تلقى فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي استفساراً يقول :
هل يجوز إعطاء الملاحدة الجاحدين بالله ورسالاته كالشيوعيين نصيبًا من الزكاة إذا كانوا فقراء، باعتبار ذلك نوعًا من البر بالإنسان بوصفه إنسانًا، بغض النظر عن موقفه من الدين، أم أن إعطاءه فيه تشجيع له على انحرافه وكفره ؟ وإذا لم يجز إعطاء الشيوعي أو الملحد الكافر، فهل يجوز أن يصرف من الزكاة على الفساق الذين يضيعون الصلوات، و يتبعون الشهوات، ويقترفون بعض المحرمات، مثل الزنى أو شرب المسكرات ونحوها، وإن كانوا في ظاهرهم مسلمين ؟ أم أن إعطاءهم من زكاة المسلمين يعد إعانة على معصية الله تعالى ؟. أفتونا مأجورين
- وقد أجاب فضيلته على السائل بقوله: الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:
الكافر الملحد الجاحد بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر مثل الشيوعي المصرّ على شيوعيته، المعتنق لمبادئ الماركسية المادية، التي تنكر كل ما وراء المادة، ولا تؤمن بشيء من الغيبيات، مثل الألوهية والوحي والرسالات، فهي تنفيها جميعًا . بل تزعم أن الدين أفيون الشعوب، وتفسر ظهور النبوات - ومنها نبوة محمد صلى الله عليه وسلم - تفسيرًا ماديًا صرفًا، مثل هذا لا يجوز إعطاؤه من الزكاة بحال ؛ لأنه في نظر الشريعة الإسلامية مرتد لا يجوز موالاته أو نصرته أو مساعدته بمال، وهو بحكم موقفه العقائدي عدو لفكرة الإسلام ولكل داع إليه، ولكل حاكم به . فلا يتصور أن يعطي من مال المسلمين، ليتحول في يديه خنجرًا لطعن المسلمين. (إذا كان لهذا الشيوعي أولاد صغار، أو زوجة لا توافقه على عقيدته فإنهم يعطون من الزكاة ولا حرج). ومثل هذا كل كافر محارب للإسلام، معاد لأمة الإسلام، فلا يجوز أن يعطي شيئًا من الزكاة ولا من غيرها، حتى لا يتقوى بذلك على أهل الإسلام . وهذا مقرر بالإجماع، كما نقله صاحب " البحر الزخار " . وسند هذا الإجماع قوله تعالى: (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم و ظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون). (الممتحنة: 9). وهذا بخلاف أهل الذمة من غير المسلمين الذين يعيشون في كنف المسلمين، فقد أجاز بعض الفقهاء إعطاء فقرائهم من الزكاة، وأجاز آخرون إعطاءهم على سبيل التأليف لقلوبهم، ومنع ذلك الجمهور، لأنها لا تؤخذ منهم فلا ترد عليهم، وقالوا: يعطون من موارد الدولة الأخرى غير الزكاة، ومن الصدقات التطوعية لدى الأفراد بناء على أننا لم نُنْهَ عن برّهم والإحسان إليهم واستنادًا إلى قوله تعالى: (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم). أما الفاسق فأجازوا إعطاءه من الزكاة ما دام باقيًا على أصل الإسلام، استصلاحًا لحاله، واحترامًا لآدميته، ولأنها تؤخذ منه فيجوز أن ترد عليه، فيدخل في عموم الحديث " تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم " (انظر البحر الزخار ج 2ص 186) وهذا ما لم يأخذ هذه الزكاة للاستعانة بها على فسقه ومعصيته . كأن يشتري بها خمرًا، أو يقضي بها وطرًا محرمًا، لأنه لا يعان بمال الله على معصية الله . ويكفي في ذلك غلبة الظن .
هذا والله أعلم.