تجربة التأميم في الجمهورية العربية السورية
بعد حصول سورية على استقلالها السياسي، كانت السلطة في سورية تمثل مصالح البرجوازية الكبيرة والمتوسطة، وكانت مرتبطة بشكل وثيق مع مصالح الملاكين الإقطاعيين، ورؤوس الأموال الأجنبية. ونتيجة تفاعل التناقضات الطبقية، وبروز القوى الوطنية التقدمية، ومطالبتها الدائمة بإجراء تحولات ديمقراطية في البلاد وبضرورة أن تمارس الدولة تأثيراً في النشاط الاقتصادي، الذي تعيقه الشركات والمؤسسات الأجنبية من جهة، والبرجوازية السورية من جهة ثانية. ومع وصول البرجوازية الوطنية إلى السلطة، واصطدامها بالمواقع الرأسمالية الأجنبية، وتصاعد دور القوى الوطنية، ومطالبتها بتحسين الأوضاع الاقتصادية، ظهرت ضرورة قيام قطاع حكومي، اعتمد أساساً على التأميم الذي كان جزئياً، واستهدف الممتلكات الأجنبية في كانون الثاني 1951، إذ تم تأميم شركات الحافلات الكهربائية والكهرباء في دمشق وحلب وحمص وحماة ودير الزور والقامشلي، والتزمت الحكومة دفع التعويضات للشركات الفرنسية المالكة السابقة.
ثم استمرت البرجوازية الوطنية في خطتها الرامية إلى إخضاع أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد لسلطتها، فقامت عام 1955 بتأميم الخطوط الحديدية، ومصرف (سورية ولبنان). وفي عام 1959 تحولت جميع المصارف إلى شركات مساهمة، وفرضت الحكومة دفع عائدات أكبر على مرور النفط في الأراضي السورية، وفي هذه المدة كان الصراع السياسي كبيراً في سورية، وظهرت قوى سياسية تؤمن بالأفكار الاشتراكية والقومية العربية، وطرحت شعارات أقرب إلى مصالح الجماهير الكادحة. وشكلت تحالفاً ديمقراطياً مضاداً للبرجوازية، وآمنت هذه القوى، بضرورة تطوير القطاع الحكومي على حساب رأس المال الخاص، واستطاعت هذه القوى أن تقود إلى إصدار المراسيم 117 و118 و119 لعام 1961 القاضية بتأميم جميع المصارف وشركات التأمين ونقل ملكيتها إلى الدولة بصورة كاملة، وتحولت أسهمها إلى سندات اسمية على الخزينة لمدة 15 عاماً بفائدة 4%، وعدت قيمة كل سند بحسب سعر السهم في سوق الأوراق المالية قبل يوم واحد من صدور المرسوم.
كما جرى تأميم 12 شركة سورية مساهمة تسهم الدولة بـ 50% من رأس مالها. ثم تأميم 77 شركة يزيد مجموع رؤوس أموالها على 170 مليون ليرة سورية بوجه جزئي وأهم الشركات المؤممة كانت في قطاع النسيج والصناعات الغذائية والمطاحن وصناعة البناء. لقد مست هذه المراسيم وهذه التأميمات مصالح البرجوازية السورية المستثمرة في الصناعة مباشرة، فردت البرجوازية المتضررة مدعومة من القوى الرجعية الحليفة والدوائر الاستعمارية بانقلاب سياسي أدى إلى انفصال سورية عن مصر في 28 أيلول 1961، وبعد الانفصال استطاعت البرجوازية السورية، العودة إلى السلطة، وحاولت إلغاء التأميم في ظروف سياسية ملتهبة لم تستقر إلا بعد انتصار ثورة الثامن من آذار وتسلم حزب البعث العربي الاشتراكي مقاليد السلطة، وهو الحزب الجماهيري الذي يؤمن بالاشتراكية طريقاً للتنمية، فسارع في عام 1965 لإصدار مراسيم تأميم كلية وجزئية شملت 179 مؤسسة يزيد رأس مالها على 300 مليون ليرة، وشملت مصانع للإسمنت والزجاج والكبريت والسكر والنسيج والمعلبات والسجاد والجلود والمحطات الكهربائية ومحالج القطن.
يعود السبب في التأميم الجزئي إلى رغبة السلطة في دفع البرجوازية الصغيرة والمتوسطة إلى التعاون مع الدولة، لتستفيد من خبراتها الفنية والإدارية. وتحولت بموجب هذه المراسيم، أسهم جميع الشركات المؤممة إلى سندات على الدولة، تستوفى في مدى 15 عاماً بفائدة قدرها 3% سنوياً، وحدد سعر السهم على أساس قيمته الاسمية. كما صدر في 22 كانون الأول عام 1964 المرسوم رقم 133 القاضي بتأميم النفط والشركات العاملة في تصنيعه وتوزيعه (سوكوني فاكوم) و(شل) و(إسو). وفي عام 1965 تم تأميم الشركات العاملة بالتجارة الخارجية للمواد المهمة مثل الأدوية والسكر والشاي والبن وعددها (46) شركة، وأعطيت مهماتها لشركة الاستيراد والتصدير الحكومية (سيمكس). وتمت لاحقاً إعادة تنظيم الشركات المؤممة في مؤسسات واتحادات نوعية، فألغيت تسمياتها السابقة واستبدلت بها تسميات جديدة، لتنزع من أذهان الناس طبيعتها الخاصة وتؤكد تحولها إلى ملكية جماعية لعموم أفراد الشعب.