لكل مخلوق فوق هذه المعمورة خلقته وفطرته التي فطره الخالق عليها ، كما أن له غاية وهدفا يطمح في الوصول إليهما ، وما سبق ينطبق على أي ديانة يدين بها هذا المخلوق الضعيف ، كما أن الطيور و البهائم ـ أيضا ـ لها هدف تسعى إلى تحقيقه إبان حياتها فقط !! فالرغبة مشتركة عند الكل من ناحية تحقيق الهدف ، بيد أن هذه الرغبة متباينة من حيث النوع ، ولكن !!
هل سأل كل واحد منا نفسه ، ما هذا الهدف الذي أطمح في الوصول إليه ؟ أعتقد ـ والله أعلم ـ أن الغالبية سيشطح خيالهم بعيدا عن الهدف الأسمى والأغلى بل والأهم ، فهناك من يهدف إلى جمع المزيد من المال بأي طريقة كانت ، وهناك من يهدف إلى الحصول على أعلى الشهادات والأوسمة ، وهناك من يطمح في قصر منيف أو سيارة فارهة أو زوجة ذات حسن وجمال ومنصب ، أو غير ذلك من الأهداف ( الواهية ) .
عودا على بدء ، أخال من كانت هذه غاية مبتغاه ـ من بني قومي ـ فقد شارك غيره من بني صهيون وعلمان ومجوس وبقية حثالة الغرب والشرق في نوعية هذا الهدف !!
كيف لا ، وهو قد شاركهم الطموح ذاته ؟ أليس الجميع منهم يبحث عن ثراء ومنصب وزوجة فقط ؟؟ يبذل الغالي والنفيس في سبيل الحصول على ذلك .
نعم .. أعتقد أن في الأمر متسع ، ولا أطلب من الجميع الركون والكسل حتى لا يطالهم ذلك الاتهام ، ولكن (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )
هذا ما أريد الوصول إليه ، بعد الفرض نتفرغ للنفل ، نتفرغ للفروع والمتغيرات ، ولكن بعد أن نؤدي الأصول والثوابت ، لم لا يكون هدف كل مخلوق رضا الله عز وجل عنه في كل فعل يفعله ؟ فيكون جمعه للمال من أجل رضا الله ، ويرغب في الوصول للمنصب ليفعل ما يرضي الله ، ويريد الزواج طمعا في رضا الله ، فرضا الله عز وجل يدخل في أي شيء ، ولا يمكن لأي شيء أن يدخل في رضا الله !!
أتمنى من جميع إخواني المسلمين عقد العزم مع بداية صفحة جديدة من عام جديد ـولكنه من الأجل قريب ـ على وضع رضا الله سبحانه وتعالى نصب أعينهم في كل أمر يقدمون عليه .
إنه لمن بالغ الأسى والحزن أن نرى أحفاد القردة والخنازير ( بني يهود ) وقد وضعوا نصب أعينهم هدفا يطمحون جميعا ـ صغيرهم وكبيرهم ، ذكورهم وإناثهم ـ أقول : وضعوا هذا الهدف الذي يسعون جاهدين لتحقيقه شعارا لهم في علم بلادهم ـ طمس الله معالهمها ـ بل وضعوه حتى في عملتهم الرسمية ( الشيكل ) ، يرونه صباح مساء ، هذا الهدف للأسف يتمثل في ما يسمى بإسرائيل الكبرى أو إسرائيل المستقبل ، وهي التي تمتد من النيل إلى الفرات ، وهذا ما يمثله علمهم بخطيه الأزرقين وبينهما نجمة داود ، أتمنى أن يعرف ويدرك كل مسلم مايحاك من خلف الكواليس وهو قابع خلف الحائط ، يلهو ويمرح ، غره فسحة الأمل وطول العيش ، أتمنى أن نقتبس من هؤلاء اليهود شيئا واحدا فقط ، هو : توحيد الهدف بين الجميع ، يالها من سعادة عظيمة عندما نعمل ما بدا لنا ونحن ننعم برضا المولى جل وعلا ، نغدو ونروح ، نفرح ونحزن ، نمسي ونصبح ، كل ذلك والله راض عنا .
قد يقول قائل ، إن رضا الله أمر فطري عند كل مسلم محقق لمعنى العبودية ، لكون العبادة بمعناها العام : اسم جامع لكل مايحبه الله ويرضاه من الأقول والأفعال ، ولكن أقول لهذا القائل ، نعم هو أمر فطري ، بيد أنه نظري ، فالهوة ساحقة بين النظرية والتطبيق ، ولا أدل على ذلك من كون كل مخلوق يولد على الفطرة ، ولكن ماذا بعد ذلك ؟!
يقول الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) : أي أخلص عمل وأصوبه ؛ فإن العمل إذا كان خالصاً ، ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صـواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل ، فلا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً .
عجبا لمن يعمل ما بدا له ، ويقول بأنني مسلم ، فإن كان هذا العمـل الذي يعمله دينياً لم يقبـل منه وإن كان دنيوياً لم يؤت ثمرته المطلوبة ، ولم يحقق نتيجته المرقوبة، لأنه مبني على نظر غير صحيح ، ولهذا قال تعالى :" وجوه يومئذٍ خاشعة ، عاملة ناصبة ، تصلى ناراً حامية ، تسقى من عين آنية "
على كل مسلم أن يقرن العمل بالرضا ؛ ليتحقق له الحسنيين ، وعليه ألا يركن إلى الانتحال لدين الإسلام فقط ، فليس كل من ادعى السعادة سعيد ، ولا كل من سمي صالح بصالح ، فلا بد من العمل والرضا وهو الأهم .
( ليس بأمانيكم ، ولا أماني أهل الكتاب ، من يعمل سوءاً يجز به ،ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ) النص واضح وصريح ، الانتماءات والأسماء وحدها لا تكفي ، ولو كانت شريفة وصحيحة في ذاتها ، حتى يقترن بها العمل ، الميزان مرتبط بــ " من يعمل ... "، أو " من يعمل ... " ولهذا كان بعض السلف يقولون : إن هذه أخوف آية في كتاب الله تعالى . يقول الحافظ ابن كثير : " والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ، ولا بالتمني ، ولكن ما وقر في القلب ، وصدقته الأعمال , وليس كلُّ من ادعى شيئاً ، حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال: إنه على الحـق سمـع قـوله بمجرد ذلك ، حتى يكون له من الله برهان وكلمة الحسن البصري - رحمه الله - مشهورة ، وهي التي ساقها ابن كثير في صدر كلامه السابق .
هناك من الناس من بلغت به الثقة العمياء من صحة موقفه وعمله ما جعله يعتقد أنه أحد المبشرين بالجنة ، وهنا مكمن الخلل وعين الخطأ ، فكل عمل لا بد له من الاقتران بالرضا حتى يكتب له القبول ، فالقول شيء والعمل شيء آخر ، يقول الطغرائي في قصيدته الشهيرة ( لامية العجم ) :
غاض الوفاء ، وفاض الغدر ، واتسعــ ـت مسافة الخلف بين القول والعمل .
ختاما .. أسأل الله للجميع عاما جديدا ، وهدفا وحيدا ، ألا وهو رضا الله عز وجل ، وعلينا نسيان الماضي ، فليست العبرة بنقص البدايات ، ولكن العبرة بكمال النهايات ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ .