الحمد لله الأول والآخر والظاهر والباطن الحكيم العليم والرحمن الرحيم والصلاة والسلام على السراج المنير النبي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد
ليس في تعاقب الأعوام أمر جديد ،ولا في تصرم الأعمار خبر فريد أيام تهدم أيام وأعوام تنُسي أعوام ؛أفراح وأحزان ذنوب وطاعات .تغيرات وتحولات ؛طفل قد أصبح رجلاً ،وشاب قد عاد كهلاً .
وفي أحد الأعوام يُقال مات فلان ؛وفجأة وبدون أي مقدمات ينتقل من هذه الدار فيودع أيامها ويهجر أعوامها وينساه خلانها،فلم تعد تمثل له شيئاً بعد أن كانت عند بعض الناس كل شيء فلن يعود إليها وإن أحب ولن يصلح منها ما أفسد وإن ندم .
ولعلنا عند تأمل مسيرة الأعوام نتذكر أن كل عام يقربنا إلى اللقاء الذي لا يعلم كيف يكون إلا الله مع ملك الموت ،فأنا وأنت في هذا العام أقرب إلى الموت منا في العام الماضي .قال ابن مسعود رضي الله عنه :(ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي ) .
ولعلنا نعلم أيضاً أن كل عام ما هو إلا كحصالة متوسطة الحجم قد ملأها صاحبها بأصناف الأعمال،فبعض الناس قد ملأها بالصالحات وبعضهم قد ملأها بأعمال يظنها صالحة فبان عند تفقدها غير ذلك فمنهم من زُين لهم سوء عملهم ،ومنهم من خالط أعماله الرياء فأفسده .وآخرون قد خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً .ومن الناس من ملأ حصالته بأصناف السيئات فلا يكاد يرى فيها غير سواد الذنوب .
ولعلنا نعلم جميعاً أن كل عام تشرق شمسه سيرحل عنا عند قضاء أجله ؛لكنه لا يرحل بمفرده ؛بل يرحل معه بمن انقضى فيه أجله منا فسبحان الله ما أسرع ما نستقبله زائراً حتى نودعه راحلاً .ولا حول ولا قوة إلا بالله كم مسرور باستقباله ما علم أنه آخر أعوامه ومنتهى آماله من الدني .
ولعلنا نعلم أن خير طريقة للتعامل مع العام الجديد أن نستقبله بالتوبة النصوح والعزم على عدم العودة للذنوب والعزم على امتثال أوامر الله واجتناب معاصيه والتمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والسير على طريقة السلف الصالح .
ولا يخفى علينا أن العام الواحد عبارة عن اثني عشر شهراً ، والشهر أسابيع والأسبوع أيام والأيام الساعات والساعات دقائق !
فمن صلحت دقائقه وساعاته صلحت شهوره وأعوامه .وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل .فخذ من العمل ما تستطيع وأنت له محب خير من أن تثقل على نفسك فتترك العمل وأنت فيه زاهد .
والجنة أقرب إلى أحدنا من شِراك نعله والنار مثل ذلك ؛ فسددوا وقاربوا وأبشروا ويسروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ،والقصد القصد تبلغوا .
والدين ليس ثوب يلبس في مكان وينزع في آخر ؛بل هو منهج حياة وعلاقة دائمة مع رب الأرض والسماوات ،فالمسلم مسلم مع صديقه وعدوه ومحبه ومبغضه وفي حله وفي سفره وفي يسره وفي عسره .
ومن أرضى الناس بسخط الله سخطه عليه وأسخطهم عليه ،ومن أسخط الناس برضا الله رضي عنه وأرضى عنه الناس .
بشارة :من رحمة الله أنك تستطيع أن تراجع ما وضعته في حصالتك وتنقيه وتصفيه ليس في العام الماضي فقط ؛بل في كل الأعوام السابقة من حياتك وذلك بالتوبة النصوح والإكثار من الحسنات فتعود تلك الصفحات الملطخة بأدران الشهوات والشبهات بيضاء نقية برحمة أرحم الراحمين .
اللهم أصلح المقبل من أعوامنا وزودنا التقوى في القادم من أيامنا ، اللهم تب علينا من كل ذنب أذنباه أو حق ضيعناه أو مسلم ظلمناه أو حد تجاوزناه .ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .