بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
تمهيد:
إن كرامة الإنسان حق من حقوقه كفلها الإسلام للإنسان، ومن ثم ينظر الإسلام إلى حقوق الإنسان كنعمة مستمدّ من إرادة اللـه سبحانه وتعالى وليس فضلا يمنحه المجتمع للإنسان.
وذهب الإسلام إلى ما هو أبعد من ذلك فجعلها من الواجبات الشرعية الملزمة التي يسأل عنها الحاكم والمحكوم؛ فهي حقوق لا تخضع لاجتهادات الجماعة فتختلف من زمان لزمان أو من مكان لمكان بل حقوق ثابتة بالنص يجريها الحاكم بما يتفق والزمان والمكان.
والفرد نفسه ملزم بتحقيق هذه الحقوق التي تحقق له الكرامة الذاتية فأمر بالابتعاد عما يمتهنها بذل وخضوع، وعبودية لغير الله- تعالى-، فليس له أن يقتل نفسه بالانتحار، أو يتعاطى المخدرات، والمسكرات القاتلة والمهلكة للصحة والمذهبة للعقل.
سعياً في بيان مضمون حقوق الإنسان في الإسلام، نقدم أهم المفاهيم ونظرة الإسلام إليها، ومنها: حق الحياة، وسلامة البدن، والعقل، والعرض والمال، والأهل، والحرية، والمساواة، والتكافل.
1. حق الحياة وسلامة البدن والعقل والعرض والمال والأهل:
إنّ مما يدل على كرامة الإنسان في الإسلام، هو تسخير الكون برمته للإنسان، وأن الإنسان الواحد، يساوي البشرية قاطبة حتى يستوفى حقّه في الحياة، كما قال تعالى: "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً" (المائدة، 32).
فالإنسان محترم في حياته ومماته، ولا يجوز التمثيل بجثته ولو في الحرب، حتى القتال لم يشرع إلاّ من أجل الحق، ودفاعاً عن الحق، وذلك بعد الإنذار والإعلان، مع وجود قيود صارمة على العمليات الحربية. فحرم الإسلام قتل غير المحاربين من النساء، والأطفال، وكبار السن. وما القصاص إلاّ دفاعٌ عن الإنسان وحياته، كما قال تعالى: "ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب"( البقرة: 179).
وجاءت الشريعة بحماية الإنسان، وحفظ الأنفس والأعراض والأموال وعدم التهور في غشيان المهالك، والحفاظ على عقله بتحريم الخمر، وما يذهب العقل، حرصاً على سلامة بدنه، وعقله، وعدم السخرية منه، أو شتمه، أو مناداته بلقبه الذي لا يحبه.
2. حرية الإنسان:
وقد وصف اللـه- سبحانه وتعالى- الإنسان بأنه الخليفة في الأرض، قال تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" (سورة البقرة، الآية 30). وهذا الوصف له مدلولاته من حيث ما ذكر من الكرامة، والاحترام، والحق الإنساني، والتميّز في هذا المخلوق، الذي فُضل على غيره من المخلوقات مما يعكس ما يتمتع به الإنسان في ظل الإسلام من الكرامة، والحرية، والرفعة، مقارنة بما قررته الاتفاقيات الدولية وغيرها لحقوق الإنسان.
ولقد عانت الإنسانية من العبودية لغير الله، والاستذلال حقباً طويلة، وما زالت تعاني إلى الوقت الحاضر، وإن تغيرت مسميات هذه العبودية. وعند بزوغ نور الإسلام، جاءت تعاليمه صريحة في القضاء على العبودية والرق، حيث ضيقت مداخله ووسعت طرق إلغائه، فلم يبق من مداخله إلاّ الحرب التي تقوم بين المسلمين والكفار، وأمّا طرق إلغائه فكثيرة جداً قد بيّنت في أبواب الرقّ في الفقه الإسلامي.
ولا يتنافى واجب الأمر بالمعروف مع الحرية الفردية، لأن في قيام أفراد المجتمع بذلك حرصاً على الآخرين وتنبيههم للأخطار المادية، والمعنوية، وفي ذلك دعوة أخرى إلى التفاهم والتشاور وإلى مبدأ الشورى المؤصل في الإسلام، والذي هو أساس الحكم فيه، مصداقاً لقوله تعالى: "وشاورهم في الأمر" (آل عمران:159). وقوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم" (الشورى: 38).
والنصيحة عامة للحاكم والمحكوم، كما قال -صلى اللـه عليه وسلم-: "الدين النصيحة" قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم" متفق عليه.
فالشورى هنا ليست مطلقة، بل هي مقيدة بحدود الشرع، فليس للفرد الحق أن يُحكّم رأيه بما يتنافى مع الدين الإسلامي، أو يعرّض مصالح الناس للانتقاص. إنما هي حرية الرأي المنضبطة بضوابط الشرع، تبني المجتمع الإسلامي، وتصحّح أخطاءه، فيسلك بذلك طريق الهداية والفلاح في جميع أموره.
3. المساواة:
تعد المساواة بين الناس على اختلاف الأجناس والألوان واللغات، مبدأً أصيلاً في الشرع الإسلامي، وهذا بخلاف الحال في الحضـارات السابقة للإسلام، حينما كانت النظرة للإنسان حسب جنسه أو لونه أوغناه أوفقره أوقوته أوضعفه أوحريته أوعبوديته، وكانت طبقة الحكام ورجال الدين، من الطبقات المميزة، بل إنّ بعض المجتمعات كالمجتمع الهندي، كان يعرف طائفة المنبوذين، وكان محرماً على أفراد الطبقة، أن ينتقلوا منها إلى طبقة أعلى، حتى ولو كانت مَلَكاتهم تتيح ذلك. وجعل الإسلام معياراً للتفاضل يتساوى أمامه الخلق جميعاً على اختلاف الأجناس والألوان، والحرية والعبودية، إنه معيار التقوى، قال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللـه أتقاكم.." (الحجرات: 13).
ولا تتنافى المساواة - كما ذكرنا في ظل الإسلام - مع الاختلاف بين غير المتماثلين في الحقوق الفرعية، فالاجتهاد، والعمل، والابتكارات، والقدرات، مطالب اجتماعية لتحقيق المصالح، وبناءً عليها يختلف الناس اختلاف حساب وليس اختلاف كرامة، فالناس سواسية أمام اللـه مع اختلافهم في الفروع.
4. التكافل الاجتماعي:
لم تعرف البشرية نظاماً متكاملاً فعالاً للتكافل الاجتماعي، مثل ما عرفته في ظل الإسلام، فلم يكن وليد حاجة من حاجات التطور الاجتماعي بل هو قاعدة أصيلة في بناء الإسلام وأركانه.
ولقد تعددت في الإسلام أبواب التكافل الاجتماعي وتراوحت بين الإلزام والاختيار، ومن ذلك ما يلي:
أ- أداء الزكاة -وهي أحد أركان الإسلام- حق واجب في المال إذا بلغ مقداراً معلوماً، في وقت معلوم بنسبة معلومة. في كل أنواع المال، من الذهب، والفضة، والنقود، والثمار، والأنعام، وعروض التجارة.
ب- الصدقات، وهي عطاء اختياري من الأغنياء للفقراء دون منّة أو طلب مكافأة، إلاّ المكافأة من الله العليم الحكيم فقط.
ج- زكاة الفطر، وهي من الفروض الواجبة قبيل عيد الفطر تعود على المحتاجين ليستغنوا في ذلك اليوم، فيشعروا بنعمة العيد كغيرهم من الناس.
د- نفقة الأقارب، فالنفقة لازمة للقادر على أقاربه، من زوجة، وأبناء، وآباء وإخوة وبقية الأرحام والمحتاج منهم للنفقة.
هـ-أحكام الديّات، حيث يتشارك أقرب العصبة إلى القاتل خطأً في دفع الدية إلى ورثة المقتول. والدية هنا، تمثل ضماناً من المجتمع لورثة المقتول، فلا يضيع دم إنسان هدراً في مجتمع مسلم.
و- الدعم المعنوي، ولم يقتصر التكافل الاجتماعي في الإسلام على الجوانب المادية فحسب، بل يمتد إلى ما يعد تعاوناً شاملاً على البر، فمن التوجيهات الإسلامية، ألاَّ يكتم الإنسان العلم النافـع عمّن يحتاج إلى التعليم، ولا يبخل الإنسان بنصحه على من يحتاج إلى النصح والإرشاد، فالدين النصحية، كما ورد في الحديث. ومن ذلك أيضاً التوجيهات الإسلامية حول نصرة المظلوم ومنع الظالم من ظلمه وإفشاء السلام وتشميت العاطس واتباع الجنائز وإجابة الدعوة إلى الولائم والأفراح........إلخ وهذه كلها من الدعم المعنوي الذي يساعد على بناء المجتمع وتحقيق حقوق الإنسان فيه.