النبأ: أعلنت وزيرة الثقافة عبر وسائل الإعلام منع البيع بالجملة في المعرض الدولي للكتاب هذا العام، وهددت من يقدم على ذلك ، وألمحت إلى الرواق الذي يقع فيه هذا الأمر المشين.
فقال الناقد غفر الله له معلقا :
وما زالت الوزيرة في المعرض وربما لم تكن قد انتهت من تصريحها ، حين دخل الأخ الفاضل إلى أروقة العرض التي لم تكن جاهزة بعد ، حيث كانت الكتب على الأرض ، يذهب إلى الدار الفلانية ويشير إلى العامل أنه يريد نسخة من الكتاب الفلاني ، فيجيبه: إنه قد بيع !! كل ما تراه على الأرض قد بيع !! يعجب الأخ من جواب العامل الجزائري في الدار الأجنبية ، وانصرف وهو يقول متى كان هذا ومن هو هذا المشتري ؟
إن هذه الظاهرة أعني ظاهرة تلقي الركبان والاحتكار للسلع -مع الأسف الشديد- لا توجد إلا في رواق من يبيع كتب أحكام البيوع والتجارات، وإلا في رواق الذين لهم كبير حرص على نشر العلم والدعوة إلى الله تعالى، إلا في رواق الزهاد الذين طلقوا الدنيا ومتاعها.
إنهم فقهاء في الشرع وفي الواقع ، جدليون أصوليون؛ يحسنون الإجابة والحوار والمناظرة..
فإننا إذا قلنا: لا يجوز تلقي الركبان .
قالوا : إن علة النهي عن تلقي الركبان هي مصلحة البائع عند الجمهور خلافا لمالك! لذلك خير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صاحب السلعة إذا جاء السوق، ونحن نشتري من هذه الدور أو نشتري الدور، وأهلُها راضون ومطلعون على الأسعار المضاعفة التي نبيع بها كتبهم ، وهم لا يحسدوننا على هذا الربح العظيم، فهم يختارون البيع بالجملة، لأنه أضمن لربحهم، ولأنهم مضطرون إلى التعامل معنا فالسلعة لا تخرج من الميناء إلا ب"المعارف" ونحن أهل مكة ونحن أدرى بشعابها، وإذا تورع الأجانب عما يعتبرونه رشوة فنحن قد اعتدنا على القهوة .
وإذا قلنا : إنكم تحتكرون الكتب -والاحتكار كبيرة- وترفعون الأسعار وتضرون الناس..
قالوا : إن الاحتكار يختص بالقوت وهذا مذهبنا وهو مذهب مالك! والحديث الوارد" لا يحتكر إلا خاطئ"، وإن كان ظاهره العموم فهو مخصص بالمعنى، وليس قوت القلوب كقوت الأبدان، ومن سوى بينهما فهو غافل حيران ليس من أهل الميدان، وأما حديث" لا ضرر ولا ضرار" فهو ضعيف عند الأئمة المتقدمين، نحن لسنا تجارا فحسب بل نحن محدثون وعند الحاجة نصبح أصوليين وإن شئتم قولوا وصوليين.
وإذا قال بعضنا إنكم تبيعون السلعة في السوق قبل حيازتها إلى رحالكم
قالوا : أنتم لم تفهموا معنى الحيازة وعلة النهي، إن الحيازة تختلف باختلاف المبيع والكتب يجزئ فيها نقلها من محل إلى محل، ولا يشترط إخراجها من السوق، وأما علة النهي فهي بيع ما لم يدخل في الضمان ، ونحن نعتقد أنه إذا نقلنا السلعة إلى محلنا دخلت في ضماننا.
فإذا قيل لكن بعضكم يشترى الدار وما حوت فلا هو ينقل ولا هو يحوز إلى محله ..
قالوا : يا أبله إن من صور الحيازة التخلية بيننا وبين السلعة كمن باعك بيتا فلا نراك تفهم من الحيازة إلا التخلية بينك وبين البيت . وإن لم تقتنعوا بحججنا واستغربتم أدلتنا فنطلعكم أنا نشتري أكثرها في الميناء قبل أن تدخل السوق، فخرجت المسألة من محل النزاع.
وإذا قلنا إنكم توقعون الناس في الغبن الفاحش حيث تضاعفون الأسعار وذلك لا يجوز، ومن تبين له الغبن فأنتم لا تقيلون نادما ولا تردون سلعة..
قالوا : في كلامكم مسائل هذا شرحها الأولى :
أنه لا تسعير في الشرع ولا تقدير للربح فيه في فقه أهل الدليل .
الثانية : أن خيار الغبن فيه خلاف بين أهل العلم وأنتم لا يخفى عليكم أن الراجح في المعرض أنه لا يثبت إلا لمن اشترطه فيدخل في خيار الشرط في فقه أهل الرأي .
الثالثة : أن الإقالة مندوب إليها ولا تجب وإنما هي من محاسن الأخلاق فلم تريدون إلزامنا بما لا يلزمنا وبما لم يكن من شيمنا.
وإذا قلنا : أين أنتم من طاعة ولاة الأمور الذين منعوا الاحتكار والبيع بالجملة ؟
قالوا : إن الله أحل البيع بالجملة والتجزئة، ولا طاعة لبشر في معصية الله تعالى، وولاة الأمور ليس من حقهم أن يحرموا ما أحل الله تعالى، ونحن لا نفرط في طاعتهم بل نحن أول من يدعو إلى ذلك فلا نحتاج إلى تعليمكم ولا إلى نصحكم، نحن نطيعهم في أبواب كثيرة لكن ليس فيما يضر جيوبنا .
ولقد فرضت في معرض هذا العام رقابة زادت من حدة البيع بالجملة وشجعته ، لقد فرضت الرقابة على كتب التوحيد لأنه يؤلفها في الغالب الوهابية!! وكتب الفتاوى حتى فتاوى النساء وفتاوى المعوقين لأن من حمل السلاح في بداية التسعينات اعتمد على فتاوى!! وكان من نتائجه غلق بعض الدور التي لم تحترم قائمة الممنوعات، فأصبح كثير من الأجانب يخاف من عقوبة الحجز أو غلق المحل لأنهم غير مطلعين على قائمة الممنوعات- ولا يمكن أن يطلعهم عليها أحد، فهي غير موجودة !!- فوجدوا الحل في التخلص من سلعهم بيعها بالجملة للجزائريين .
والمسؤولون الكبار يظنون أن تلك الدور عوقبت لأجل بيع الجملة!! إنه لابد من وضع رقابة على الرقابة المنحرفة التي بدلا ما تراقب الاحتكار وتلقي السلع راحت تراقب الكتب التي لا تناسب توجهاتها اللافكرية ، ثم زعمت أنها حاربت ظاهرة بيع الجملة وقمعت أهلها ، ولذلك عجبت وعجب الناس من تصريح الوزيرة في نهاية المعرض من أنه كان ناجحا لأنه تم محاصرة ظاهرة الغلاء التي سببها الاحتكار والبيع بالجملة .
(نشر في منار الجزائر بتاريخ 14 نوفمبر 2007)