الكاتب محمد حاج عيسى الجزائري
السؤال:
ما معنى حديث نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرطين؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين أما بعد : فقد صح من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ » (رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه)
والشروط التي تقترن بعقد البيع أنواع كثيرة وقد اختلف العلماء في تحديد معنى الشرطين المنهي عنهما في هذا الحديث على عدة أقوال بحسب أنواع هذه الشروط ، وفيما يأتي توضيح هذه الأنواع:
النوع الأول: شروط تتعلق بمصلحة العقد وليس نفعاً ينتفع به البائع أو المشتري، كاشتراط صفات معينة في السلعة أو اشتراط توثيق العقد والإشهاد عليه، وهذه لا ينهى عنها أفردت أم تعددت والقول بدخولها في الحديث ضعيف جدا.
النوع الثاني : شروط تنافي مقتضى العقد كاشتراط البائع على المشتري ألا يبيع المحل المشترى مطلقاً، أو أن لا يؤجره أبدا، فهذه الشروط باطلة لاغية في نفسها، ولا فرق بين انفراد الشرط أو تعدده عند من صحح العقد أو عند من أبطله من الفقهاء.
النوع الثالث: شروط فيها نفع للبائع أو للمشتري، كأن يشترط البائع إذا باع دارا سكناها شهرا وأن يدفع المشتري تكاليف التوثيق والإشهار، وكأن يشترط المشتري على البائع الاحتفاظ بالسلعة في مخزنة شهرا وتحمل تكاليف نقلها، ومثل هذه الشروط اختلف فيها العلماء :
-فمنهم من أبطلها
-ومنهم من أبطل بها العقد.
-ومنهم قال إنما يبطل العقد إذا اجتمع شرطان فصاعدا لظاهر الحديث وهو مشهور مذهب الحنابلة.
-ومنهم من قال العقد صحيح والشروط صحيحة ولو تعددت.
ومن أدلة جواز اشتراط المنفعة حديث جابر المشهور حيث باع جمله للنبي صلى الله عليه وسلم واشترط عليه ركوبه إلى المدينة، وأما التفريق بين الشرط والشرطين فيها فرده ابن القيم في تهذيب السنن (9/294)-المطبوع مع عون المعبود- بقوله: «فإن اشتراط منفعه البائع في البيع إن كان فاسدا فسد الشرط والشرطان، وإن كان صحيحا فأي فرق بين منفعة أو منفعتين أو منافع لاسيما والمصححون لهذا الشرط قالوا هو عقد قد جمع بيعا وإجارة وهما معلومان لم يتضمنا غررا فكانا صحيحين؛ وإذا كان كذلك فما الموجب لفساد الإجارة على منفعتين وصحتها على منفعة وأي فرق بين أن يشترط على بائع الحطب حملة أو حملة ونقله أو حمله وتكسيره»
النوع الرابع : شروط منهي عنها (ولا تنافي مقتضى العقد) كاجتماع صفقتين في عقد واحد، مثل اشتراط البائع على المشتري إيجار الدار لفلان، أو أن يهبه شيئاً، أو يبيع له شيئاً أو يقرضه مبلغاً من المال، هذه شروط فاسدة تفسد العقد.
ومن الشروط المنهي عنها "أن يقول خذ هذه السلعة بعشرة نقدا وآخذها منك بعشرين نسيئة" وهي مسألة العينة أو البيعتين في بيعة
وقد حمل ابن القيم معنى الحديث عليها وقال في تهذيب (9/295):« ولا يحتمل الحديث غير هذا المعنى وهذا هو بعينه الشرطان في بيع فإن الشرط يطلق على العقد نفسه، لأنهما تشارطا على الوفاء به فهو مشروط والشرط يطلق على المشروط كثيرا كالضرب يطلق على المضروب والحلق على المحلوق والنسخ على المنسوخ، فالشرطان كالصفقتين سواء، فشرطان في بيع كصفقتين في صفقة، وإذا أردت أن يتضح لك هذا المعنى فتأمل نهيه في حديث ابن عمر عن بيعتين في بيعة وعن سلف وبيع رواه أحمد، ونهيه في هذا الحديث عن شرطين في بيع وعن سلف في بيع فجمع السلف والبيع مع الشرطين في البيع ومع البيعتين في البيعة، وسر ذلك أن كلا الأمرين يؤول إلى الربا وهو ذريعة إليه ».
وهذا أظهر الأقوال والعلم عند الله عز وجل.