء الجميلة التي أعرفها عن
نظام المرور في الدول الغربية، نظام النقاط، بحيث يجعلون للشخص اثنتي عشرة
نقطة، أو ست عشرة نقطة، تختلف طبعاً من نظام إلى آخر، وكل ما حصل منه
مخالفة خصم عليه من نقاطه بمقدار هذه المخالفة حسب غلظ المخالفة وسهولتها.
أذكر أنه بالنسبة لقطع إشارة المرور نصف
النقاط تذهب عليه، ست نقاط في مخالفة واحدة، إذا كان في موقف خاطئ تؤخذ
عليه نقطتان أو ثلاث نقاط، وإذا كان تجاوز أيضاً بطريقة خاطئة تؤخذ عليه
نقطتان أو ثلاث، وهكذا إذا استكمل النقاط المتفق عليها وهي اثنتي عشرة نقطة
مثلاً فإنه تسحب منه رخصة القيادة، وتحبس سيارته، ولا يعطى رخصة القيادة
إلا بعد أن يأخذ دورة لمدة ثلاثة أشهر، وأحياناً لمدة ثلاثة أسابيع يتعلم
فيها فن القيادة، فإذا أجادها وعرف آداب السير، وآداب المرور منحوه الرخصة
من جديد ويكون مهدداً أيضا، يعني إذا سحبت منه ثلاث مرات لا يعطى الرخصة
أبداً.
هذه ليست سهلة، إذا طبقت فعلاً بعدالة
ولا يستثنى أحد، فستجد أن الناس فعلاً يخافون هذه العقوبة أشد من خوفهم من
العقوبة المالية؛ لأنه في العقوبة المالية مع الأسف الشديد الأغنياء ما
عندهم مشكلة، يسدد مائة ريال، ثلاثمائة ريال سهل جداً عليهم مثل هذا، ربما
لا يبالي، يحتقر هذه العقوبة؛ لأنها يسيرة بالنسبة إليه، وتكون باهظة
ومكلفة وشاقة جداً على الفقير المحتاج، لكن بالنسبة لنظام النقاط، هذا
يتساوى فيه الناس جميعاً، سواء الثري أو الفقير.