الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فهذه كلمات منيرة نسوقها
إلى الأخت المسلمة الجوهرة المصونة والدرة المكنونة، ونصائح غالية ممن يريد
لها الخير في الدنيا والنجاة في الآخرة، ويأمل أن تحيى حياة كريمة أبية،
ويغار عليها أن تنال منها الذئاب البشرية والكلاب الإنسية والوحوش الهمجية،
أملاها عليه حق الأخوة الدينية وواجب النصيحة.
نظرة المجتمع الغربي للمرأة
على الأخت المسلمة المؤمنة أن تعتز بدينها وأن لا تغتر بما يقال عنه، وأن
تتيقن أنه لا يوجد دين كرم المرأة كما كرمها الإسلام، ولا يوجد مذهب رفع من
قدرها كما رفعه شرع الله تعالى، ففي الجاهلية القديمة جاهلية العرب
والرومان وغيرهم كانت المرأة سلعة تباع وتشترى بسوق النخاسة، وفي الجاهلية
الجديدة جاهلية أروربا وأمريكا صارت المرأة مرة أخرى سلعة تباع وتشترى، لكن
بأسلوب جديد وطرق جديدة.
إن الأوروبيين الذين اختلفوا قبل قرنيين من الزمن في المرأة هل هي إنسان
أم شيطان؟ وهل لها روح أم لا؟ وإن كانت لها روح فهل هي كروح الرجل أم كروح
الحيوانات المسخرة للإنسان؟ ما زالوا يعتقدون الاعتقاد نفسه ويعاملون
المرأة من المنطلق الجاهلي بعينه، لكنهم ينافقون ويخادعون.
فهم يدعونها إلى التبرج والتعري ليستمتعوا بجسدها بلا مقابل، ويدعونها
إلى الزنا باسم الحرية ليقضوا رغباتهم الحيوانية، وجعلوها مادة تروَّج بها
السلع والبضائع الكاسدة، اختلفت الدعاوى والشعارات، والحقيقة واحدة وهي
إهانة المرأة وجعلها سلعة تراد للمتعة.
مظاهر تكريم الإسلام للمرأة
1-جعلها
كالرجل في التكاليف الشرعية ، فقد قال الرسول صلى الله عليه و سلم : »النساء شقائق الرجال «
رواه الترمذي وأبو داود، فهي مكلفة بالعبادة، وغاية خلقها ووجودها العبادة
لا خدمة الرجل كما يقوله الجاهليون قديما وحديثا، وهي بلا شك مؤهلة لدخول
الجنة إن كانت مسلمة مطيعة لله تعالى مستقيمة على شريعته ملتزمة بأحكامه.
2-حفظها الإسلام فأمر الرجال بصونها والدفاع عنها، ذلك أن المرأة ببنيتها وفطرتها ضعيفة تحتاج إلى الحماية .
3-كرمها
الإسلام وحملها مسؤولية التربية في بيت زوجها . قال النبي صلى الله عليه و سلم :» كُلُّكُمْ
رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ« ثم قال:»وَالْمَرْأَةُ
رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا « متفق
عليه. إن للمرأة في الإسلام رسالة حضارية عظيمة ، تربي الأبناء على
العقيدة والفضيلة وعلى الصدق والأمانة تغذيهم بغذاء الروح قبل غذاء البدن،
فهي حاضنة الأجيال ومخرجة الأبطال.
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
4-كرمها
بنتا فرغب في تربية البنات والإحسان إليهن، فقد قال رَسُولَ اللَّهِ e :»
مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ « رواه مسلم.
5-وكرمها
أمًّا فقدم برها على برِّ الوالد ، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟
قَالَ: أُمُّكَ، قَال:َ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَال:َ ثُمَّ
مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ من؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ متفق
عليه.
6-كرمها زوجة وأوجب على الزوج أن ينفق عليها وأن يسكنها وأن يحميها وأن يغار عليها .
7-كرمها فأوجب على الرجل أن يعلِّمها ويؤدبها ، ولم يوجب عليها هي ذلك، فقد جعل (من هذه الناحية) الرجل خادما لها ساعيا في مصالحها.
8-كرمها
فأمرها بالحجاب حتى تحترم، قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ
مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا
يُؤْذَيْنَ[(الأحزاب 59).
حقيقة الحجاب
إن المرأة المسلمة تتحجب وتعتز بحجابها لأنها تعلم أنه أمر من الله تعالى ،
والله تعالى لا يأمرها إلا بما فيه الخير لها ولمجتمعها فهو العليم الخبير
الحكيم ، فالحجاب طاعة لله ورسوله ، والحجاب كذلك عفة وطهارة ، والحجاب
ستر وتقوى، والحجاب إيمان وحياء وغَيرة.
احذري كيد الأعداء
إن في مخططات اليهود والنصارى التركيز على إفساد المرأة المسلمة، بإخراجها
من بيتها وحثها على الاختلاط بالرجال، إنهم يحسنون فن الهدم، إنهم يقولون :
إن ضرب المرأة هو ضرب للبيت والأسرة، وضرب للأجيال القادمة بأسرها.
ولهم في ذلك أساليب ماكرة وخادعة منها:
1-تصوير
أوروبا على أنها جنة وعلى أنها أرض الحريات، والذي يتتبع إحصاءات الجرائم
عندهم لا ينقطع عجبه، إنهم يتحدثون عن ضرب الرجل المسلم لزوجته بحق أو
بباطل، ونحن نقابلهم بإحصاءات الضرب وإحصائيات القتل للأزواج، وإحصاءات
التحرش والاغتصاب، وبإحصاءات من يبيع بناته إذا افتقر، ومن يتاجر بهن في
سوق الفسق والفجور .
2-لتأكيد هذا يستعملون طرقا كثيرة للإغراء كالأفلام وكتب الموضة ونحوها، فيغتر كثير من الضعفاء بما يرونه ويصدقون وما يشاهدون.
3-تصوير
المرأة المسلمة على أنها مظلومة ومهضومة الحقوق، لأنها عند المسلمين
ممنوعة من بعض الأعمال المنافية لفطرتها والمنسجمة مع ضعفها ، فيقولون حيث
يكون الرجل تكون المرأة، يريدون منا إذا حاربناهم أن نجعل نساءنا في الصفوف
الأولى ، ويريدون منها أن تترك تربية الأجيال لتعمل حارسة في الليل ولتعمل
في المناجم والبناء وحفر الآبار والأنفاق وشق الطرقات!!
4-إنهم
يدعونها لتطالب بالمساواة مع الرجل ، والله تعالى يقول: ] وليس الذكر
كالأنثى [ ، ولأن الأصل في خلق البشر هو الرجل وهو آدم عليه السلام ومنه
خلقت حواء فلا يمكن أن تساويه. فليس في دين الإسلام مساواة بينهما، قال
تعالى :] وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى
بَعْضٍ[ (النساء:32) ولكن ثمة العدل الذي يقتضي إعطاء كل فرد ما يحتاجه
وتكليفه بما يناسبه.
5-إنهم
يدعونها إلى الحرية زعموا، ونحن جميعا صفتنا أننا عبيد لله تعالى رجالا
ونساء، نعم إنهم يريدون أن يحرروا الناس من العبودية لله تعالى وأن يحرروه
من الأخلاق، ويوقعوه في عبودية الهوى والشيطان، وليكون أشبه بالحيوان.
إنهم ليسوا قدوة لنا
أيتها الأخت المسلمة إن في ديننا مفاهيم وأخلاقا لا يستطيع الغربيون أن
يفهموها ، ولا يسمح لهم مستواهم الفكري الهابط والخلقي المنحط أن يعقلوها
ويعملوا بها .
ومن هذه المفاهيم مفهوم الحياء الذي هو شعبة من شعب الإيمان عندنا، وهو
الحصن الذي يحجب المسلمين عن القبائح والرذائل ويدعوهم إلى التحلي بالمحاسن
والفضائل. ومنها مفهوم الغيرة على العرض وعلى الأهل، الذي هو عنوان العزة
والشرف، فهم في هذا الباب كالحيوانات بل كالحمير والخنازير، لأن بعض
الحيوانات أهدى منهم كالإبل أو القردة التي من أبرز صفاتها الحياء والغيرة
على العرض والشرف.
هؤلاء هن القدوة
أختاه تفقهي في دينك واقرئي سير سلفك من المسلمات فإنهن هن القدوة، أتت
امرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت: إني أُصرع وإني أتكشف، فادع الله لي ، فقال
النبي صلى الله عليه و سلم: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك، قالت:
أصبر، ولكن ادع الله لي ألا أتكشف فدعا لها (متفق عليه). فانظري كيف هان
عليها المرض والصرع، ولم يهن عليها أن يبدو شيء من بدنها رضي الله عنها حتى
وهي معذورة. وكانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول: كنت أدخل بيتي
الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي، فأضع ثيابي وأقول إنما هو زوجي وأبي، فلما
دفن معهما عمر بن الخطاب فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من
عمر (رواه أحمد) وانظري كيف أنها لم تكتف بالحياء من الأحياء حتى استحيت
من الأموات.
هكذا كوني أو لا تكوني
أختاه يا بنت الإسلام ارجعي إلى القرآن كتاب ربك ، وتمسكي به فإن فيه
هدايتك وسبيل سعادتك ونجاتك ، وكوني كسلفك في الأمس القريب التي صمدت أمام
خطط المستعمر الفرنسي الذي أراد فصلها عن دينها وعن قرآنها، وأراد إذهاب
عفتها وحيائها فلم ينجح ، ونذكرك بهذه القصة الواقعية النموذجية الدالة
على أن بنت الإسلام ليس من السهولة أن تتنازل عن دينها وشرع نبيها ، حيث
قامت السلطة الفرنسية عام 1947 بانتقاء عشر فتيات جزائريات مسلمات فأدخلتهن
مدرسة فرنسية، وألبستهن اللباس الفرنسي ولقنتهن الثقافة الفرنسية ،
فأصبحن فيما يبدو للناس كالفرنسيات تماما ، وبعد أحد عشر عاما من الجهود
هيأت لهن حفلة رائعة دعي إليها ممثلو الإدارة الفرنسية ومفكرون وصحفيون ،
وما كادت الحفلة تنطلق حتى فوجئ الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن
الإسلامي، فثارت ثورة الصحف الفرنسية وتساءلت ماذا فعلت فرنسا في الجزائر
بعد مرور مائة وثمان وعشرين عاما !؟ فأجاب لاكوست وزير المستعمرات الفرنسية
آنذاك :» وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا «.
فهذا ما ينبغي أن تكون عليه المسلمة في هذه الأيام، أن تكون ثابتة معتزة
بدينها ولباسها وقرآنها، متحدية وسائل الإلحاد الإعلامية كما تحدت بالأمس
وسائله العسكرية.
أختاه لا تنخدعي.. فالدنيا زائلة
يا بنت الإسلام ويا فتاة التوحيد تذكري أن هذه الدنيا زائلة، وقد ولت
مدبرة، وأن الآخرة آتية وقد ترحلت مقبلة، فكوني من أبناء الآخرة ولا تكوني
من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل، قال تعالى :
]وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ[ (الصافات:24) وقال : ]وَاتَّقُوا
يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا
كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ[ (البقرة:281) فراجعي نفسك وحاسبيها قبل
فوات الأوان، قبل أن يأتي الموت فإنه لا يعرف الاستئذان، قال تعالى:]
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي
أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ
قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[
(المؤمنون:99-100)
لقد حان الوقت أيتها الأخت المسلمة أن تستيقظي من غفلتك، وأن يلين قلبك
وتخشع لله جوارك وأن تدمع من خشيته عينك وأن ينجلي عن عقلك خداع الدنيا
وزخرفها ، قال تعالى :] أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ[ (الحديد:16).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الكاتب أبو عبد الله محمد حاج عيسى الجزائري