الكاتب محمد حاج عيسى الجزائري
السؤال : نرجو أن تبينوا لنا حكم إحضار الصبيان إلى المساجد مع توضيح مذهب مالك رحمه الله في ذلك وحبذا أن يكون الجواب مكتوبا لنقدمه نصيحة لبعض الناس؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين أما بعد فإن إحضار الأطفال الصغار إلى المساجد أمر في أصله مشروع كما دلت على ذلك الأدلة الصحيحة، فقد كَانَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا متفق عليه، وعن أبي بكرة قال رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رواه البخاري.
ولهذا العمل عدة مصالح تربوية منها : تعويدهم على الصلاة والعبادة، وتعليمهم القرآن وتثبيت المميزين منهم على الطاعة طريق الاستقامة وتفقيههم في الدين، ولعلنا نرى كثيرا من أهل زماننا قد فرطوا في هذا الأمر فلا تجدهم يأمرون أولادهم بالصلاة ولا يصطحبونهم إلى المساجد، وتجد بعضهم ربما يطرد من جاء إلى المسجد لوحده ويستند إلى الحديث المشهور: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ»، وهو حديث ضعيف لا يجوز الاعتماد عليه (رواه ابن ماجة (750) وفيه متروكان ومجهول).
لكن على الآباء أن ينتبهوا أن للمسجد حرمته التي ينبغي أن تصان، وأنه يجب عليهم إذا أحضروا أولادهم أن يعظموا في أنفسهم مكانة المسجد، وأن يؤدبوهم بآدابه، وفي هذا يقول ابن تيمية رحمه -مجموع الفتاوى (22/204)-: «يصان المسجد عما يؤذيه ويؤذى المصلين فيه حتى رفع الصبيان أصواتهم فيه وكذلك توسيخهم لحصره ونحو ذلك لا سيما إن كان وقت الصلاة فإن ذلك من عظيم المنكرات»، ومنه فإنه إذا علم أن الولد لا يقر في مكانه ويعبث ولا يعرف قدر الصلاة أو يحدث شيئا من المفاسد فلا يجوز إحضاره إلى المسجد لأن دفع المفاسد أولى من جلب المصالح، وهذا المعنى هو ما أشار إليه الإمام مالك كما في مدونة ابن القاسم ، فإنه سُئِلَ عَنْ الصِّبْيَانِ يُؤْتَى بِهِمْ إلَى الْمَسَاجِدِ ؟ فَقَالَ : إنْ كَانَ لَا يَعْبَثُ لِصِغَرِهِ وَيَكُفُّ إذَا نُهِيَ فَلَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا ، قَالَ : وَإِنْ كَانَ يَعْبَثُ لِصِغَرِهِ فَلَا أَرَى أَنْ يُؤْتَى بِهِ إلَى الْمَسْجِدِ (المدونة 1/195). وجاء في مواهب الجليل (2/447):« قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ :« فَالشَّرْطُ فِي جَوَازِ إحْضَارِهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ : إمَّا عَدَمُ عَبَثِهِ أَوْ كَوْنُهُ يَكُفُّ إذَا نُهِيَ عَنْ الْعَبَثِ، قال ابن عَبْدِ السَّلَامِ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ إحْضَارِ الصَّبِيِّ أَحَدُ أَمْرَيْنِ : إمَّا عَدَمُ عَبَثِهِ أَوْ كَوْنُهُ يَكُفُّ إذَا نُهِيَ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَعْبَثَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ لَعِبِ الصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ } الْآيَةَ انْتَهَى».
ومما ينبغي أن يذكر به في هذا المقام زيادة على ما سبق الحرص إلى إحسان لباسهم بحيث لا يكون فيه كشف للعورة وأن لا يكون فيه شيء من المخالفات الشرعية كالصور، ويدخل في معنى هذا الاحتياط للنجاسة.
وإذا كان الصبي لا يعقل معنى الصلاة والوضوء فلا يجوز إدخاله الصف، لأن ذلك يعتبر قطعا للصف والله أعلم.