الكاتب محمد حاج عيسى الجزائري
السؤال :
السلام عليكم : لدي عدة تساؤلات في باب خطير وهو باب القدر،
-كيف كان اعتقاد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في هذا الباب؟
-هل الرزق والزوجة محدد ومفروض علينا أم هو مقدر بعلم الله لما سيكون ؟
-يختلف الناس في بذل الأسباب فهل يكون الكسول كالمجتهد؟
أرجوا أن يتسع صدركم للإجابة عما أوردت من تساؤلات وبارك الله فيكم على مجهودكم وعلى الإجابة.
الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أما بعد : فخلاصة الإيمان بالقدر تقوم على نقط من أهمها :
أولا : إثبات علم الله تعالى السابق لكل الحوادث، وعلى الإيمان بكتابة ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض لقوله تعالى: وقوله : (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام: 38)، وقال صلى الله عليه وسلم:« كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة» رواه مسلم. ويدخل في هذا ذلك الخلق والرزق والهداية وكل شيء عظيم أو حقير، قال طَاوُس أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ قَالَ وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ أَوْ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ" (رواه مسلم) والكيس الحذق في الأمور وهو ضد العجز.
ثانيا : أن الكتابة والتقدير لا تنفي العمل والكسب ولا تبطلان أوامر الشرع ونواهيه ، قال رجل يا رسول الله : أيعرف أهل الجنة من أهل النار ؟ فقال : نعم . قال فلم يعملون . قال : كل يعمل لما خلق له ولما يسِّر له » متفق عليه.
ثالثا : وأن الناس محاسبون على ما عملوا لا على مجرد علم الله تعالى، قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت46).
رابعا: وأن الناس في أعمالهم وكسبهم لهم اختيار وقدرة على الفعل والترك: كما دل على ذلك الشرع والعقل والحس، قال تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف29)، وقال : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة286)، ويقول أهل النار: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) (فاطر37).
ويدخل في هذا ما ورد في السؤال عن الرزق والزوجة فهو محدد ومقدر ولا نقول هو مفروض بمعنى أن الإنسان مجبر لا اختيار له فيه، لأن المطلوب من المسلم أن يجتهد في تحصيل الرزق الحلال واختيار الزوجة الصالحة، وهو في اجتهاده لن يحرج عما علمه الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم:« أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم » رواه ابن ماجة.
ومن كان مجتهدا في تحصيل الرزق يختلف حاله عمن كان كسولا ولا يستويان كما يعلمه السائل وكل عاقل، وما يحصله كل منهما سبق في علم الله تعالى ، كما لا يستوي من اجتهد في الطاعة وتكاسل عنها وحال على واحد منهما ومصيره قبل سبق في علم الله تعالى.
ونصيحتي لك أن تكتفي في هذا الباب الخطير كما وصفته في السؤال بما ورد في كتاب الله تعالى وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم النقط الأربع التي مهدت بها للجواب، وأن تدع ما وراءه لأنه لا سبيل لك إلى الاطلاع عليه، هذا هو المنهج الصحيح لفهم مسائل الاعتقاد وهو المنهج الذي كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أما أن يترك الإنسان نصوص الكتاب والسنة فلا يحفظها ولا يتفهمها ثم يفتح باب البحث فيما وراء النصوص فهذا يفتح باب شر على نفسه إما في عقله أو دينه نسأل الله العفو والعافية.
قال الطحاوي في عقيدته:« وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل والتعمق في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان فالحذر الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة». وذلك أن الله تعالى إليه منتهى علم الأشياء والقدرة عليها، والعبد مخلوق لا يمكنه أن يعلم سر كل شيء ولا قدرة له إلا على ما أقدره الله تعالى عليه، وسر القدر من الغيب الذي امتحن به العباد، قال تعالى : (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (الأنبياء 23). والحمد لله رب العالمين.