من يمكنه الآن أن يُقنع بكلام التنظير و"الإنشاء" مواطنا بسيطا، انتظر هدية العام "عملا وسكنا وامتيازات"، فصفعته أسعار المواد الغذائية، حتى ما عاد يفرّق بين الكماليات والضروريات، فتحولت حلاوة "السكّر" إلى مرارة في حلقه، ولُزوجة "الزيت" إلى عُقد مركّبة من دخول الأسواق؟..
المواطن الثائر على تدهور القدرة الشرائية، وعلى حالته الاجتماعية التي تزداد بؤسا، يحفظ عن ظهر قلب أسعار السُكر والدقيق في الأسواق العالمية، ولكنه في المقابل يحفظ أيضا عن ظهر قلب أسعار النفط التي ناطحت السحاب، وهو لا يفهم لماذا تلتهب أسعار السُكر مع التهاب أسعاره عالميا، ولا تنخفض أسعار البنزين والمازوت عندنا مع ارتفاع أسعار البترول في الأسواق العالمية، ولا يفهم كيف لوزير أن يحمّل المتعاملين الاقتصاديين، الذين هم تحت سلطة الحكومة، أسباب ارتفاع الأسعار، دون أن تتمكن الحكومة من معاقبة هؤلاء المتعاملين، خاصة أنهم يمارسون الاستيراد السهل الممتنع ولا يُصنّعون.
لقد دخلت الاحتجاجات يومها الثالث، ومازال كلام "الإنشاء" الحكومي على قلته غير مُقنع، وتطور الاحتجاج إلى تجاوزات، استغلها كالعادة اللصوص والذين لا يعيشون إلا في الفوضى ومن الفوضى، ودفع المواطن مزيدا من حُرقة الأعصاب، ومن الخسائر، عندما قام مشاغبون بمهاجمة المحلات التجارية والسيارات السياحية وهي ملك لمواطنين، وحتى مراكز البريد أو العيادات، هي ملك للمواطن البسيط، الذي يعلم أن من رفعوا السكر في دمه، وأغرقوه في زيت المائدة، لم يدخلوا مركزا بريديا في حياتهم، ويتداوون خارج البلاد.
أكيد أن لولاة الأمر عندنا الكثير من الحلول، لأن ما يحدث في الجزائر مختلف تماما عما حدث لدى جيراننا التونسيين أو المغاربة أو الأردنيين، عندما ثار الناس وعجزت الحكومات عن إيجاد الحلول، ولكن لسنا ندري لماذا يتأخر تقديم الحل المادي السهل، الذي لن يزيد عن ضبط الأسعار، من حكومة قادرة على أن تشتري سكّر وزيت العالم بأسره، بجزء من احتياطي العملة الصعبة، الذي لم يحدث وان بلغته الجزائر، التي كان سعر الكيلوغرام من السكر فيها في بداية الثمانينات دينارين، وسعر اللتر من الزيت خمسة دينارات، حتى عندما بلغ فيه سعر البترول أقل من عشرة دولارات.
سيناريو الاحتجاجات بعد "هدية" العام الجديد كان منتظرا، ودخول الفوضويين في الخط كان منتظرا، فالشارع متعوّد دائما على قطع الطرق في مسلسل يومي، طلبا للماء والغاز والكهرباء، وحتى من أجل الـ"لاشيء" فما بالك من أجل لقمة العيش!؟ لكن ما لم يكن في الحسبان، أن تتعامل الحكومة بصمت إعلاميا وسياسيا، أمام ثورة الشعب ضد أملاك وأرواح الشعب، رغم أن جرة قلمها لا يوجد أسهل منها، فالشعب تعوّد أن يقطع الطريق على الشعب كلما حرمته سونلغاز من الكهرباء، والشعب تعوّد أن يهشّم كراسي الملاعب التي يجلس عليها، كلما حرم الحكم فريقه من ضربة جزاء، والشعب الآن يخرّب أملاك الشعب، بعد أن أصبح السكر والزيت بأسعار الذهب والمرجان، في غياب إعلام حكومي قوي ومعارضة سياسية قوية ـ أو حتى ضعيفة ـ ومسؤولين بإمكانهم إخراجنا من عقدة البلد الغني جدا، والشعب الفقير جدا جدا!!