الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه أجمعين
أما بعد:- فإن لكل أمة لغتها وثقافتها وحضارتها التي تتمسك وتعتز بها ، وتربي عليها أبناءها ، ومما لاشك فيه إن لكل حضارة تأريخها الذي يبين بدايتها ويوضح تجربتها في الحياة ، ويميزها عن غيرها من الأمم ، وثم ارتباط كبير بين ثقافة الأمة وعقيدتها وبين تأريخها ، حيث أنه من الواضح أن لقيم أي أمة وعقيدتها وثقافتها تأثيرا كبيرا على مكونات تاريخها (( بداية العام _ الأعياد – المواسم – أسماء الشهور ، كما سيتبين في ثنايا في هذا البحث بإذن الله ، ولهذا كله كان هذا البحث المتواضع عن التاريخ الهجري (( تعريفة وأصله وبدايته ومشروعيته وأهميته ، وما يرتبط به من بدع محدثات ))
أولاً : - تعريف التأريخ :-قال ابن منظور :- أرخ التأريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله ، أرخ الكتاب ليوم كذا: وقته. وقال الفيروز أبادي أرخ الكتاب وأرّخه وآرخه وقته وفي المعجم الوسيط :- التأريخ : جملة الأحوال والأحداث التي يخرج بها كائن ما ، ويصدق على الفرد والمجتمع ، كما يصدق على الظواهر الطبيعية والإنسانية ، ويقال :- فلان تاريخ قومه إليه ينتهي شرفهم ورياستهم ، والتأريخ :- تسجيل هذه الأحوال .
وقال المناوي في قيض القدير :_
وقيل – أي التأريخ - هو قلب التأخير ، وقيل معرب لاعربي . قلت وقيل هو مشتق من الإرخ بكسر الهمزة أو الفتح وتعني: وليد البقرة الوحشية ،وقيل مشتق من اللفظ الفارسي ( ماه روز ) وتعني حساب الشهور والأعوام وقيل مشتق من الكلمة السامية التي تعني القمر والشهر وهي في اللغة العبرية ( يرخ ) وقيل وهي عربية جنوبية ، أرسل يعلي بن أمية كتابا مؤرخا إلى عمر من اليمن فقال عمر هذا حسن فأرخوا )
ثانياً : ـ فوائد التأريخ :-للتأريخ فوائد كثيرة ، في استقلالية الأمة وخصوصيتها وتميزها عن غيرها من الأمم ، إضافة إلى حفظ حقوق الناس وضبط أمورهم ومعاملاتهم ولذلك قال المناوي :- ( فلا غنى عن التأريخ في جميع الأحوال الدنيوية والأخروية ) وذكر قصة تبين بعض فوائد التأريخ فقال :- وقع في زمن الخطيب البغدادي أن يهوديا اظهر كتابا فيه أن المصطفى صلى الله علية وسلم أسقط الجزية عن أهل خيبر ، وفيه شهادة جمع منهم على ذلك ، فوقع التنازع فيه فعرض على الخطيب فتأمله ، ثم قال :- هذا زور ، لأن فيه شهادة معاوية وإنما اسلم عام الفتح ، وفتح خيبر سنة سبع ، وشهادة سعدبن معاذ وكان مات عقب قريظة ، ففرح الناس بذلك
ثالثاً :- بداية التأريخ :-قال ابن الجوزي :-
لما كثر بنو ادم أرخو بهبوطه فكان التأريخ إلى الطوفان ، ثم إلى نار الخليل ، ثم إلى زمن يوسف ، ثم إلى خروج موسى من مصر ببني إسرائيل ، ثم إلى زمن داود ، ثم سليمان ، ثم عيسى ، وقيل : أرخت اليهود بخراب بيت المقدس ، والنصارى برفع المسيح )
وقال الزهري والشعبي :- كان بنو إبراهيم يؤرخون من نار إبراهيم إلى بنيان البيت حين بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، ثم أرخ بنو إسماعيل حتى تفرقوا ، فكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بمخرجهم ، حتى مات كعب بن لؤي ، فأرخوا من موته إلى الفيل ، حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة ، وقد كان كل طائفة من العرب تؤرخ بالحادثات المشهورة فيها ولم يكن لهم تاريخ يجمعهم .
رابعاً:- التأريخ في الإسلام
روى الحاكم في الإكليل وابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبي سلمه عن الزهري :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخ التأريخ حين قدم المدينة في شهر ربيع الأول ) لكن هذا الحديث لا يثبت ، فقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح :_ وهذا معضل ، والمشهور خلافه وأن ذلك في خلافة عمر ) وقال ابن عساكر :- والمحفوظ أن الآمر بالتأريخ عمر ) وقال ابن الأثير :-والصحيح المشهور أن عمر بن الخطاب أمر بوضع التأريخ )
قال الحافظ ابن حجر :- وقيل أول من أرخ التأريخ يعلي بن أميه حيث كان باليمن ) أخرجه أحمد بن حنبل بإسناد صحيح لكن فيه انقطاع بين عمرو بن دينار ويعلي ، وروى ابن خثيمة من طريق ابن سيرين قال :- قدم رجل من اليمن فقال : رأيت باليمن شيئا يسمونه التأريخ يكتبونه من عام كذا وشهر كذا ، فقال عمر هذا حسن فأرخوا ) وقال ابن كثير في البداية والنهاية :- قال الواقدي وفي ربيع الأول من هذه السنة أعني سنة ست عشرة كتب عمر بن الخطاب التأريخ ، وهو أول من كتبه )
خامساً :- سبب التأريخ عند المسلمينذكر في ذلك أكثر من سبب ، ولا تعارض بينها ولا مانع من وقوعها جميعا ، فتكون كلها أسبابا لبداية التأريخ عند المسلمين ، وقد تقدم ما ذكره الحافظ ابن حجر عن ابن سيرين قال :- قدم رجل من اليمن فقال :- رأيت باليمن شيئا يسمونه التأريخ يكتبونه عام كذا وشهر كذا ، فقال عمر هذا حسن فأرخوا )
وقال ابن الأثير :_ وسبب ذلك أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تأريخ ، فجمع عمر الناس للمشورة ، فقال بعضهم : أرخ بمبعث النبي ، وقال بعضهم :- بمهاجرة رسول الله ، فقال عمر :- بل نؤرخ بمهاجرة رسول الله ، فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل ) قاله الشعبي,وقال ابن كثير في البداية والنهاية :-
وقد ذكرنا سببه في سيرة عمر ، وذلك أنه رفع إليه صك مكتوب لرجل على آخر دين يحل عليه في شعبان ، فقال : أي شعبان ؟ أمن هذه السنة ؟ أم التي قبلها ؟ أم التي بعدها ؟ ثم جمع الناس فقال :- ضعوا للناس شيئا يعرفون فيه حلول ديونهم ، فيقال أنهم أرد بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم, كلما هلك ملك أرخومن تاريخ ولاية الذي بعده ، فكرهوا ذلك ، ومنهم من قال :- أرخوا بتاريخ الروم من زمان ابن اسكندر, فكرهوا ذلك ،
وقال قائلون :- أرخوا من مولد رسول الله ، وقال آخرون :- من مبعثه علية السلام ، وأشار علي بن أبي طالب وآخرون :- أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى المدينة لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث ، فاستحسن ذلك عمر والصحابة . فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
سادساً:- من أي الشهور أرخوا التأريخ ؟قال الإمام البخاري في صحيحة في كتاب مناقب الأنصار :- باب التأريخ من أين أرخوا التأريخ، ثم قال :- حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز عن أبيه عن سهل بن سعد قال :- ما عدوا من مبعث النبي ولا من وفاته ، ما عدوا إلا من مقدمه المدينة ) قال الحافظ ابن حجر:- قوله ( مقدمه ) أي زمن قدومه ، ولم يرد شهر قدومه ، لأن التاريخ إنما وقع من أول السنة )
قال ابن كثير :- وأرخوا من أول السنة من محرمها ، وعند مالك رحمه الله فيما حكاه عنه السهيلي وغيره أن أول السنة من ربيع الأول لقدومه عليه السلام إلى المدينة ، والجمهور على أن أول السنة من المحرم ، لأنه أضبط ، لئلا تختلف الشهور ، فإن المحرم أول السنة الهلالية العربية .
وقال ابن الجوزي :- ((ولم يؤرخوا بالبعث لأن في وقته خلافا ، ولامن وفاته لما في تذكره من التألم ، ولامن وقت قدومه المدينة,وإنما جعلوه من أول المحرم,لأن ابتداء العزم على الهجرة كان فيه,إذ البيعة كانت في ذي الحجة,وهي مقدمة لها,وأول هلال هل بعدها المحرم,ولأنه منصرف الناس من حجهم فناسب جعله مبتدأ ))
قال ابن حجر معلقاً على هذا الكلام:- ((وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم ))
سابعاً:- التأريخ الهجري القمري هو التأريخ الشرعي :-يجب على المسلم أن يعلم أن التاريخ الهجري المرتبط بالهلال هو التاريخ الشرعي الصحيح الذي شرعه الله تعالى لجميع الشرائع ، إلا أن اليهود والنصارى تركوه وابتدعوا التأريخ الشمسي والميلادي كما سيأتي بيانه،
قال القرطبي رحمه الله في جامع أحكام القرآن:في تفسير قوله تعالى ((إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله )) هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب ، دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط ، وإن لم تزد على اثني عشر شهراً ، لأنه مختلفة الأعداد،منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص ، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين ، وإن كان منها ما ينقص والذي ينقص لا يتعين له شهر ، وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسيره لنفس الآية ( فأخبر الله أن هذا هو الدين القيم، ليبين أن ما سواه من أمر النسيء وغيره من عادات الأمم ليس قيما ، لما يدخله من الانحراف والاضطراب ) وقال رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للحج ....) فأخبر أنها مواقيت للناس وهذا عام في جميع أمورهم ، وخص الحج بالذكر تميزا له ولأن الحج تشهده الملائكة وغيرهم ، ولأنه يكون في آخر الحول ، فيكون علما على الحول كما أن الهلال علم على الشهر )
وقال ابن القيم رحمه الله :-
( ولهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب القمر وسيره ونزوله ، لا حساب الشمس وسيرها حكمة من الله ورحمهٌ ، وحفظاً للدين لاشتراك الناس في هذا الحساب ، وتعذر الغلط والخطأ ، فلا يدخل في الدين من الاختلاف والخطأ ما دخل في دين أهل الكتاب ) وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في بيان ابتداع اليهود والنصارى للتأريخ الشمسي :- (( وقد بلغني أن الشرائع قبلنا أيضا إنما علقت الأحكام بالأهلة وإنما بدل من بدل من أتباعهم ، وما جاءت به الشريعة هو أكمل الأمور وأحسنها وأبينها وأصحها وأبعدها من الاضطراب ، وذلك أن الهلال أمر مشهود مرئي بالإبصار ومن أصح المعلومات ما شوهد بالأبصار ، ولهذا سموه هلالا ، لان هذه المادة تدل الظهور والبيان إما سمعا وإما بصرا ))
وقال رحمه الله أيضا عن بعض المتشبهين بالنصارى في توقيت صيامهم ( وكل ذلك بدع أحدثوها باتفاق منهم خالفوا بها الشريعة التي جاءت بها الأنبياء ، فان الأنبياء ماوقتوا للعبادات إلا بالهلال ، وإنما اليهود والنصارى حرفوا الشرائع تحريفا ليس هذا موضع ذكره )
ثامناً :- نشأة التأريخ الميلادي الشمسي المبتدع :-كان التأريخ معروفا عند الرومان منذ 750 سنة قبل ميلاد المسيح ، وكان هذا التقويم قمريا ، حتى سنة 46 قبل الميلاد ، حين استدعى الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر الفلكي المنجم المصري ( سوريجن ) وطلب منه وضع تأريخ حسابي يؤرخ به ، فوضع له تأريخا مستندا إلى السنة الشمسية ، وبقي هذا التأريخ معمولا به في أوربا وغيرها حتى القرن السادس أو الثامن من ميلاد المسيح ، عندما رجع بالتقويم الشمسي لتكون بدايته التأريخ النصراني من أول السنة الميلادية نسبه إلى ميلاد المسيح عيسى ، وأن تكون بدايته ( يناير ميلادي ) وهو يوم ختان المسيح ، وكان ميلاده في( 25 ديسمبر ) لكنه لم يكن كامل الدقة فأجرى عليه تعديلات جديدة من بابا النصارى (جرريجوري الثالث عشر ) لتلافي الأخطاء الواقعة ، وذلك في سنه 1582 ، ثم انتشر العمل به في اغلب الدول النصرانية بعدا أن كان انتشر العمل به في الكنيسة الغربية ( المذهب الكاثوليكي ) فقط ، ومازال هذا التأريخ الشمسي الميلادي المبتدع ينتشر حتى صار معمولا به في أغلب الدول الإسلامية إلا من رحم الله ، وترتب على ذلك الزهد بالتأريخ الهجري الشرعي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تاسعاً :- أهمية التمسك بالتأريخ الهجري :-إن من الواجب على المسلمين حكومات وشعوبا الاعتزاز بتأريخهم الهجري والتمسك به والتأريخ به وعدم التأريخ بالتأريخ الميلادي لعدة أمور ، ومن أهمها:
1- لأن العمل بالتاريخ الهجري دين يتقرب به العبد إلى الله لارتباطه بالهلال الذي ترتبط به الكثير من العبادات والأحوال الشخصية والمعاملات كالصوم والعيدين ووجوب الزكاة ، والبلوغ والتكليف وعدة المطلقة والإجار ومواعيد الديون وغيرها ، ومن القواعد الشرعية :- ( مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) وقد قال الله تعالى يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) و قال تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب )
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه ما فال ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :- إذا رأيتموه – أي الهلال _ فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا )
2- لإجماع الصحابة على العمل بهذا التأريخ ولا تجتمع الأمة على ضلاله ، وينبغي أن يلاحظ في إجماعهم عدة أمور :- أن الصحابة سموه تأريخا إسلاميا ، واعتبروه رمزا إسلاميا ولذلك ربطوه بيوم الهجرة العظيمة ، وإنهم كرهوا تواريخ الأمم الأخرى ومن ضمنها التأريخ الميلادي ، وأيضا فإن هذا التأريخ لم يكن لعباداتهم فحسب ، بل لعباداتهم ومعاملاتهم ودينهم ودنياهم ويؤكد لك ما تقدم ذكره من أن سبب وضعه كان أمرا دنيويا .
3- لأنه من وضع وأمر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وسنته ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :- فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ) رواه أحمد أبو داود الترمذي
4- أن الأمة الإسلامية بسلفها وخلفها وأئمتها وأعلامها تعاقبت على هذا التأريخ جيلا بعد جيل ، ولم تعمل بالتأريخ الميلادي إلا بعد سقوط الخلافة العثمانية ودخول الاستعمار الصليبي لبلاد المسلمين عام 1340 من الهجرة.
5- لارتباط هذا التأريخ بحدث عظيم له تأثير الكبير على قيام دولة المسلمين وعزهم واستقلاليتهم عن المشركين
6- لأنه سبب كبير في عز الأمة واستقلاليتها وتميزها عن باقي الأمم الكافرة ، ومما يؤكد ذلك أن أول الأعمال التي قام بها من قضوا على الخلافة العثمانية في تركيا هو :- إ حلال التأريخ الميلادي النصراني محل التأريخ الهجري الإسلامي .
7- لأن للتأريخ الهجري تأثيرا كبيرا على عقيدة الولاء للمؤمنين، والبراءة من اليهود والنصارى والمشركين، ولذلك عد بعض العلماء :- التأريخ بالتأريخ الميلادي النصراني من موالاة النصارى .
8- لسهولة التأريخ الهجري ويسره ووضوحه ، والله تعالى يقول ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ويقول ( ما جعل عليكم في الدين من حرج )
9- لارتباط التاريخ الميلادي بعقيدة النصارى ودينهم، وهو ولادة المسيح ابن الله في زعمهم وعقيدتهم وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
10- لأن التأريخ الميلادي الشمسي يقترن بتمجيد اثني عشر إلها مزعوما من آلهة الرومان الأسطورية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر :-
شهر (يناير) وهو اسم إلههم يانوس ، وهو إله الشمس
شهر ( مارس ) وهو إله الحرب وحامي الرومانيين عندهم . وكذلك اسم الأيام تقترن بتمجيد الهتهم المزعومة .
يوم الأحد (sunday ) معناه :- الشمس المقدسة يوم الثلاثاء (tusday) وهو اسم الإله عندهم ( تير )
* شبهتان والجواب عليهما :-1- العمل بالتأريخ الميلادي الشمسي لأنه يدور مع الفصول الأربعة دورة ثابتة ، تسهل على الفلاحين والصيادين والمسافرين وغيرهم مواعيد أعمالهم وهذا غير متيسر بالتأريخ الهجري .
والجواب عليها :- أن المسلمين يستعملون البروج كالحمل والثور والجدي وغيرها في هذه الأمور الدنيوية وكل برج بعدد ولا يتغير وقته ، وهذه البروج معروفه عند العرب من قديم، واكتفوا بها عن التأريخ الميلادي الشمسي وبها كانوا يعرفون وقت النتاج والتأبير وغير ذلك.
2- أن التأريخ الميلادي يحدد المواعيد الهامة مثل مواعيد المستشفيات والزواجات وغيرها وهذا لا يتيسر في التأريخ الهجري لارتباطه بالهلال .
والجواب عليها :- أن الحل تحديد المواعيد بتحديد الأيام كالأحد أو الخميس ، وهكذا مع التأريخ الهجري ، وإذا حدث اختلاف في التاريخ فإنه سيكون طفيفا جدا ، ولا يتجاوز رقما أو رقمين عادة ، ويكون علاجه وتصحيحه بتحديد اليوم باسمه ، ولا حاجة حينئذ للتأريخ الميلادي الذي يترتب على التأريخ به مفاسد كثيرة ، مقابل ما يترتب على التأريخ به من مصالح قليله ، يمكن تحصيلها ببدائل أخرى سالمة من كل مفسدة .
عاشراً:- بدع محدثات في نهاية السنة الهجرية وبدايتها :-قبل ذكر هذه البدع والمحدثات ، لابد أن نبين أنه مامن عمل صالح إلا ويشترط فيه شرطان هما:-
1- الإخلاص لله تعالى كما قال تعالى ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)
2- المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم كما روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منة فهو رد ) . وفي رواية لمسلم ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )
3- وقد قال العلماء لابد من موافقة النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة في ستة أمور :-
1- الصفة :- مثل صفة الصلاة والحج .
2- القدر :- مثل قدر صلاة الظهر أربع ركعات .
3- الزمن :- كأوقات الصلاة والصيام والحج
4- المكان :- مثل مشاعر الحج ( منى – مزدلفة – عرفات )
5- الجنس :- مثل بهيمة الأنعام في الأضحية والهدي .
6- السبب :- وهو ما يتعلق ببحثنا هذا ، فأي عبادة وجد سببها في وقت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يفعلها ، ففعلها بدعة محدثة ، مثل الاحتفال بالمولد النبوي وغير ذلك ، ولا يعتذر عن ذلك بقول بعضهم عند فعل البدع ( إنما أردنا التقرب إلى الله بعبادته )
فإن الله تعالى بعث إلينا نبياً يعلمنا ويدلنا على مايحبه ويرضاه من العبادات والأعمال الصالحة .
ولذلك خرج ابن وضاح عن الأعمش أنه ذكر لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن ناسا بالكوفة يسبحون بالحصى بالمسجد ، فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كوما من الحصى ، قال :- فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد ، ويقول :- لقد أحدثتم بدعة وظلما ، وقد فضلتم أصحاب محمد علما ) وقال الشاطبي :- في كتابه الاعتصام :- الباب الخامس :- في أحكام البدع الحقيقية والإضافية والفرق بينهما ، ثم قال :- ومن البدع الإضافية التي تقرب من الحقيقية :- أن يكون أصل العبادة مشروعا ألا أنها تخرج عن أصل شريعتها بغير دليل توهما أنها باقية على أصلها ) . ومثال ذلك أن يقال :- إن الصوم في الجملة مندوب إليه لم يخصه الشارع بوقت دون وقت ولا حد فيه زمان دون زمان ، ماعدا ما نهي عن صيامه على الخصوص كالعيدين وندب إليه على الخصوص كعرفة وعاشوراء ، فإذا خص منه يوما من الجمعة بعينها ، أو أيام من الشهر بأعيانها ، لا من جهة ما عينه الشارع ، كيوم الإربعاء مثلاً ُفي يوم الجمعة , والسابع والثامن في الشهر، وما أشبه ذلك ,فلا شك أنه رأي محض بلا دليل ، ضاهى به تخصيص الشارع أيام بأعيانها دون غيرها ، فصار التخصيص من المكلف بدعة ، إذ هي تشريع بغير مستند )
قلت:- (وعلى هذا تدور بدع ومحدثات نهاية السنة وبدايتها,حيث أنه تخصيص أيام بعينها للاستغفار أوالدعاء أو المحاسبة,وهذا التخصيص رأي محض بغير دليل من الكتاب ولا من السنة,فأصبحت بهذا بدعة محدثة يجب الحذر منها والابتعاد عنها,وفي ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم الخير والكفاية والتمام والكمال .
إذا علم ذلك فإليك بعضاً من البدع والمحدثات في نهاية السنة الهجرية:-1/ ختم السنة بالاستغفار أو الأعمال الصالحة في آخر يومٍ منها.
2/ تعظيم آخر جمعة من السنة بالاستغفار أو الدعاء.
3/ اعتقاد أن هناك صحائف لأعمال الإنسان تطوى في آخر السنة.
4/ أمر الناس وحثهم على محاسبة أنفسهم في آخر السنة.
وإنما كانت هذه الأمور من البدع لأن الشارع لم يجعل نهاية السنة ميداناً لمحاسبة النفس, ولم يثبت فضيلة للاستغفار أو الدعاء أو الأعمال الصالحة في آخر يوم أو جمعة من السنة,ولم يثبت أيضاً أن صحائف الأعمال الصالحة تطوى نهاية السنة .
قال الشيخ بكر أبو زيد:- إن اختراع أدعية وأذكار مرتبه لبعض الأزمان من ساعة أو يوم ، أو ليله ، أو أسبوع ، أو شهر ، أو عام ، لم يقم عليها دليل , يكون بدعةً في الدين وتعبداً بما لم يأذن به الشرع الكريم,
ويجر إلى مضارعة للكافرين من اليهود والنصارى والوثنين في تقديسهم بعض الأزمان الحولية فما دونها وما يحدثونه فيها من الأذكار والترانيم ,ثم قال وفقه الله:- دعاء آخر السنة:- لم يثبت في الشرع شيئاً من دعاء أو ذكر لآخر العام وقد أحدث الناس فيه من الدعاء ،ورتبوا مالم يأذن به الشرع فهو بدعةً لا أصل له.
• بدع ومحدثات بداية السنة الهجرية :-1- أذكار بداية السنة ، قال الشيخ بكر أبو زيد :- دعاء أول السنة لا يثبت في الشرع شيء من ذكر أو من دعاء لأول العام ، وهو أول يوم أو ليلة من شهر محرم ، وقد أحدث الناس فيه من الدعاء والذكر والذكريات وتبادل التهاني وصوم أول يوم من السنة وإحياء ليلة أول يوم من محرم بالصلاة والذكر والدعاء ، وصوم أآخر يوم من السنة إلى غير ذلك مما لا دليل عليه .
2- التهنئة في بداية السنة ، والاحتفال بذلك :- في إجابة الفتوى رقم ( 1002 ) للجنة الدائمة :- ( الأعياد في الإسلام ثلاثة :- يوم عيد الفطر ، ويوم عيد الأضحى ، ويوم الجمعة ، أما أعياد الميلاد الفردية وغيرها مما يجتمع فيه من المناسبات السارة كأول يوم من السنة الهجرية والميلادية ، ويوم نصف شعبان ، أو ليلة النصف منه ، ويوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم ويوم تولى زعيم الملك أو لرئاسة جمهورية مثلا ، فهذه وأمثالها لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين ، ولا في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي بالخير، فهي من البدع المحدثة ، التي سرت إلى المسلمين من غيرهم ، وفتنوا بها ، وقد قال النبي ( إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) وقال ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ) وهذا ظاهر فيما إذا كان الاحتفال لتعظيم من احتفل من أجله ، أو لرجاء بركته أو المثوبة من القيام به كمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، أما مالم يقصد التبرك ولا المثوبة ، كالاحتفال بميلاد الأولاد ، وأول السنة الهجرية أو الميلادية ، وبيوم تولي الزعماء لمناصبهم ، فهو وإن كان من بدع العادات ، إلا أن فيه مضاهاة للكفار في أعيادهم ، وذريعة إلى أنواع أخرى من الاحتفالات المحرمة ، التي ظهر فيها معنى التعظيم والتقرب لغير الله ، فكانت ممنوعة ، سداً للذريعة ، وبعداً عن مشابهة الكفار في أعيادهم ، واحتفالاتهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من تشبه بقوم فهو منهم )
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين :- شاع في بعض البلاد الإسلامية الاحتفال بأول يوم من شهر محرم من كل عام ، باعتباره أول أيام العام الهجري ، ويجعله بعضهم إجازة له عن العمل ، كما يتبادلون فيه الهدايا المكلفة مادياً ؟
فأجاب فضيلته بقوله :- تخصيص الأيام أو الشهور أو السنوات بعيد ، مرجعه إلى الشرع وليس إلى العادة ، ولهذا لما قدم النبي المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال :- ما هذا اليومان ؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال :- (( إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر )) ولو أن الأعياد في الإسلام كانت تابعة للعادات لأحدث الناس لكل حدث عيداً ، ولم يكن للأعياد الشرعية كبير فائدة ))
ثم إنه يخشى أن هؤلاء اتخذوا رأس السنة أو أولها عيداً متابعة للنصارى ومضاهاة لهم يتخذون عيداً عند رأس السنة الميلادية ، فيكون في اتخاذ شهر المحرم عيداً محذورٌ آخر .
3- ما ينتشر عند بعض الناس من تخصيص أول يوم من محرم بلبس الثياب البيض وشرب الحليب تفاؤلاً باللون الأبيض أن تكون سنتهم الهجرية الجديدة سالمة من كل سوء ومصيبة ، فأما لبس الثياب البيض فحث عليه الشارع بقوله صلى الله عليه وسلم (( البسوا من ثيابكم البيض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم )) أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وصححه ابن ماجه والحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
لكنه لم يقيد لبسها بأول يوم من المحرم ، وتقييد اللبس به من البدع ، وأما شرب الحليب في أول يوم من المحرم فلم يثبت به دليل فهو من البدع المحدثة .
وختاماً فإن من الواجب على كل مسلم أن يتمسك بتأريخه الهجري ويعتز به ويحافظ عليه ، وأن يحرص على إخلاص العبادة لله وحده ، والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يحذر من البدع والمحدثات في الدين .
والله أسأل أن يفقهنا وإخواننا المسلمين في دينه ، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه ، ويعصمنا مما يغضبه ويأباه.
وصلى الله عليه وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين , وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين .
كتبه إمام وخطيب جامع الربع بالرياض
وليد بن علي المديفر
30 / 12 / 1428 هـ