يقول شيخ الإسلام ابن القيم وهو يتحدث عن حاجة الإنسان إلى الصبر:" فإنه بين أمر يجب عليه امتثاله وتنفيذه، ونهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وقدرٍ يجري عليه اتفاقا، ونعمة يجب عليه شكر المنعم عليها، وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه فالصبر لازم له إلى الممات".
إن الصبر خلق من الأخلاق الضرورية لكل إنسان وسمة ينبغي أن تكون لازمة لكل مسلم ، لأن تحقيق العبادة واستقامة السلوك –وبهما النجاة - أمران متربطان به ارتباطا وثيقا ، والصبر أنواع كثيرة ردها بعض العلماء إلى ثلاثة كما هو وارد في كلام ابن القيم؛ صبر على فعل المأمور وصبر على ترك المحظور وصبر على القضاء المقدور، وليست هذه الأنواع منحصرة في معاملة الله تعالى بل هي متعدية إلى معاملة الناس أيضا، إذ من غير الصبر لا يمكن للواحد منا أن يعيش مع الآخر، بل من دونه لا يمكن الحفاظ حتى على النفس صحة وعقلا وبقاء، فإن في الصبر علاج لأمراض شتى وأعراض مختلفة يصاب بها الأفراد والجماعات، فإننا نشكو من حالات الغضب والاستعجال والانتقام وفي مقابلها اليأس والقنوط والبطالة والكسل وغيرها من ردود الفعل السلبية الناجمة عن ألوان الفتن والشهوات والأحزان ومظاهر الفقر والقهر وجور السلطان وأساليب المكر والخيانة والطغيان، وغير ذلك من الأمور التي إن لم نصطدم بها فنحن نراها ويصيبنا من شررها، ولا طاقة لنا بدفعها ولا باجتناب تأثيرها فينا ، إلا إذا تحلينا بالصبر ولازمناه حتى يصير لنا سجية.
ولقد وعت هذه الحقيقة فئة من عباد الله فسألت ربها الصبر وقالت : (ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا ) [البقرة 250] فاستعملت عبارة الإفراغ الدالة على التدفق الموحية بأن كمية الصبر المطلوبة والمحتاج إليها ليس مما يمكن تقديره عدًّا أو كيلاً، وقد أمرنا الله به في موضع فقال: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [آل عمران/200] فدلنا على أن الفلاح مرهون بخصال أربعة الصبر العادي واحد منها إذ لابد من المصابرة وهي مغالبة العدو وكل عائق عند صبره ولابد أيضا من الرباط الذي فيه معنى دوام الصبر، ورابع الخصال التقوى التي لا تقوم إلا على ساق الصبر أيضا. ونحن إذا تيقنا أننا لا نكون عبادا لله كما أمر إلا بالصبر ولا نكون راضين بما قدر لنا إلا به، ثم لا سبيل إلى التعايش مع الناس من دونه ولا طريق إلى القيام بأي وظيفة من الوظائف إلا والصبر حاضر ومطلوب، وجب علينا أن نسعى لتربية أنفسنا عليه وأن نجتهد في تحصيله ، وأن نجعل على طرف ألسنتنا قول الشاعر:
الصبر مفتاح مـا يرجى وكل صعب به يهون
وربما نيل باصطبــار ما قيل هيهات يكون
ولا ننسى واجب التواصي به فإن الله يقول : (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ).