1- اصبر على البلاء وارض بالقضاء
قال صلى الله عليه وسلم :"عَجَبًا
لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ
لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ
خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" (رواه
مسلم) فلا تحزن أخي بعد هذه البشرى من نبيك صلى الله عليه وسلم بأنك في
خير على كل حال، لكن عليك أن تكون مؤمنا حقا شاكرا وصابرا، والمؤمن يصبر
لأنه يعلم أن ما أصابه إنما هو بقضاء الحكيم الرحيم، ولأنه يحسن الظن بربه
ويقرأ قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ
وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا
أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة:155-157) ولا إخالك بعد
هذه البشرى الثانية إلا راضيا بالقضاء حامدا لله الذي لا يُحمد على مكروه
سواه، كما قال عروة بن الزبير لما قطعت رجله:"اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت
واحداً وأبقيت ستة، وكان لي أطراف أربعة فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثة، ولئن
ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت". واحذر عبد الله من الضجر والتسخط
من القدر فإن في ذلك الهلاك كل الهلاك، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ"(رواه الترمذي).
2- أبشر فإن المرض طهور من الذنوب
أبشر أخي المبتلى فإن المرض لا يزال يطهرك من الذنوب بإذن الله تعالى حتى تكون من أهل الجنة، قال صلى الله عليه وسلم :"مَا
مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ
اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا" (رواه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم:"
مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ
وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ" (رواه الترمذي وصححه). حتى أن الأصحاء يغبطون المرضى يوم القيامة، وقال صلى الله عليه وسلم:"يَوَدُّ
أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ
الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا
بِالْمَقَارِيضِ" (رواه الترمذي وحسنه الألباني). ولما فقه بعض السلف كل هذا كان يقول:"لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس".
3- ولعل الله أن يرفع من درجاتك
إن المرض لا يحط السيئات فحسب بل يرفع الدرجات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ"
(رواه الترمذي) فالبلاء إذا أصاب من كان محسنا ورزقه الله تعالى صبرا عليه
كان ذلك علامة المحبة، ومن تأمل سير الأنبياء صلى الله عليه وسلم -وهم من
أحب الخلق إلى الله – وجدهم أشد الناس بلاء وعناء ومرضا قال صلى الله عليه
وسلم: "أَشَدُّ الناس بَلَاءً
الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ
عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ
وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ"
(رواه الترمذي). وربما كان للعبد منزلة في الجنة ولم يبلغها بعمله فيبتليه
الله في جسده ويصبره على البلاء حتى يصل إليها، قال صلى الله عليه وسلم:"إن
الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما
يكره حتى يبلغه إياها" (رواه ابن حبان في صحيحه). لقد تأمل السلف هذه
الأحاديث وأدركوا معانيها فصاروا يعدون البلاء نعمة، والمرض والشدة بشارة.
4-وتيقن أن المؤمن يمرض
مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيٌّ
أَعْجَبَهُ صِحَّتُهُ وَجَلَدُهُ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: له مَتَى أَحْسَسْتَ
أُمَّ مِلْدَمٍ؟ قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ أُمُّ مِلْدَمٍ؟ قَالَ: الْحُمَّى!
قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ الْحُمَّى؟ قَالَ: سَخَنَةٌ تَكُونُ بَيْنَ
الْجِلْدِ وَالْعِظَامِ، قَالَ: مَا بِذَلِكَ لِي عَهْدٌ، قَالَ: فَمَتَى
أَحْسَسْتَ بِالصُّدَاعِ؟ قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ الصُّدَاعُ؟ قَالَ:
ضَرَبَانٌ يَكُونُ فِي الصُّدْغَيْنِ وَالرَّأْسِ، قَالَ: مَا لِي بِذَلِكَ
عَهْدٌ، فَلَمَّا وَلَّى الْأَعْرَابِيُّ قَالَ:« مَنْ سَرَّهُ أَنْ
يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَيْهِ"
(رواه أحمد وصححه الألباني) فالمؤمن يمرض ولا بد لقول النبي صلى الله عليه
وسلم:"مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ" (رواه البخاري)،
ومن لم يرد الله به خيراً لا يصيب منه، حتى يوافي ربه يوم القيامة كما قال
صلى الله عليه وسلم:"مَثَلُ
الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لَا تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ وَلَا
يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ
شَجَرَةِ الْأَرْزِ لَا تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ" (رواه مسلم ) وشجر الأرز نوع من الصنوبر.
5- ازهد في الدنيا تهن عليك مصائبها
استيقن عبد الله أن الدنيا دار بلاء وأنه لا راحة كاملة إلا في الجنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ"، (رواه مسلم) فاعرف حقيقة الدنيا وحقارتها تزهد فيها وعندها تهون عليك مصائبها، وإن الدنيا كما قال ربنا عز وجل: (لَهْوٌ وَلَعِبٌ) و(مَتَاعُ الْغُرُورِ)،
وفي الحديث :"لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ
بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ " (رواه الترمذي)،
وهي مع ذلك لا يدوم لها حال، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا وإن سرت يوما أحزنت
أياما ودهورا، ولا يسلم العبد فيها من سقم يكدر صفو حياته، أو مرض يوهن
قوته، ولذلك كانت وصية نبينا صلى الله عليه وسلم:"كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ" (رواه البخاري).
6- لا تحزن على ما يفوتك من بر وإحسان
فإن من رحمة الله بالمريض أنه لا يحرمه ثواب ما اعتاد فعله من الطاعات وعجز عنه بسبب المرض، قال صلى الله عليه وسلم:"إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا" (رواه البخاري)، فما أكرم ربنا سبحانه وما أوسع فضله، وقال صلى الله عليه وسلم:"مَا
أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ يُصَابُ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ إِلَّا أَمَرَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ فَقَالَ
اكْتُبُوا لِعَبْدِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَا كَانَ يَعْمَلُ مِنْ
خَيْرٍ مَا كَانَ فِي وِثَاقِي" (رواه أحمد وصححه الألباني).
7-إن مع العسر يسرا ولكل داء دواء
قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)
(الشرح:5-6) هذه سنة الله تعالى في خلقه، ما جعل عسرا إلا جعل بعده يسرا،
والأمراض مهما طالت وعظمت لا بد لأيامها أن تنتهي، ولا بد لساعاتها أن
تنجلي، ومن رحمة الله أن جعل لكل مرض مهما بلغ من الشدة والعناء دواء
وشفاء، قال صلى الله عليه وسلم:"مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً"(رواه البخاري)، فلا تقنط وانتظر الفرج واطلب أسبابه وتعلق بالله وحده، ولا تعجل.
8- وإذا مرضت فهو يشفين
إن من أعظم أسباب الشفاء حسن التوكل على الله وصدق الالتجاء إليه، قال إبراهيم عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)
(الشعراء:80) والله هو الشافي فلا شافي إلا هو، ولا رافع للبلوى إلا هو،
وما الطبيب والدواء إلا أسباب قد يسر الله تعالى بها الشفاء، فاجعل توكلك
على الله وتعلقك به لتظفر بالصحة والعافية في الدنيا، والسلامة والفوز في
الآخرة.
واحرص عبد الله على رقية نفسك بالقرآن، وادع الله تعالى بقلب خاشع ذليل
موقن بإجابة دعاءك، ووضع في حسبانك أن الله سبحانه ابتلاك بهذا المرض ليسمع
صوتك وأنت تدعوه، ويرى تضرعك وأنت ترجوه، فارفع يديك وأظهر فقرك وعجزك،
واعترف بضعفك، تفز برضى ربك وتفريج كربك.
9- احذر مصائد الشيطان
أيها المريض احذر مصائد الشيطان فإنه لا يفتأ يتربص بك ليغويك، وإنه
ليستغل أحوال ضعف الإنسان ومرضه ليضله عن سبيل الله تعالى، فاحذر من الوقوع
في إساءة الظن بالله تعالى وفي السخط وعدم الرضا بالقضاء، ومن التلفظ بما
يهدم الإيمان من نسبة الظلم إلى الله تعالى، واحذر من استبطاء الشفاء ومن
إطلاق اللسان في الشكوى إلى الناس، واحذر-وأنت مقعد- من إضاعة الأوقات في
أنواع من الملهيات التي قد تكون من المحرمات كاستماع الغناء ونحوه بدلا من
الاشتغال بالدعاء والاستغفار وقراءة القرآن، واحذر من التهاون في ستر
العورة خاصة النساء اللاتي ابتلين بالبقاء في المشفيات، واحذر من التداوي
بالمحرمات، ومن الوقوع في الشرك الذي لا يغفره الله تعالى، بالاستغاثة بغير
الله تعالى من الجن أو الأولياء أو الأحجار، وبالذهاب إلى السحرة والكهنة
والمشعوذين.
10-اعترف بقدرة الله وضعفك
فإن من حكمة وجود الأمراض أن يعرف العبد ضعفه وحاجته إلى ربه وفقره إليه
وأن يتأمل عظيم قدرة الله وعجائب خلقه، ومن شأن ذلك أن يطهر العبد من الكبر
والعجب والفخر، فلو دامت للعبد جميع أحواله لبغى وطغى، ولكن الله يسلط
عليه الأمراض وأنواع البلاء تهذيبا لنفسه وتزكية لها.
11-إن الله ذكَّرك فاذكره وأقالك فاشكره
عاد الحسن البصري مريضا فوجده قد شفي فقال له:"إن الله قد ذكَّرك فاذكره، وقد أقالك فاشكره".
فنبه إلى فائدة عظيمة من فوائد المرض وهو تخويف العبد وتذكيره بتفريطه في
حق ربه عز وجل ليرجع إليه، وليوحده ويدعوه طلبا للشفاء، وإذا عوفي فعليه أن
لا ينسى ربه فيشكره على نعمة العافية، ولا يصح الشكر الكامل لله تعالى إلا
بالرجوع إلى الله تعالى والذل له والخضوع لشرعه، وإن المؤمن إذا أصابه مرض
كان كفارة لما مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل، على أن التوبة والرجوع
إلى الله تعالى واجبة علينا في كل حين قبل المرض وأثناءه وبعده، بل قد
تكون التوبة سببا في رفع البلاء والشدة، كما قال علي رضي الله عنه:"ما نزل
بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة"، فسارع إلى التوبة فإن لم يكتب لك الله
من مرضك شفاء، فعلى الأقل اغنم توبة صادقة تنعم بها بقية عمرك.
12-اعرف نعم الله عليك
لقد نبهك المرض إلى نعمة ربما غفلت عن شكرها وربما استعملتها في الحرام
فابتليت فيها، فحاسب نفسك واسألها عن غير نعمة الصحة من النعم هل عرفتها؟
وهل شكرتها؟ وما أكثر نعم الله تعالى عليك أيها العبد ، قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) (إبراهيم:34) تأملها في نفسك ومن حولك وتذكر قوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر:8).
وليعلم العبد المريض أنه منعم عليه، كيف لا وهو يرى بعض جسده مصابا وأكثره
سليما والحمد لله، كيف لا وهو يجد من هو أشد مرضاً فيحمد الله، قال صلى
الله عليه وسلم: "انْظُرُوا إِلَى
مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ
فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ" (رواه مسلم)
وتأمل عظيم بلاء أيوب فقد فَقَدَ ماله وأهله ومرض جسده حتى ما بقي إلا
لسانه وقلبه، ومع عظيم هذا البلاء إلا أنه كان يمسي ويصبح وهو يحمد الله،
ولم يشتك ألمه وسقمه لأحد ، حتى نادى ربه بكلمات صادقة (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأنبياء:83) فكشف الله ضره وأثنى عليه، فقال: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص:44)، نسأل الله تعالى أن يعافي مرضى المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الكاتب محمد حاج عيسى الجزائري