عادلة خاتون البغدادية
تحتفظ الذاكرة البغدادية باسماء نساء متميزات،كان لهن دور معروف في مجرى الحياة السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة، قبل حوالي (400) سنة، يوم كانت بغداد،والعراق تقعان تحت السيطرة العثمانية .. ولعل اسم (عادلة خاتون) يعد من تلك الاسماء النسوية اللامعة، التي كان لها شهرة واسعة امتدت من القرن السابع عشر الميلادي، واستمرت حتى يومنا الحاضر، اذ مازال اسم هذه (الخاتون) البغدادية التركية يتردد في حياة بغداد اليومية، فهذا جامع عادلة خاتون الصغيرة في شارع النهر مازال قائماً وذاك جامعها الكبير في العيواضية قرب جسر الصرافية غدا معلماً تراثياً يشار اليه في خطط بغداد (وعماراتها) وبالمقابل فأن عشرات الاملاك العقارية التي من بينها (الخانات) (والمدارس) و(البيوت،والسبيل خانة والمحلات التجارية تحمل اسم (وقف عادلة خاتون) خاصة تلك الواقعة منها في قلب منطقة بغداد / الرصافة القديمة.. اذا .. من هي هذه المرأة البغدادية الثرية، والمحسنة ومن تكون .. ؟ خاصة اذا ماعرفنا انها عاشت في فترة حكم (المماليك) في العراق، فهي بنت والي بغداد وجدها والي بغداد، وزوجها والي بغداد ايضاً..!! اذ تشير معظم المصادر التاريخية التي ارخت لفترة حكم المماليك في العراق، الى ان والي بغداد حسن باشا بن مصطفى بيك كان (سباهياً) في جيش السلطان مراد الرابع، الذي فتح بغداد وطرد الفرس منها، نعم كان حسن باشا هذا واليا على بغداد سنة (1704) م، وبعد وفاته سنة (1723) تولى امر الولاية بعده ولده (احمد باشا) وهذا هو والد (عادلة خاتون) ذات الصيت العالي،والغنى الفاحش والاملاك الواسعة .. ففي احد ايام الجمع من حكم والدها أحمد باشا كانت (عادلة) الشابة ترافق والدها الوالي في جولة في ساحة (الميدان) ببغداد حيث يوجد فيها سوق لبيع (الرقيق) يكون مكتظاً بالزبائن كل يوم جمعة، وفيما كانت تتجول في هذا السوق بانت منها التفاتة الى (فتى) وسيم بهي الطلعة، كان معروضاً للبيع، عندها وقع نظرها عليه وقررت ان تشتريه وفعلا اشترته ليصبح مملوكاً لها وهكذا اخذته لتضمه إلى بيت اسرة والدها والي بغداد ليتربى ويختلط مع ابناء الاسرة الحاكمة وليتدرب على فنون الفروسية واتكيت حياة القصور حتى قوي ساعده عندها قرررت (الخاتون) عتق هذا المملوك من الرق والعبودية بل صيرته كاتماً لاسرار والدها أحمد باشا والي بغداد .. وتشير المصادر الى ان أحمد باشا كان في زيارة لاثار (عكركوف) الواقعة غربي بغداد الواقعة بين اشجار النخيل والغابات الكثيفة حيث هجم على موكب الوالي(اسد) هائج، فما كان من هذا الشاب (سليمان) المملوك سابقاً ذوي العضلات المفتولة الا ان يباغت ذلك الاسد الكاسر ويهجم عليه بل يتمكن منه بأعجوبة لافته للنظر حيث قضى على ذلك الاسدفي مكانه .. بل لم يكتف بهذا بل جلب الاسد القتيل (مجندلا) على حصانه حتى وصل به الى بيت الوالي وسط دهشة وتعجب الناس بهذه البطولة الخارقة التي قام بها هذا الفتى وعندما تيقن أحمد باشا تماماً من بطولة فتاه واعجابه به .. تقدمت (عادلة خاتون) لابيها الوالي وقالت له : هذا زوجي ياأبي .. واشارت بأصبعها الى الفتى سليمان ..! ولم يكن أمام الوالي سوى الاذعان لرغبة ابنته والموافقة فوراً وفعلاً فقد تزوج (سليمان) من عادلة وهي في الرابعة والثلاثين،بالرغم من اعتراض واستنكار قائد الفيلق العسكري التركي الرابع، لهذه الخطورة وزواج هذا الفتى المملوك بالامس من ابنة والي بغداد .. ! وبالرغم من اعتراض واستنكار هذا القائد على تلك الزيجة .. نجد ان عادلة خاتون قد كظمت غضبها وقررت ان تنتقم من هذا المعترض شر انتقام فما كان منها الاان دست له السم من خلال أقامتها مأدبة عشاء كبرى على شرفه حيث وضعت قطرة (سم) في صحف طعام القائد المعترض على زواجها غير المتكافئ.. وبهذه الطريقة تخلصت عادلة خاتون من غريمها ..!! وتدور الايام .. وبعد وفاة والدها أحمد باشا ليصبح زوجها (سليمان بيك) والياً جديداً لبغداد خلفاً لعمه حدث هذا في عام 1749 ومع تولي سليمان بيك الولاية دخل العراق عصر حكم المماليك الذي استمر قرابة قرن حيث انتهى في سنة 1833 حيث كان (داود باشا) آخر ولاة المماليك في بغداد، في زمنه شيد جامع (الحيدر خانة) الشهير في شارع الرشيد .. وقد اجمعت معظم كتب التاريخ التي ارخت لفترة حكم المماليك في العراق على ان سليمان بيك هذا كان واليا قويا وذا ارادة لاتلين،فقد كان يسهر لضمان امن رعيته،حيث يخرج ليلا بمعية عدد من رجاله ومرافقيه،متصديا للسراق وقطاع الطرق،و(الاشقيائية) الذين كان لهم سطوة كبيرة على مجتمع بغداد،وجراء جولاته الليلية تلك،فقد اطلق عليه اهل بغداد تسمية (سليمان ابو الليله) لخروجه الدائم في الليل لردع العتاة والمجرمين،حيث ساد الامن والهدوء في عصره،حيث استمر الحال كذلك في بغداد حتى وفاة هذا الوالي يوم 14/ مايس /1762، وكان زوجته (عادلة خاتون)لم تطق فراق حبيبها (ابي ليلى) سليمان بيك والي بغداد،الذي عرفته واحبته،فلم تبق بعد الا (6) سنوات فقط ..لتلحق بجوار زوجها في عام 1768م حيث دفنت في دارها الواقعة اليوم بشارع النهر ببغداد،وتحديدا في بناية المحكمة الشرعية القديمة هناك .. وقد اخبرني الاديب والباحث الفولكلوري علي تايه الزبيدي، انه قام بمراجعة العديد من دوائر الدولة المعنية التي من بينها (الاوقاف)بالتنبيه إلى افراز وابراز قبر هذه المرأة البغدادية المحسنة في غرفة خاصة من غرف بناية المحكمة الشرعية،الذي بالامكان زيارته والاستدلال عليه بالنسبة للباحثين والدارسيين لخطط وعمارة بغداد القديمة،وكذلك كانت مساع حميدة مماثلة قد بذلت من قبل العلامة الشيخ جلال الحنفي،والاستاذ المرحوم امين المميز وكذلك المؤرخ الدكتور،عماد عبد السلام رؤوف،الذي بحث طويلا في.(وقفيات بغداد)