ماذا لو استطعت في يوم من الايام أن تفتح باب منزلك أو حسابك المصرفي بمجرد التفكير بكلمة المرور. انه أمر بعيد التحقيق الآن الا انه ممكن في المستقبل ـ كما يشير باحثون في جامعة كارلتون في أوتاوا في كندا ـ يقومون بكشف إمكانية تطوير نظام أمني بالقياسات البيولوجية يستخدم أفكار الشخص للتحقق من هويته.
والفكرة هذه تقوم على استغلال اشارات، أو «بصمات» الموجات الدماغية كـ «أفكار مرور» تعتمد على أن الموجات الدماغية هي خاصة وفريدة بكل شخص، حتى لدى التفكير بالشيء ذاته، لكون النبضات الكهربائية للدماغ التي يمكن قياسها تختلف قليلا بين شخص وأخر. ويعتقد الباحثون أن الاختلاف قد يكون كافيا لايجاد نظام يتيح الدخول والتسجيل عن طريق أفكارك.
وقد تحقق «فكرة المرور» هذه أي شيء تريده مثل الاستماع الى مقطع من أغنية، او تذكر تاريخ عيد ميلادك، او تصور صورة لوحتك المفضلة. وقد يكون البديل الاكثر قدرة على تحقيقه هو تقديم مجموعة مقررة سلفا من القطع الموسيقية وشرائط الفيديو التي توافق عليها بكلمة «نعم» أم «لا» في الوقت الذي تقوم فيه الآلة برصد نشاطك الدماغي.
«المعلوم أن هناك اختلافات بين عقول الناس واشاراتها وتواقيعها» كما ينقل موقع «وايرد نيوز» عن جولي ثورب الباحث في جامعة كارلتون الذي يعمل في المشروع هذا مع أنيل سوماياجي وأدريان شان. ويضيف: «هل يمكننا ملاحظة اشارة يمكن للمستخدم التحكم بها لترميز مئات بل الاف من الاجزاء الصغيرة للمعلومات، بأسلوب معاد يمكن تكراره؟ هذا هو السؤال المطروح. نعتقد أن هذا ممكن».
* نظام متميز
* وبمقدور النظام هذا أن يصبح اداة جديدة للأمن يوظف تقنيات القياسات البيولوجية بشكل يختلف عن أجهزة قراءة بصمات الاصابع وماسحات قزحية العين ومعدات التعرف على الوجوه، لأنه سيتيح للمستخدمين تغيير «رموز المرور» بين فترة وأخرى.. بتغيير افكارهم! ولكن هل كل ذلك أمر ممكن أم إنه ضرب من الخيال ليس إلا؟
يبدو أن البحث هو تطور إضافي للجهود الهادفة الى تشييد نظام «بيني» للتشبيك بين الدماغ والكومبيوتر، أو ما يسمى إختصارا «بي سي آي» brain-computer interface (BCI)عن طريق استخلاص أجزاء ذات معنى من الاشارات الموجية الدماغية التي تقاس بواسطة بما يسمى «راسمة موجات الدماغ»، وترجمتها الى أوامر كومبيوترية يمكن التعرف عليها تتيح للاشخاص العاجزين التحكم واستغلال الاجزاء الصناعية من أجسامهم. والعقبة الكبيرة التي تعترض تقنية «بي سي آي» هو أن إشارات الموجات الدماغية هي فريدة من نوعها بحيث أن تدريب نظام على التعرف على الاشارات الصادرة من دماغ شخص معين تكون صعبة على شخص أخر أن يستغلها.
ان اشارات الموجات الدماغية تختلف اختلافا جذريا من شخص الى أخر حتى ولو كانا يقومان بتخيل الفكرة ذاتها، أو القيام بالعمل ذاته»، كما يقول البروفيسور تورادج إبراهيمي من المعهد السويسري الاتحادي للتقنية. لكن التميز الكبير للموجات الدماغية التي تستعصي على الباحثين العاملين على تطوير أدوات وعدد شاملة، هو في نفس الوقت مصدر غني لدى تشييد نظام للتوثيق، فجهاز الامن لا يحتاج الى تفسير، أو فهم الفكرة، بل استخلاص الملامح المتكررة لنمط معين والتعرف على ما يقابله. إن القياسات البيولوجية قد تضاهي بقوتها القياسات البيولوجية الاخرى المعتمدة على الحمض النووي «دي إن أيه» على حد قول ابراهيمي.
* الكومبيوتر والدماغ
* في اي حال ما زال بعض الباحثين يشكون في قدرة الكومبيوتر التعرف على صورة معينة داخل رأس شخص ما. ويقول ليد رزق من مجموعة البحث التحليلي للنماذج والانماط في جامعة أوكسفورد أن الفكرة لها وهجها لكنها غير عملية ، لكون العديد من الامور تتفاعل في الدماغ على المستوى الخليوي التي تبدو متشابهة من قبل العقل، «فالاشارات الصادرة من عدد لا يحصى من الخلايا العصبية تتجمع وتتلاصق معا في الوقت الذي نقوم فيه بتسجيل نماذج الموجات الدماغية» كما يقول رزق. ويضيف ان «التوثيق هو أمر اساسي حتى لدى التعرف على الخطباء، أو المتحدثين المكبوتة اصواتهم نوعا ما، لكونهم يتحدثون على سبيل المثال من مسافة ما».
وحتى لو جرى أخذ قراءات يمكن التعرف عليها «فان الصلة بين الفكرة والموجات الدماغية هي غير مباشرة» استنادا الى جاك فايدال الخبير في «بي سي آي»، واستاذ علوم الكومبيوتر في جامعة كاليفورنيا في لوس انجليس. وأكثر من ذلك فان الاسلوب الذي نتذكر فيه الاشياء يتطور باستمرار، فقد لا يكون ممكنا تصميم نظام يمكنه التعرف على الاشارة المتغيرة دائما للفكرة ذاتها من قبل الشخص ذاته.
ويبدو أن فايدال أكثر تفاؤلا بشأن نمط أبسط لقراءة العقل حيث الكومبيوتر يقوم بتأمين الحافز ثم يقيس رد فعل الدماغ. ومثل «ردود الفعل هذه التي تتعلق بالحادث» التي يشار اليها إختصارا بـ«ERP» ردا على ومضات ضوئية ملونة، أو اصوات معينة، تميل الى إنتاج اشارات دماغية تختلف مع كل فرد. لكنها تقريبــا ذاتــها لـدى تـكرارهــا على الشخص ذاتــه، ممـا يعني إمكانيــة اســتخدام هـذا الاســلوب للتــعرف بطريقة القيــاســات البيولوجيــة، كمــا يقول فايــدال.
ومثل هذه التقنية قد تستفيــد من تأقلم أدمغتنا أيضا، فبدلا من محاولة التعرف على الفكرة التي هي اسلوب التنفيذ المثالي، بمقدور النظام الاعتماد نوعا ما على المستخدم الذي يقوم عن عمد بتعلم كيفية النمط الدماغي الصحيح عن طريق استخدام ردود فعل الالة كدليل.
ولدى إجراء التجارب مع القرود وجد الباحثــون أن الحيوان والكومبيوتر بإمكانهما تدريب أحدهما الآخر. «وكلمــا تعلم الحيوان السيطرة على الالة والتحكم بها فان الاعصاب في دماغه، والحسابــات العشرية التي تستخدم هذه الاشارات تتغير. فكلاهما يلتقيان في النهاية الى حل ناجــح للترميز، أو الشيفرة كما يقول رضا شادميهر استاذ الهندســة الطبية والاحيائية وعلوم الاعصــاب في جامــعة جون هوبكنـز.
وحاليا تقترح مجموعة كارلتون نظاما بسيطا لـ «فكرة المرور العشرية» كخطوة أولى نحو نظام مشابه الى اجهزة تهجئة بتوجيه دماغي يجري تطويرها لخدمة المعاقين جدا جسديا بحيث لا يحدث التسجيل والدخول الى أي نظام أو مكان إلا عندما تستطيع تمييز كلمة المرور الخاصة بك عن طريق التفكير بـ «نعم» بالنسبة الى أحرف، أو صور، يجري تشكيلها بالتسلسل تماما، مثل لعبة فكرية، أو عقليــة تتألف من 20 سؤالا.
واذا نجح هذا المسعى تبقى هناك عقبات عملية في اعتماد «أفكار المرور» كبديل للقيــاســات البيــولوجية الاخرى، لان من الســهل جدا وضع الاصبع، البنصر مثلا، في الة لقراءة بصمته، لكن الاسلوب الوحيد حاليا لتسجيل اشارات المرء الدماغية هو عن طريق قبعة مطلية بمــادة هلاميــة (جيــل) موصلـة توضع على الــرأس.
ويبدو أن مستشعرات النشاط الدماغي عن بعد، باتت أقرب الى الحقيقة يوما بعد يوم. وتــزعم إحدى الشركات وأسمها «نيورو سكاي» أنها طورت مستشعرا عصبيا يحول الموجــات الدماغية الى اشارات الكترونيــة مفيدة، لكن ليس من الواضح متى سيصبح متوفرا بصورة عامة.
ويبدو ايضا أن الاجـهزة البصرية هي اكثر وعدا من غيرها، «فهناك حاليا أجهزة كهربائية تستخدم البصريــات للاستــدلال عن النشــاط العصبي قرب الطبقات الخارجيــة للرأس» كما يقول شادميهر الذي تابع يقــول «أنهم يسلطـون ضوءا مركزا لقياس درجة انعكاسه الذي يتغيــر مع تغير مستوى الاوكسجين في الــدم، لكن الجهــاز لا يجــري أي إتصــال أو تلامس مع الــرأس ابــدا.
ويقول شادميهر أن تقنية قياس النشاط الدماغي عن بعد ما زالت في بدايتها، «لكننا اذا أخذنا في الاعتبار انه قبل 40 سنة فقط استطاع علماء الاعصاب تطوير تقنيات لتسجيل ما يعتمل داخل خلية واحدة من خلايا أدمغة الحيوانات لدى قيامها بنشاطاتها، فإن ذلك يعني قطعا أن مستقـبل استشــعار النشاط الدماغي مشرق وبـراق للغايــة.
ولكن لا تتخلصوا من «كلمات المرور» الخاصة بكم الان كما يحذر سوماياجي المتحفظ جــدا، «فقد أكون مندهشا ومعجبا جدا اذا ما جرى تطوير «فكرة مرور» خلال الـ 20 سنة المقبـلة التي ستكون نقطة التحول من الخرافة العلمية الى الواقع العلمي في يـوم ما، لكن الان ما زالت المســألة خرافة علمية». وقبل ايام جاءتنــا الانباء بنجاح شركة هوندا اليابانية لصناعة السيارات في تحويل الاشــارات الدماغيــة للانسـان الى اوامر نفذتها تمامــا يد روبوتيــة.
__________________