بحث عن مصعد الفضاء – بحث دراسي شامل حول مصعد الفضاء
لا يبقى الخيال العلمي دائما خيالا.. في معظم الأحيان يتم تطويعه ليصبح حقيقة.. لذا فلن تضطر لركوب صاروخ لتصعد إلى الفضاء.. فقط اضغط زر المصعد لتجد نفسك على سطح القمر؛ ففي محاولة لتحويل إحدى الأفكار الخيالية إلى واقع تقوم وكالة ‘ناسا’ للفضاء حاليا بعمل أبحاث وتجارب لتصميم مصاعد تنقل البشر إلى الفضاء بدون صواريخ.
برزت هذه الفكرة إلى الوجود منذ ما يقرب من 23 عاماً عندما تخيَّل الكاتب ‘آرثر كلارك’ ‘Arthur Clark’ في كتابه ‘نافورات الجنة’ إمكانية بناء أبراج ترتفع إلى 22 ألف ميل فوق سطح الأرض؛ وبذلك يمكنه الصعود إلى الفضاء عن طريق مصاعد داخل هذه الأبراج.
ونظرا لانعدام الوزن عند هذا الارتفاع يكون من السهل الانطلاق إلى الفضاء مباشرة من أعلى هذه الأبراج، وبالتالي الاستغناء عن الصواريخ (أو مكوك الفضاء) التي تُستخدم للوصول إلى مثل هذه الارتفاعات والتي يتكلف إطلاقها مبالغ طائلة.
الفكرة الأولية.. كابل من الأرض
نبعت الفكرة الأولية لدى علماء وكالة ناسا للفضاء في إمكانية ربط الأرض بأحد الأقمار الصناعية التي تدور حولها على ارتفاع 22 ألف ميل فوق خط الاستواء عن طريق كابل.. قد يبدو تخيلا عجيبا، ولكنه في الواقع التطبيقي شيء بسيط.
فالمنظر العام سيبدو ككابل مربوط بالأرض، ويرتفع عموديا إلى عنان السماء. وقد يدور تساؤل في أذهان الكثيرين: هل يمكن أن يتدلى هذا الكابل إلى الأرض حرا هكذا في الهواء من غير أن يقع؟! حقيقة الأمر أن هذا الكابل سيكون معلقا في الفضاء ثابتا بل ومشدودا بإحكام.
يمكن توضيح هذا ببساطة إذا أخذنا دوران الكرة الأرضية حول نفسها في الاعتبار. فهذا الكابل الطويل بدرجه كافية يكون مشدودا إلى خارج الكرة الأرضية (أي إلى الفضاء) بفعل قوة الطرد المركزية الناتجة من دوران الأرض حول نفسها، ويمكنك تخيل ذلك بالإمساك بخيط آخره حجر صغير ومرجحته حول يدك؛ فإنك ستجد أن الخيط يبقى مشدودا دائما إلى خارج يدك.
الخيط هنا يمثل الكابل، ويدك تمثل الأرض وهي تدور، والحجر يمثل القمر الصناعي في آخر الكابل.
في حقيقة الأمر فكرة مصعد الفضاء فكرة بسيطة التنفيذ، ولكن تجابهها بعض المشكلات، الفكرة تبدأ بعملية إطلاق قمر صناعي إلى مدار قريب من الأرض ‘Low Earth Orbit’ (200 إلى 300 ميل فوق سطح الأرض)، وعملية الإطلاق هذه بسيطة في عصرنا الحالي تتم بواسطة الصواريخ أو مكوك الفضاء.
بعد ذلك يتم نقل القمر الصناعي من المدار المنخفض إلى مدار أعلى (22000 ميل فوق خط الاستواء) باستخدام صواريخ صغيرة مثبتة على القمر الصناعي تُعرف بصواريخ النقل النهائي ‘Final Transferring Thrusters’.
الغرض الأساسي من هذا الارتفاع الهائل للقمر الصناعي هو أنه على هذا الارتفاع تدور الأقمار الصناعية حول الأرض بنفس سرعة دوران الأرض حول نفسها، وبالتالي تكون ثابتة بالنسبة لأي نقطة على الأرض، وبالتالي يكون الكابل الذي يصل بين القمر الصناعي والأرض ثابتا لا يتحرك، ثم يتم اختيار نقطة تثبيت الكابل بالأرض بحيث تكون هي مسقط القمر الصناعي على الأرض حتى يكون الكابل مشدودا رأسيا لأعلى دائما.
بعد أن يستقر القمر الصناعي في مداره النهائي حول الأرض يتم إنزال كابل صغير من القمر الصناعي حتى يصل إلى الأرض، حيث يتم استعادة طرفه وتثبيته في منصة على الأرض.
يبلغ طول هذا الكابل حوالي 22000 ميل، في حين لا يتجاوز سُمكه ميكرونا (حوالي 0.0001 سنتيمتر)، وعرضه يقل تدريجيا من 15 سنتيمترا عند نقطة اتصاله بالقمر الصناعي حتى يصل إلى حوالي 5 سنتيمترات عند نقطة اتصاله بالأرض.
الكابل.. في قوة الماس
سيتخيل البعض أن مثل هذا الكابل الذي في سمك الورقة لا يمكن أن يتحمل أي أوزان تعلق عليه، لكن في الحقيقة هو ليس ضعيفا أو هشا، بل هو في قوة تحمل الماس؛ حيث إن له نفس التركيب الجزيئي (يستطيع هذا الكابل أن يدعم أوزان تبلغ حوالي 1238 كيلوجراما).
التركيب الجزيئي للمادة المصنع منها مثل هذا الكابل تتكون من تجمع جزيئات كربونية لها شكل أنبوبي بطول كبير جدا، تسمى ‘Carbon nano-tubes’. مثل هذه المواد التي تحتوي على مثل هذه التركيبة الجزيئية تتمتع بخفة الوزن والمتانة العالية؛ حيث إنها من الناحية النظرية أقوى بحوالي ثلاثين ضِعْفًا من أي معدن آخر.
بعد أن يتم تثبيت الكابل بالمنصة على الأرض تأتي الخطوة التالية؛ فيتم تركيب عربة على الكابل، هذه العربة مثبتة باستخدام عجلات من المطاط، ويمكنها الصعود أو النزول على الكابل باستخدام محركات كهربية.
وتستمد هذه المحركات الطاقة اللازمة لها عن طريق شعاع ليزر مركز على خلايا ضوئية مركبة على السطح السفلي للعربة (السطح المواجه للأرض). هذه الخلايا الضوئية هي المسؤولة عن توليد الطاقة الكهربية اللازمة لحركة المركبة.
يركب بهذه العربة طرف من كابل آخر له نفس مواصفات الكابل الأول، وتصعد العربة على الكابل الأول رافعة معها الكابل الثاني حتى تصل العربة إلى آخر الكابل الأول، ويتم ربط العربة بجسم القمر الصناعي، وبذلك نكون قد حصلنا على كابلين يربطان بين القمر الصناعي والأرض، وهذان الكابلان مجتمعين يتحملان مرة ونصفا أكثر من تحمل الكابل الواحد.
وتتم نفس العملية 207 مرة (أي صعود 207 مراكب فنحصل على 208 كوابل تربط بين القمر الصناعي والأرض)، وفي النهاية نجد أن هذه الكابلات مجتمعة تستطيع تحمل صعود عربة تزن 22 طنا (22000 كيلوجرام)، وهذه العربة يمكن أن تُحمل عليها أوزان تصل إلى 14 طنا، ويمكن رفعها إلى الفضاء (إلى ارتفاع 22000ميل) فيما يشبه المصعد؛ ومن هنا جاءت تسميته ‘مصعد الفضاء’ ‘The Space Elevator’.
مصعد الفضاء.. بأربعين بليون دولار
يجب بداية أن نعلم أن التكاليف المتعلقة بإرسال الأقمار الصناعية إلى الفضاء تتكلف أموالا طائلة؛ فعلى سبيل المثال إطلاق الأقمار الصناعية ذات الأوزان الصغيرة الخاصة بالأرصاد أو المهمات الاستكشافية إلى مدارات قريبة من الأرض يتكلف عدة ملايين من الدولارات. في حين أنه لإطلاق الأقمار ذات الأوزان الكبيرة (حوالي طنين) الخاصة بالاتصالات إلى مداراتها العالية (حوالي 22000 ميل) فإن ذلك يتطلب ما يقرب من 400 مليون دولار.
كما أن عملية إصلاح أو استرجاع أحد الأقمار الصناعية من الفضاء إلى الأرض صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة، باستثناء مكوك الفضاء الذي يتكلف تشغيله أيضا المئات من الملايين من الدولارات.
من هنا نستطيع أن نرى أهمية كبيرة لمصعد الفضاء؛ فهو وإن كانت تكاليف بنائه كبيرة جدا (قُدرت بحوالي 40 بليون دولار) فإن تكاليف الصعود إلى الفضاء باستخدام مصعد الفضاء سوف تنزل إلى عشرة آلاف مرة أقل من التكاليف اللازمة باستخدام الصواريخ أو مكوك الفضاء الآن.
وفي النهاية من الطريف أن نعلم أنه بعد أن أنهى ‘آرثر كلارك’ كتابه ‘نافورات الجنة’ الذي تحدث فيه عن مصعد الفضاء سُئل عن متى يمكن لمثل هذا المصعد أن يتحول من خيال إلى حقيقة؟ فأجاب: بعد أن ينتهي الناس من الضحك عليه بحوالي 50 عاما.