في أجواء مفعمة بالفرحة تشبه إلى حدّ كبير الأجواء الرمضانية, يقضى سكان مدينة نابلس بالضفة الغربية شهر شعبان الجاري، في ممارسة عادة "الشعبونية" التي يولم فيها ربّ العائلة لقريباته في عادة سنوية لا يمكن تجاوزها في مدينة تمتاز بتقاليدها.
وبالتأكيد يرتبط اسم الشعبونية بشعبان, لذلك لا يمكن أن تمارس فيه هذه العادة في شهر آخر, حيث يدعو الرجل بناته وأخواته وعماته إلى منزله لقضاء يوم من هذا الشهر تتخلله طقوس مختلفة، فعندما يحل شهر شعبان في نابلس, تشهد المدينة اضراباً وجيزاً حيث تمضي عائلاتها لممارسة طقوس "الشعبونية" التي يحافظ النابلسيون عليها بقوة.
وتبدأ هذه المناسبة من الأسبوع الأول من الشهر وتستمر حتى نهايته، حيث يحل شهر رمضان، الذي تتخلله طقوس خاصة أيضاً.
وفيما يمارس العالم الإسلامي طقوس رمضان صياماً وتقاليداً دون خصوصية واضحة لشعب عن آخر, يمتاز النابلسيون بممارسة طقوس شعبان دون غيرهم.
في قاعة صغيرة في أحد الدور في مدينة نابلس, تكتظ بضيوف جلّهم من النساء والأطفال, ينكب الجميع على تناول طعام الغداء, وسط فرحة واضحة بممارسة عادة الشعبونية.
ويبدو "شعبان" في عيون سكان المدينة شهراً للفرح، ويذهب بعضهم إلى وصفه بـ "الحلو", إذ غالباً ما تجتمع العائلة في دار واحدة.
وقالت إحدى النساء النابلسيات إنها تقضي الشعبونية في منزل والدها كل عام, ولا تتذكر سنة لم تقضِ شعبان في منزل والدها منذ تزوجت قبل خمسة عشر عاماً.
ويسبق شعبان، شهرَ رمضان الذي تتخلله طقوس خاصة في مختلف أنحاء العالم، وكثيراً ما تتشابه طقوس الشعبونية بالطقوس الرمضانية من حيث اجتماع الأقارب وتناول أصناف مختلفة من الطعام.
وبالنسبة للمواطنة خولة الخليلي فإن رمضان, شهر الصيام عند المسلمين, مميز وله تفاصيله الخاصة, لكن شهر شعبان الذي يسبقه "حلو" أيضاً، كما وصفته قبيل أن تمضي إلى دعوة الشعبونية في منزل أصغر أشقائها، وهي بذلك تشير إلى اجتماع الأخوات في منزل الأب أو الأخ لقضاء يوم يتخلله تناول أصناف مختلف من الحلويات، خاصة الكنافة والكلاج.
والمواطنة الخليلي، تترقب بفارغ الصبر قدوم شعبان من كل عام لقضاء الشعبونية في منزل أحد أشقائها، ومثلها الكثير من السيدات.
وقالت: "شعبان وقت مناسب لاقتراب النساء من عائلاتهن بعيداً عن الروتين اليومي والزيارات العادية بدون مناسبات".
في واقع الحال، يعتبر شعبان مثل رمضان والأعياد الدينية، فرصة مواتية لصلة الأرحام، كما يقول العديد من الرجال هنا في نابلس.
وثمة الكثير من النساء في نابلس تنتظر شعبان لتقيس مدى اهتمام عائلتها بها، خاصة إذا كانت متزوجة من رجل يسكن في منطقة بعيدة نسبياً عن المنطقة التي تسكن فيها عائلتها.
وتروي الخليلي عن والدتها المتوفاة قولها كيف كان الجميع يجتمع في منزل الوالد حتى كان يصل العدد إلى عشرين امرأة من القريبات، لقضاء يوم شعباني مميز.
ويعد شهر شعبان واحداً من المناسبات التي يستغلها رجال مدينة نابلس لدعوة أرحامهم لقضاء الشعبونية التي تبدأ من أول الشهر حتى نهايته في بيت العائلة.
وتتقاطع طقوس الشعبوينة عند جميع العائلات النابلسية في كثير من الأمور مع أنها تختلف في بعض التفاصيل الصغيرة.
تبدأ الشعبونية بالفطور وغالباً ما يكون عبارة عن "حلاوة زلابية", لكن الغداء لا بد أن يتخلله تناول الوجبات الدسمة التي تتضمن لحوماً تطهى بشكل مختلف من بيت لآخر.
فيما قالت الخليلي أنها لا بد وأن تتناول في بيت أخيها، اللحوم والأرز والطبيخ النابلسي.
قال أحد الرجال، فضل عدم ذكر اسمة، إنه سيدعو بناته على غداء مكون من طبيخ العكوب و"الأوزي"، وهما وجبتان تقليديتان في المدينة.
وبعد الغداء يقدم النابلسيون الحلويات ومن بينها "المدلوقة"، وبعدها تحضر المكسرات ودخان النرجيلة.
وغالباً ما تحضر المدعوات لقضاء الشعبونية قبل هذه المناسبة بيوم واحد, ومن ضرورات هذا التقليد المحلي تناول القهوة السادة بعد الغداء، يتبعها أحيانا الرقص والغناء.
وفي المساء تعود كل مدعوة إلى منزلها وبعضهن تبقى لتقضي ليلتها في منزل الدعوة.
وقال بلال ناصر"لا يجوز لأب أو أخ ألا يدعو إحدى بناته أو أخواته".
ومثل شهر رمضان الذي تتخلله حركة اقتصادية نشطة في الأسواق، فإن شهر شعبان أيضاً، عامل من عوامل نشاط السوق خاصة سوق الحلويات.
وقال ناصر إن تناول الحلويات، إحدى علامات الشعبونية الرئيسة, ولا بدّ وأن تحتوي الموائد على أحد أصناف الحلويات، خاصة الكنافة النابلسية الشهيرة.