الضغط المنخفض
بداية نود أن نقول إنه لا يوجدتعريف رقمي محدد لضغط الدم المنخفض . وفي
أغلب الحالات يظهر انخفاض ضغط الدم كحالةطارئة ، ونادراً ما يمثل مشكلة
مرضية مزمنة ، ولا تستطيع أجهزة الجسم المختلفة تحملانخفاض الضغط بمعدلات
كبيرة لمدة طويلة ، لأن هذا معناه أن كمية الدم التي تصللأعضاء الجسم
المختلفة لن تكفي لتغذيتها ، مما سيؤدي إلى فشل في وظائف الأعضاءالحيوية
مثل المخ والقلب والكليتين . وإذا لم يتم علاج السبب المرضي المؤدي
لانخفاضضغط الدم ، فقد تتدهور حالة المريض إلى الوفاة . ونظراً لأهمية ضغط
الدم ، فقد زودالله عز وجل الجسم بعديد من الأجهزة المختصة بمراقبة مستوى
الضغط بصورة دائمة ، وهىتنقل معلوماتها إلى أجهزة أخرى حتى إذا ما حدث
اضطراب في مستوى الضغط صعوداً أوهبوطاً ، نشطت الأجهزة المختصة بحفظ
السوائل والملح في الجسم ، أو المسئولة عنالتحكم في انقباض الأوعية الدموية
، مما يؤدي في النهاية إلى العودة بالضغط إلىمعدلاته الطبيعية.
حالات انخفاض ضغط الدم الحادة
يحدث الانخفاضالحاد والمفاجئ في ضغط الدم إما لنقص في كمية الدم والسوائل
بالجسم ، أو نتيجةلاتساع الأوعية الدموية بدرجة كبيرة مما يؤدي إلى تراكم
الدم بها ، وبالتالي انخفاضالوارد منه للقلب ، أو بسبب هبوط حاد مفاجئ
للقلب .
1- نقص كمية الدموالسوائل بالجسم
يحدث
فقدان الدم من الجسم عن طريق النزيف الخارجي ، أوالنزيف الداخلي مثل قرحة
المعدة والأمعاء ، أو عند إصابة أحد الشرايين الرئيسيةنتيجة التعرض لحادثة
مثل حوادث الطريق ، أو أثناء إجراء جراحة بالصدر أو البطن أوالحوض . أما
فقدان السوائل بكمية كبيرة فيصاحب الحروق غير المحدودة ، وحالات
القيءوالإسهال الشديدة ، كما في مرض الكوليرا مثلاً ، أو نتيجة خروج البول
بكميات كبيرةأو إفراز العرق بغزارة .
ويؤدي فقدان الدم والسوائل إلى انخفاض كمية الدمالواردة إلى القلب والصادرة
منه . وفي الحالات البسيطة يتمكن الجسم من التغلب علىنقص الدم الوارد
للقلب والاحتفاظ بالضغط قريباً من معدلاته الطبيعية ، وذلك عن طريقتنشيط
الجهاز العصبي السمبثاوي الضابط وزيادة إفراز هرمونات الغدة فوق الكلية
وجهازالرينين – أنجيوتنسين ، مما يؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية والإقلال
من إدرارالبول . وفي هذه الحالات البسيطة تزداد سرعة النبض خاصة والمريض
في وضع الوقوف ،وقد يعتريه بعض الشحوب مع برودة في الأطراف أما في الحالات
الشديدة لفقدان الدموالسوائل ، فإن أجهزة الجسم تعجز عن الاحتفاظ بضغط الدم
في حدوده الطبيعية حيثينخفض بمعدلات كبيرة حسب شدة الحالة . ويؤدي هبوط
الضغط إلى انخفاض كمية الدم التيتغذي الأعضاء الحيوية بالجسم كالمخ والقلب
والكليتين ، ومن ثم يحدث قصور في الأداءالوظيفي لهذه الأعضاء . إذ يبدأ
مستوى الوعي في التدهور ، ويختل انتظام ضربات القلب، ويحدث فشل كلوي حاد .
وإذا لم يتم تعويض الجسم عن كمية الدم والسوائل المفقودة ،تتعرض حياة
المريض للخطر .
2- الاتساع الحاد للأوعية الدموية
تتسع الأوعية الدموية بدرجة كبيرة ومفاجئة نتيجة لما
يعرف بالصدمة العصبية، حيث تفقد الأوعية الدموية والشرايين الصغيرة المختصة
بالمقاومة الطرفية قدرتهاعلى الانقباض مما يؤدي إلى انخفاض الضغط بمعدلات
كبيرة . وتتمثل أهم أسباب الصدمةالعصبية في التسمم الميكروبي الدموي الشديد
، أو الألم الشديد ، أو حدوث خلل بالغددالصماء . وقد يحدث اتساع الأوعية
الدموية أيضاً نتيجة تناول العقاقير الخافضة للضغطالتي تؤثر مباشرة على
درجة انقباض الشرايين الصغيرة بالجسم ، وكذلك في حالاتالحساسية الشديدة
لأحد العقاقير كالبنسلين مثلاً . ومع اتساع الأوعية الدموية تبدأالسوائل
داخل الأوعية الدموية في التسرب إلى الأنسجة المجاورة ، فتقل كمية الدم
ممايعجل بحدوث انخفاض ضغط الدم .
3- الهبوط الحاد المفاجئ للقلب
فيبعض الحالات قد تتعرض قدرة القلب على ضخ
الدم للتدهور ، فينخفض حجم الدم الصادر منهومن ثم ينخفض الضغط . وتشمل هذه
الحالات : حدوث فشل مفاجئ بعضلة القلب ، أو انسدادالشريان الرئوي الرئيسي ،
أو ظهور ارتشاح كبير ومفاجئ بالغشاء الخارجي للقلب ( التامور ) . ومن
الأسباب الرئيسية لفشل عضلة القلب المفاجئ حدوث انسداد بأحدالشرايين
المغذية للعضلة ، والمعروفة باسم الشرايين التاجية ، وذلك نتيجة وجود
جلطةدموية حادة داخل الشريان تسبب تدمير جزء كبير من عضلة القلب . وتؤثر
هذه الإصابةبعضلة القلب في قدرتها على الانقباض ، وتقل بالتالي كمية الدم
التي يضخها القلب . وقد تؤدي إصابة عضلة القلب بالتهاب شديد وحاد إلى
تعرضها أيضاً للفشل المفاجئ .
حالات انخفاض ضغط الدم العارضة والمتكررة
كثير
من الحالات المرضية التي تقتضي ملازمة المريض للفراش لفترات طويلة – مثل
الكسور والحميات الشديدة والالتهاب الكبدي الوبائي وإصابات القلب –
يعقبهاخمول في نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي ، وانخفاض مفاجئ في ضغط الدم
عند نهوض المريضعلى قدميه من وضع الرقاد أو الجلوس . وتظهر أعراض ذلك في
فترة النقاهة ، حيث يشكوالمريض من الإحساس بالضعف والدوخة وعدم الاتزان عند
مغادرته للفراش ، وقد يفقد وعيهعند الوقوف نتيجة انخفاض الضغط المفاجئ .
وتستمر هذه الحالة ساعات أو أيام قليلة ،وتختفي بانتهاء فترة النقاهة وعودة
المريض لممارسة شئون حياته الطبيعية .
وقديحدث انخفاض الضغط عند الوقوف نتيجة تناول العقاقير الموسعة للشرايين أو
المستخدمةفي علاج ضغط الدم المرتفع ، أو نتيجة حدوث التهاب في الأعصاب
السمبثاوية المغذيةللأوعية الدموية بالأطراف لدى مرضى السكري
ومن
الأسباب النادرة لحالات انخفاضضغط الدم المزمنة ، حدوث نقص في إفراز
هرمونات قشرة الغدة فوق الكلية أو ما يطلقعليه اسم ( مرض أديسون ) . بسبب
عجز في الغدة أو التهاب درني بها والفقدان الشديدللوزن ، وبعض أمراض الجهاز
العصبي ، وبعض حالات نقص الحديد في الدم ( الأنيميا – أو فقر الدم ) ونقص
إفراز الغدة الدرقية .
• تجدر الإشارة إلى أن انخفاض ضغطالدم وما يصحبه من شعور بالدوخة والإعياء
الشديد والإغماء عند الوقوف فترة طويلةخاصة في الجو الحار ، قد يصيب بعض
الفتيات والسيدات من ذوات القوام النحيف الطويلوالعضلات الضعيفة ، خاصة
عضلات الساقين التي يلعب انقباضها دوراً مهماً في ضخ الدمالوريدي باتجاه
القلب أثناء وضع الوقوف . لكننا نلفت النظر هنا إلى أن كثيراً منالأعراض
السابقة قد يرجع السبب في ظهورها عند تلك الفتيات إلى التوتر العصبي
النفسي، وليس إلى انخفاض ضغط الدم .
علاج ضغط الدم المنخفض
يتوقف
العلاج على طبيعة السبب المرضي المؤدي لانخفاض الضغط . فالحالاتالحادة
الناتجة عن نقص كمية الدم والسوائل في الجسم تستدعي التدخل السريع
بتعويضالجسم عما فقد منها . أما حالات الصدمة العصبية والاتساع الحاد
للأوعية الدموية ،خاصة الناتجة من الحساسية الزائدة لأحد الأدوية ، فيمكن
علاجها عن طريق عقارالأدرينالين والأدوية القابضة للأوعية الدموية . وقد
نلجأ في الحالات الأخيرة إلىإعطاء كميات كبيرة من السوائل وبلازما الدم
إلا أنه يجب التوقف عن تناول أدويةالضغط إذا كانت هي السبب في انخفاض الضغط
. وبالنسبة لعلاج الحالات الناجمة عن هبوطالقلب الحاد ، فيلزم دخول المريض
وحدة العناية القلبية المركزة ، مع متابعة الحالةبواسطة إخصائي القلب
لتحديد أسباب هبوط القلب ووضع العلاج المناسب .
ومن ناحيةأخرى ، يستوجب الأمر في حالات انخفاض ضغط الدم المزمنة – إلى جانب
علاج السببالمرضى إن وجد واتباع المريض لبعض الإرشادات الصحية المهمة . من
هذه الإرشادات : زيادة كمية الملح في الطعام ، وتجنب الوقوف بدون حركة
لفترات طويلة خاصة داخلالأماكن المغلقة في الطقس الحار ، والامتناع عن
تناول العقاقير المثبطة لنشاطالجهاز العصبي السمبثاوي أو الموسعة للأوعية
الدموية ،وأيضاً مدرات البول والأدويةالتي تؤثر على الجهاز العصبي .
ويجب التنويه إلى أنه ليس للأدوية القابضةللأوعية الدموية أو المنشطة
للجهاز العصبي السمبثاوي أي دور في علاج معظم الحالاتالمزمنة لضغط الدم
المنخفض ، بل إنه يجب تجنبها نظراً لآثارها الجانبية . علماً بأنمفعول هذه
الأدوية مؤقت ، لا يمتد لأكثر من ساعة أو ساعتين ، كما أنها تفقدفاعليتها
مع الاستخدام المتكرر .
ويعتمد
تشخيص ضغط الدم المنخفض على قياس الضغطبدقة وعناية والمريض راقداً ، ثم
قياسه مرة أخرى والمريض واقفاً بعد مضي عدة دقائقمن الوقوف . ويجب أن يكون
ظهور أعراض الضعف والدوخة والإعياء على المريض مصحوبةبانخفاض واضح في الضغط
عند قياسه حال وجود الشكوى .
• تصحيح بعض الأفكاروالمعتقدات الخاطئة
خلافاً للفكرة الشائعة ، فإن معظم الأفراد الذين يصل مستوىالضغط لديهم إلى
الحد الأدنى للمعدلات الطبيعية ( حوالي 90 مم زئبق إنقباضي ، 60 ممزئبق
إنبساطي ) لا يشعرون بأعراض غير طبيعية . وفي المقابل فإن كثيراً ممن
يعانونمن الدوخة ( أو ما يسمونه هبوطاً ) والذين قد يتم تشخيص حالتهم بأنها
ناتجة عنالضغط المنخفض ، قد يظهر عند قياس مستوى الضغط لديهم أنه في
الحدود الطبيعية .
ومن الأخطاء الشائعة وصف العقاقير المنشطة للجهاز العصبي السمبثاوي أو
القابضةللأوعية الدموية لعلاج هؤلاء المرضى . إذ أن شكواهم في الواقع
مبعثها القلب العصبيوالاكتئاب النفسي ، وليس لها علاقة بانخفاض الضغط .
ومن
المعتقدات الخاطئةأيضاً علاج انخفاض الضغط لدى هؤلاء المرضى بإعطاء المواد
السكرية . إذ أن الموادالسكرية لا علاقة لها بالضغط المنخفض . وإنما يرجع
التحسن الذي قد يشعر به بعضالمرضى بعد تناول السكريات المركزة إلا أن
شكواهم نابعة أساساً من الحالة النفسية . أما حالات الضعف والهبوط الناتجة
من انخفاض الضغط لا تتحسن بالسكريات ، ولكن بتناولملح الطعام والأطعمة
المالحة بكميات كبيرة .
ومن الأسباب المهمة لحدوث انخفاضحاد ومتكرر لضغط الدم ، ما يعرف بحالات
الإغماء البسيطة التي تنتج من زيادة نشاطالعصب الحائر . وتتمثل الأعراض
المصاحبة لهذه الحالات في الإغماء أو في الشعوربالضعف الشديد والزغللة خاصة
عند الوقوف لفترة طويلة في الأماكن المزدحمة المغلقة ،أو بعد سماع أخبار
مثيرة أو مشاهدة حادثة في الطريق ، أو في أعقاب التبرع بالدم . ويسبق فقدان
الوعي في كثير من الأحيان الشعور بالغثيان والميل إلى القىء ، وإخراجغازات
مع مغص بالبطن ، وانخفاض في سرعة النبض ، وشحوب بالجلد ، وكثرة العرق .
وهذهالحالات تكون أكثر ذيوعاً لدى الأفراد العصبيين ومرهفي الحس وممن يسهل
استثارتهم . وعادة ما يستمر فقدان الوعي دقائق معدودة ولا تصحبه أية
مضاعفات ، ما لم يحدث بصورةمفاجئة قد تعرض المريض للأذى عند سقوطه أو
ارتطامه بالأرض . وعند حدوث هذه الحالات، يجب ترك المريض في وضع الرقاد على
الأرض وعدم المبادرة بمساعدته على الوقوف ، لأنذلك من شأنه أن يزيد من
انخفاض الضغط وسوف يعود إلى وضعه الطبيعي بعد دقائق معدودة .
ضغط الدم المنخفض
أ . د / محمد محسن إبراهيم
أستاذ ورئيس قسم أمراض القلب – كلية الطب – جامعة القاهرة
رئيس الجمعيتين المصرية والعربية لارتفاع ضغط الدم الشرياني...
الموضوع منقوووول لأهميته وانتشاره خاصه لمن تقوم برجيم خاطئ..!!! وللأمانه.