حكم بين عامي (14-37م).
في خلال الجزء الأخير من حكم الإمبراطور أغسطس ومعظم فترة حكم الإمبراطور تيبريوس ظلت مصر في حالة هدوء نسبي حتى أنه في السنة العاشرة من حكم تيبريوس أنخفض عدد الفرق الرومانية التي كانت تشكل القوة الأساسية للحامية الرومانية الأصلية في مصر من ثلاثة فرق إلى أثنتين ، وكان للرقابة الصارمة التي فرضها تيبريوس على ولاته فيما يتصل بمصالح سكان الولايات أثرها في المحافظة على هذا الهدوء وذلك من خلال ضبط تجاوزات وتعسف الموظفين التي قد ينجم عنها قلاقل من جانب الشعب ، ومن الأمثلة على ذلك أنه وبخ أحد ولاته وهو أيميلوس ركتوس عندما أرسل الأخير إلى روما مقداراً من الضريبة أكثر من الضريبة المحددة لأنه قام "بسلخ الماشية بدلاً من جزها" على حد تعبير الإمبراطور .
وفي خلال فترة حكمه أيضاً حدث لأول مرة جباية الضرائب بشكل مباشر عن طريق جباة ضرائب معينين بدلاً من النظام القديم الذي كان يعتمد على نظام الملتزمين في جباية الضرائب .
كما تظهر نفس هذه الصرامة أيضاً في تعنيفه وتوبيخه لجرمانيكوس قيصر الذي بعث به تيبريوس حاكماً على الشرق فأنتهز الفرصة وزار مصر في جولة سياحية بين آثارها القديمة فصعد في النيل حتى أسوان دون أن يحصل على إذن مسبق من الإمبراطور وبذلك تجاوز وتخطى القانون الذي وضعه الإمبراطور أغسطس في هذا الصدد والذي كان يحظر على أي مواطن روماني من طبقة السناتو أن يدخل الإسكندرية بغير إذن منه شخصياً ، ويقال أيضاً أن جرمانيكوس قيصر قد أخذ على عاتقه أن يفتح مخازن الغلال العامة إذا ما شحت الحبوب وكان يسمح ببيع الحبوب ، كما يروى أنه كان يسير بين الناس في ملابس إغريقية وبغير حراسة ، ويبدو حقيقة أنه حاول أن يمنع أي سبب من أسباب أنتهاك القوانين وذلك بإصدار مراسيم يبتغي فيها من المصريين ألا يعاملوه بتملق ونفاق زائد عن الحد ويمنع فيها تكليف السكان إجبارياً بتسليم دوابهم ومؤنهم لأستخدامها بلا مقابل في مناسبة زيارة الإمبراطور ، ولكن من المحتمل أن هذه التوجيهات قد أغفلها عامة الناس وهناك قرائن تفيد أن الموظفين في طيبة كانوا يفرضون مساهمات عينية من الحبوب استعداداً لقدومه ، وهذا التمادي في الترحيب وإظهار الإجلال يمكن أن يوحي بسهولة الخيانة وخصوصاً في مصر وهي الولاية التي يمكن لمن يحكم قبضته عليها أن يتولى مقاليد السلطة في روما والتي كانت مستعدة دوماً لأن تعلن التمرد والعصيان مع أي قائد قد يدعوها إلى ذلك ، وقد زارها تيبريوس ولكنه وجه إليها تعنيفاً قاسياً .
إن إعادة إصدار العملة الفضية مرة أخرى في الإسكندرية في عهد تيبريوس يمكن أن يؤخذ كقرينة على أن مصر كانت في حالة رخاء متزايد في عصره ، ففي ظل حكم البطالمة المتأخرين أغرقت الإسكندرية بكميات كبيرة من عملة الأربع دراخمات (التترادراخمة) الفضية المنخفضة القيمة والتي كانت قيمتها في حالة تذبذب مستمر أمام العملة النحاسية ، وقد أوقف أغسطس إصدار التترادراخمات وضرب فقط كميات محدودة من العملة النحاسية ربما بغرض تثبيت سعر تغيير العملة ، وفي العام السابع من حكم تيبريوس ظهرت التترادراخمة من جديد من دار سك العملة السكندرية ، وكانت قيمتها لا تزال منخفضة ولكن مقدار ما تحتويه من الفضة كان محدداً بما يساوى الديناريوس الروماني الذي أصبح يعادل التترادراخمة وذلك لأغراض حساب العملة الذي ظل ثابتاَ بصورة معقولة لما يزيد عن قرن وفي الوقت ذاته تضاءل إصدار العملة النحاسية .
وقرب نهاية حكم تيبريوس كان هناك خوف من أضطرابات جديدة في مصر ، فأصدر الوالي أفيليوس فلاكوس مرسوم حرّم فيه حمل السلاح وأن من يخالف ذلك سيكون جزاؤه الإعدام ، ويبدو أنه في أعقاب صدور هذا المرسوم كانت هناك زيارات للناس في مواطنهم بحثاً عن السلاح وعثر على كميات كبيرة من الأسلحة ، وهذه الإجراءات من جانب فلاكوس ، الذي يبدو أنه حكم مصر بالعدل والحزم الصارم ، منعت تفجر أي أعمال خطيرة حتى وفاة تيبريوس .