تجمع المصادر التاريخية أن الخليفة العباسي الثاني أبوجعفر المنصور قد قرر بناء عاصمة له تليق بمكانة الدولة الاسلامية المتصاعدة فاختار بعد تدقيق وتمحيص موقعا على نهر الصرا بين نهري دجلة والفرات كانت تقوم قرية تسمى بغداد . كان يجتمع فيها تجار الفرس في رأس كل شهر . وتجمع المصادر على أن اسم القرية الأصلية في ذلك الموقع هو (بغداد) و (بغدان) او تبدل الباء ميما فيصير الاسم (مغداد) أو (مغداد) . وهذه الأسماء كلها ممنوعة من الصرف ولكنها تقبل التذكير والتأنيث , فتقول (هذا بغداد) و (هذه بغداد) .ويشتق منها الفعل تبغدد أو تبغدن بمعنى سكن بغداد أو تشبه بأهلها. وسماها بانيها أبوجعفر المنصور (مدينة السلام) وهو الاسم الرسمي الذي ظهر في وثائق الدواوين العباسية وعلى النقود و الأوزان . كما أطلقت على المدينة أسماء اخرى مثل (دار السلام) و (مدينة المنصور) و (مدينة الخلفاء) و (المدينة المدورة) و (الزوراء) . ولكن الاسم القديم (بغداد) هو الذي ظل عالقا في أذهان الناس ويتردد على ألسنتهم , فأحتفظت المدينة بذلك الاسم حتى يومنا هذا.
المعنى الفارسي لإسم مدينة بغداد
كانت اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية والمعتمدة في العراق منذ سقوط الدولة البابلية عام 539 ق.م إلى مجيئ الفتح الإسلامي باستثناء فترات قصيرة خضع فيها العراق لإحتلال الأغريق ثم الرمان . وكانت قرية بغداد الأصلية قائمة أثناء الحكم الساساني للعراق. وهكذا جاء أقدم المؤرخين الذين تطرقوا إلى اسم مدينة بغداد مثل المقدسي و ابن رستة بتفسيرات مستمدة من اللغة الفارسية لاسم بغداد .وقج ترددت تلك التفسيرات في كتب المؤرخين اللاحقين . واكثر هذه التفسيرات شيوعا هو القائل إن (باغ) تعني بستان بالفارسية و (داد) تعني عطية , فيكون معنى الاسم (البستان العطية), أو (باغ) اسم صنم أو شيطان و (داد) عطية أو هبة فيكون المعنى (عطية الصنم) . وقد قرب بعض المعاصرين المعنى فقال أنها تعني (هبة الله). فلا غرابة في ان البكري (ت 487 هجري) قد ضمن اسم بغداد في مصنفه المعروف بأسم (معجم نا استعجم) لأنه عد الاسم أعجميا و أردفه بمعناه العربي .
المعنى السومري والأكدي لإسم مدينة بغداد
كشفت الحفريات الآثارية في موقع بغداد عن واجهة كبيرة مبنية بالآجر البابلي وعليها إسم الملك البابلي الشهير نبوخذنصر (605 - 562 ق.م) وألقابه [11]. ومن ناحية أخرى ,وجدت وثائق بابلية تحمل إسم بلدة(بغداد) تعود إحداها ,وهي وثيقة قضائية إلة ايام الملك البابلي حمورابي (1792 - 1750 ق.م) صاحب مسلة القوانين البابلية الشهيرة .وهكذا فإن اسم (بغداد) كان قد استعمل قبل ألف عام على القل من دخول كلمة (باغ) بمعنى الصنم أو الإله إلى اللغة الفارسية [8].وعند العودة إلى المعجم الذي أصدره الدكتور بهاءالدين الوردي للغة السومرية ,نجد أن بغداد تعني (قلعة قبيلة الصقر) أو (هيكل الصقر) [12] . وهذا مايؤيده عالم الآشوريات الفرنسي لابات في معجمه الخاص بالعلامات الأكدية
أسماء بغداد الأخرى
لقد إختلف مؤرخو مدينة بغداد حتى في معنى إسمها العربي الواضح (مدينة السلام). فرأى بعضهم أن المقصود بالسلام هو الله سبحانه . ويرى بعضهم أن المنصور أسماها مدينة السلام لأن نهر دجلة يقال له (وادي السلام) . ويرى بعضهم الآخر أن المنصور أسماها (مدينة السلام) تفاؤلا في انها ستكون آمنة مطمئنة. فالسلام شرط أساسي لازدهار المدن ورفاهيتها. أما مدينة المنصور ومدينة الخلفاء و المدينة المدورة و الزوراء فهي اوصاف لبغداد استخدمها الخاصة و العامة في نعت المدينة فتسمية (مدينة المنصور) هي تعريف للمدينة بإضافتها إلى بانيها, و كذلك (مدينة الخلفاء) تعريف لها بإضافتها إلى ساكنيها بعد تعاقب عدد من الخلفاء العباسيين على الإقامة فيها .و (المدينة المدورة) نعت للمدينة يميزها عن غيرها من المدن,ظنا من الناعتين بأنها المدينة الوحيدة التي بنيت على شكل دائرة. و(الزوراء) نعت كذلك, اطلق عليها لأن الأبواب الداخلية لأسوارها مزورة عن الأبواب الخارجية,أي ليست على سمتها كما يقول ياقوت الحموي. ويستخدم ترتيب مداخل أبواب السور على هذا الشكل المنحني او المنكسر لأغراض دفاعية . ومن المحتمل أن هذه الطريقة قد أستخدمت أول مرة في بغداد . كما اورد الحميري (ت 900 هجرية) في كتابه (الروض المعطار في خبر الأقطار) حين قال : وكان بعضهم يسميها (الصيادة) لأنها تصيد القلوب