لا شك أن التشبه والمحاكاة للآخرين يتنافى مع الاعتزاز بالذات والاستعلاء على الكفار،
لذلك حرص النبي الكريم على تمييز الجماعة الدينية وذلك لزيادة تماسكها، واعتزازها بذاتها
يتضح ذلك في تمييزها بالقبلة واتجاهها إلى الكعبة بعد أن اتجهت ستة عشر أو سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس
ويمضى النبي صلى الله عليه وسلم يميز أتباعه عمن سواهم في أمور كثيرة،
ويوضح لهم أنه يقصد بذلك مخالفة اليهود،
من ذلك: أن اليهود لا يصلون بالخفاف فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن يصلوا بالخف، واليهود لا تصبغ الشيب فصبغ المسلمون شيب رؤوسهم بالحناء والكتم،
واليهود تصوم عاشوراء والنبي صلى الله عليه وسلم يصومه أيضاً ثم اعتزم أواخر حياته أن يصوم تاسوعاء معه مخالفة لهم
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وضع للمسلمين مبدأ مخالفة غيرهم والتميز عليهم فقال: «من تشبه بقوم فهو منهم» وقال: «لا تشبهوا باليهود» والأحاديث في ذلك كثيرة وهي تفيد معنى تميز المسلمين واستعلائهم على غيرهم،
، ولكن هذا التميز والاستعلاء لا يشكل حاجزًا بين المسلمين وغيرهم، فكيان الجماعة الإسلامية مفتوح وقابل للتوسع ويستطيع الانضمام إليه من يؤمن بعقيدته
وإذا كان المسلمون يجتهدون هذه الأيام لاغتنام موسم الخير المتمثل في يوم عاشوراء
فإن علينا معشر الدعاة انتهاز تلك الفرصة لتأصيل منهج مخالفة اليهود في نفوس المسلمين..
فقد ورد في الصحيحين عن ابن عباس صلى الله عليه وسلم قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما هذا اليوم الذي تصومونه؟
قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"فنحن أحق بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه"..
ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بالإخبار أنه هو وأمته أولى وأحق من اليهود بإتباع الأنبياء الكرام والسير على سير المرسلين العظام في جميع ما قصدوه من شرائع وأحكام
وإنما أصدر قرارا صريحا بمخالفة اليهود بقوله: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا قبله يوما وبعده يوما" وفي رواية: "أو بعده".. وفي رواية "خالفوا اليهود، صوموا التاسع والعاشر".
* نحن أحق بموسى منكم
فجعل رسول الله الآصرة التي يتجمع عليها البشر هي الآصرة المستمدة من النفخة الإلهية الكريمة . جعلها آصرة العقيدة في الله . . فعقيدة المؤمن هي وطنه ، وهي قومه ، وهي أهله . . ومن ثم يتجمع البشر عليها وحدها
وذلك ليعلم المؤمن أنه ذو نسب عريق ، ضارب في شعاب الزمان . إنه واحد من ذلك الموكب الكريم ، الذي يقود خطاه ذلك الرهط الكريم:نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ويعقوب ويوسف ، وموسى وعيسى ، ومحمد . . عليهم الصلاة والسلام . .
وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون
هذا الموكب الكريم ، الممتد في شعاب الزمان من قديم ، يواجه مواقف متشابهة ، وأزمات متشابهة ، وتجارب متشابهة على تطاول العصور وكر الدهور ، وتغير المكان ، وتعدد الأقوام .
يواجه الضلال والعمى والطغيان والهوى ، والاضطهاد والبغي ، والتهديد والتشريد .
ولكنه يمضي في طريقه ثابت الخطو ، مطمئن الضمير ، واثقا من نصر الله ، متعلقا بالرجاء فيه ، متوقعا في كل لحظة وعد الله الصادق الأكيد: وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا . فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ، ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد . .
موقف واحد وتجربة واحدة . وتهديد واحد . ويقين واحد . ووعد واحد للموكب الكريم . .
وعد بالنصر والتمكين
وقبل أن نختم نناديك
يا سليل المجد
يا حفيد الموكب النوراني الرباني
استشعر تميزك
واحرص عليه
ولا تنس وأنت تصوم هذه الأيام
أن تعي هذه المعاني
وتعلمها غيرك
ولا تنس كذلك أن تدعو لنا عند الغروب
معاني نتعلمها من ذكرى عاشوراء
تعلمها معكم
د/ عمرو الشيخ
المدير التنفيذي لمؤسسة نور للتنمية البشرية