لمحة من تاريخ الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ترجع بدايات الإساءة إلى مبادئ الدين الإسلامي وبالتحديد الإساءة إلى شخصية الرسول الكريم سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه إلى بدايات ظهور الإسلام في مكة.
وقد كانت أول الإساءات الشخصية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قد وجهت له من قبل مشركي مكة الذين كانوا يعبدون الأوثان ويتخذونها أندادا من دون الله تعالى. ونحن في هذه المقالة نعرض لمقتطفات تاريخية لما تعرض له شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم من إساءات لنبين أن هؤلاء لم يأتوا بجديد وإنما يسيرون على درب إخوانهم من الكافرين والشانئين المبغضين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
فترة بدء الدعوة الإسلامية
في بداية الدعوة لما أنزل الله أمره لنبيه بقوله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقرَبِينَ} {سورة الشعراء} قام صلى الله عليه وسلم بجمع قومه وإبلاغهم بأنه رسول من عند الله تعالى وأنذرهم كما أمره ربه، وكان فيهم أبو لهب، فلما أخبرهم بما أنزل الله عليه قال: تباً لك، ألهذا جمعتنا، وما زال أبو لهب هو وزوجته أم جميل أروى بنت حرب (حمالة الحطب) من المجاهرين بالظلم والإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل من آمن به، وفيهما نزلت سورة المسَد.
واستخدم مشركو مكة العديد من الأساليب لمحاربته والطعن في شخصيته. ومن هذه الأساليب السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب، وإثارة الشبهات وتكثيف الدعايات حيث وصفه البعض بأنه مصاب بنوع من الجنون، وأحيانا قالوا: إن له جنًا أو شيطانًا يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان، وكانوا يعملون للحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن ولكنهم لما رأوا أن هذه الأساليب لم تجد نفعًا في إحباط الدعوة الإسلامية، ولما رأوا الناس يقبلون على الدخول في الإسلام بدءوا بتعذيب المسلمين وفتنتهم عن دينهم، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام وقام البعض بالتطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت هناك عدة محاولات لاغتياله.
ومن هذه الإساءات ما حدّث به عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وملأ من قريش جلوس وقد نحروا جزورا لهم، فقال بعضهم: أيكم بأخذ هذا الفرث بدمه ثم يمهله حتى وجده ساجدا فيضعه على ظهره، قال عبد الله: فانبعث أشقاها فأخذ الفرث، فأمهله، فلما خر ساجدا وضعه على ظهره، فأخبرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي جارية، فجاءت تسعى فأخذته من ظهره، فلما فرغ من صلاته قال: اللهم عليك بقريش](صحيح النسائي). وكان الذي وضع سلى الجزور على ظهره الشريف هو عقبة بن أبي معيط.
وكان من أشد الناس أذى للدعوة ولرسولها أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، كان إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه، فأنزل الله فيه: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}. وقد مشى أبي بن خلف إلى رسول الله صلوات الله عليه بعظم بال قد ارْفتَّ، فقال: يامحمد، أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرمّ، ثم فتَّه في يده، ثم نفخه في الريح؛ فقال رسول الله صلوات الله عليه: نعم، أنا أقول ذلك، يبعثه الله وإياك بعدما تكونان هكذا، ثم يدخلك الله النار. فأنزل الله فيه: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ . قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}{يس: 78،79}.
ومنهم ابن الزبعرى الذي كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من الشعراء فكان يهجوا الإسلام ورسول الإسلام، ومنهم أيضا العاص بن وائل والوليد بن المغيرة.
أحقاد اليهود
وبعد انتشار الدعوة الإسلامية في المدينة بدأت أحقاد اليهود تظهر وألسنتهم تنطلق بالباطل في اتهام صاحب الدعوة: فاتهم بعض اليهود الرسول محمدًا عليه الصلاة والسلام بأنه اقتبس القرآن من أحكام التوراة، واتهموه بأن له أطماعا شخصية في بسط هيمنته على المدينة، وأنه ولغرض زيادة معرفته بالديانة اليهودية قام بمصادقتهم والتقرب إليهم وقام بتقليد طقوسهم خصوصا التوجه لقبلتهم بيت المقدس. ولكنه ارتد عليهم بعد ذلك. وقد كان اليهود يسيئون للإسلام وأهله، وقد كتب شعراؤهم قصائد في هجاء الإسلام والرسول والتشبيب بنساء المسلمين كابن الأشرف وغيره، ودعوا المشركين لمحاربة الدين الجديد والقضاء عليه، وحاول اليهود قتل النبي صلى الله عليه وسلم مرات فأخزاهم الله وكانت العاقبة عليهم في الدنيا ويلحقهم الخزي في الآخرة إن شاء الله.
والنصارى على الطريق
أما الانتقاد النصراني لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم فقد بدأ مبكرا أيضا، ولكن أول من ألف كتابا في الطعن على الإسلام ونبيه كان يوحنا الدمشقي (676- 749) John of Damascus الذي يعتبره البعض تاريخياً من أوائل من كتبوا كتابا كاملا ضد شخصية الرسول والإسلام، حيث ذكر في كتابه المسمى De Haeresbius بأن بحيرا الراهب قام بمساعدة الرسول في كتابة القرآن، واتهم الرسول أيضا باقتباسه بعض من كتابات ورقة بن نوفل الذي كان يترجم بعض الأناجيل إلى اللغة العربية في عهد الرسالة الأول.
وأثناء الحكم الإسلامي في إسبانيا بدأت الكنيسة هناك بكتابات تصور شخص الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه مسكون بالشيطان، وأنه ضد المسيح وانتشرت هذه الأفكار في عموم أوروبا؛ وكان لها دور كبير في اتحاد صفوف القوات الأوروبية أثناء الحملات الصليبية.
ومن أبرز من كتب كتابات مسيئة إلى شخص الرسول صلوات الله وسلامه عليه في هذه الفترة هو مارتن لوثر(1483- 1564) Martin Luther حيث كتب في أحد مقالاته نصا: "إن محمد هو الشيطان وهو أول أبناء إبليس". وزعم أن الرسول كان مصابا بمرض الصرع وكانت الأصوات التي يسمعها كأنها وحي جزءا من مرضه".
وأثناء فترة حكم المسلمين في إسبانيا لمع من القساوسة الذين يطعنون في النبي صلى الله عليه وسلم إيلوجيس Eulogius الذي ركز على رفض الإسلام فكرة الثالوث واعتبار الرسول محمد للسيد المسيح مجرد نبي أو رسول وقام إيلوجيس بكتابة العديد من الرسائل مشددا فيها أن الرسول (محمدا صلى الله عليه وسلم) هو رسول كاذب حسب زعمه وانه مدعي للنبوة وانه أغلق الباب بعده لأي نبي يأتي بعده ووصف الرسول في كتاباته "بالذئب المختبئ بين الخرفان" . والعجيب أنه استند في كثير من ادعاءاته وكتاباته على مخطوطات وجدها في دير في بامبلونا وكانت لكاتب مجهول وتزامنت هذه الكتابات مع محاولات من نفس النوع من قبل قس اسمه ألفاروس Alvarus وكان لهذين الشخصين دور كبير في نشوء ما سمي بالاستشهاديين المسيحيين الذين قاموا بالعديد من العمليات الانتحارية ضد المسلمين.
ولم تكن أحقاد النصارى الشانئين بأقل من أحقاد اليهود الحاقدين.. بل كل يسعى لازدراء الإسلام وأهله ونبيه صلوات الله وسلامه عليه.
في العصر الحديث
آيات شيطانية
في العصر الحديث صدرت الكثير من المطبوعات التي طعنت في شخصية الرسول ومن أبرزها رواية آيات شيطانية للهندي المرتد سلمان رشدي، وقد طبع الكتاب ونشر في لندن في 26 سبتمبر 1988.. وبعد 9 أيام من إصدار هذا الكتاب منعت الهند سلمان رشدي من دخول بلادها وتلقى دار النشر الذي طبع الكتاب الآلاف من رسائل التهديد والاتصالات التلفونية المطالبة بسحب الكتاب من دور بيع الكتب. وقامت بنجلاديش والسودان، وجنوب أفريقيا وكينيا، وسريلانكا وتايلاند وتنزانيا وإندونيسيا وفنزويلا وسنغافورة بمنع الكتاب.. وخرجت مظاهرات تنديد بالكتاب في إسلام آباد، ولندن وطهران وبومبي، ودكا واسطنبول والخرطوم ونيويورك أيضا.
ما بعد 11 سبتمبر
بعد أحداث 11 سبتمبر2001 بدأت موجة جديدة وصفها البعض بموجة منظمة للإساءة إلى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وشهد العالم تصاعدا في الكتابات التي تطعن في شخصه الكريم وصدر العديد من الكتب التي اشتهرت وانتشرت في العالم الغربي نتيجة شعورهم بالحزن والغضب الصدمة في نفس الوقت وقد تعرض حتى بعض السيخ إلى مضايقات بسبب اعتقاد البعض أنهم مسلمون.
ومن أشهر الكتب التي صدرت في هذه الفترة كتاب باسم "نبي الخراب"Prophet Of Doom" للمؤلف كريك ونن Craig Winn الذي وصف الرسول بأنه قاطع طريق استعمل حسب زعمه البطش والاغتيالات والخداع للوصول إلى السلطة المطلقة.
والدانمارك أيضا
في سبتمبر 2005 قامت صحيفة دانمركية وهي (يلاندز بوستن) بإقامة مسابقة لرسم كاريكاتيربقصد الإساءة إلى رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، وقامت الصحفية باختيار 12 رسما من الرسوم المرسلة وفيها استهزاء وسخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم فإحداها تظهر صورة لرجل يلبس عمامة على شكل قنبلة بفتيل يزعمون أنها للرسول صلوات الله عليه، وغيرها من الصور المؤذية والمسيئة لكل مسلم.
وقد حاولت الجالية الإسلامية وقف الصور لكن الجريدة رفضت وكذلك الحكومة أيدت الجريدة بحجة حرية التعبير، فقامت الجالية الإسلامية بتنظيم حملة وجولة في العالم الإسلامي للدفاع عن النبي محمد. وقامت العديد من الدول الإسلامية باستنكار الحدث، فصدر بيان لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى الوزراء لمناقشة الموضوع. وقامت المملكة العربية السعودية بسحب سفيرها في الدانمارك، وقامت ليبيا بإغلاق سفارتها هناك، وطردت إيران البعثة السياسية الدانمركية والصحفيون الدانمركيون من أراضيها. وصدرت إدانات من جهات مختلفة كهيئة علماء المسلمين في العراق و برلمان دولة الكويت وبرلمان مصر. وبدأت غضبة شعبية في غالب بلدان العالم الإسلامي وكذلك مظاهرات للمسلمين في الدول الغربية وصاحب ذلك دعوة لمقاطعة المنتجات الدانمركية.
وهذه الأيام عادت صحافة الدانمارك مرة بنشر الرسوم المسيئة مرة أخرى ولكن على مستوى أكبر فقد نشرتها سبع عشرة صحيفة في نفس الوقت زاعمين أن ذلك ردا على القبض على من يسمونهم متطرفين إسلاميين.
وما زالت تلك الاعتداءات مستمرة ولن تنتهي طالما كان هناك مبغضون للإسلام وشانؤون وحاقدون على الرسول الكريم ولكن يبقى قوله تعالى دائما وأبدا: "والله يعصمك من الناس".
اللهم صل على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.