الملاريا مرض تسبّبه طفيليات من فصيلة المتصوّرات التي تنتقل إلى البشر من خلال لسعات البعوض الحامل لها.
وهناك أربعة أنواع من الملاريا البشرية هي:
1- الملاريا المنجلية
2- الملاريا النشيطة
3- الملاريا الوبالية
4- الملاريا البيضوية
وتُعد الملاريا المنجلية والملاريا النشيطة أكثر الأشكال شيوعاً. غير أنّ الملاريا المنجلية هي أشدّ أنواع العدوى فتكاً بالناس.
انتشار المرض
يمكن أن تختلف معدلات انتشار الملاريا باختلاف العوامل المحلية مثل أنماط تساقط الأمطار (البعوض يتكاثر في الظروف الرطبة)، وقرب مواقع تكاثر البعوض من الناس، وما يوجد في المنطقة من أنواع البعوض الحامل للعدوى. وتشهد بعض المناطق حدوث عدد شبه ثابت من الحالات طوال السنة- وهي تُدعى بالتالي “مناطق تتوطنها الملاريا”- بينما تشهد مناطق أخرى “مواسم الملاريا”، التي تتزامن، عادة، مع موسم الأمطار.
ويمكن أن تحدث أوبئة واسعة ومدمّرة من الملاريا عندما يتم إدخال الطفيلي الذي يحمله البعوض إلى مناطق لم يتعرّض فيها السكان له إلاّ قليلاً، ممّا ينقص من مناعتهم حيال المرض أو يجعلها منعدمة، أو عندما ينتقل أشخاص من ذوي المناعة المنخفضة إلى مناطق تشهد وقوع حالات من الملاريا بشكل مطّرد. ويمكن أن تظهر تلك الأوبئة بسبب ظروف الطقس وتتفاقم جرّاء الفيضانات أو نزوح السكان بأعداد كبيرة بسبب النزاعات.
الأعراض
تظهر أعراض المرض الشائعة الأولى – الحمى والصداع والارتعاش والتقيّؤ- عادة، في غضون 10 أيام إلى 15 يوماً بعد اكتساب العدوى. ويمكن أن تتسبّب الملاريا، إذا لم تُعالج على وجه السرعة بأدوية ناجعة، في حدوث حالات مرضية وخيمة وقد تؤدي إلى الوفاة في غالب الأحيان.
من هي الفئات المعرضة للملاريا؟
تحدث معظم الحالات والوفيات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. غير أنّ آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة الشرق الأوسط وبعض المناطق الأوروبية باتت تشهد أيضاً حدوث حالات من المرض. وقد شهدت 109 من البلدان والأقاليم حدوث حالات من الملاريا في عام 2006.
والفئات الأكثر تعرضاً بوجه خاص هي:
* المسافرون (من ذوي المناعة القليلة أو المنعدمة تماماً) من المناطق الخالية من الملاريا إلى المناطق التي يسري فيها المرض معرّضون بشدّة لمخاطر الإصابة بالعدوى.
* الحوامل اللائي لا يمتلكن المناعة اللازمة يواجهن خطر الإصابة بالملاريا. ويمكن أن يؤدّي المرض إلى تعرّض نسبة كبيرة من الحوامل للإجهاض التلقائي ووفاة ما يزيد على 10% منهن كل عام (وقد ترتفع تلك النسبة إلى 50% في حالات الملاريا الوخيمة).
* الحوامل اللائي يتعرّضن لعدوى الملاريا ولا يمتلكن قدراً كافياً من المناعة يواجهن خطر الإصابة بفقر الدم الوخيم وخطر اختلال نمو الأجنة في بطونهن، وذلك حتى إذا لم تظهر عليهن أيّة علامات توحي بإصابتهن بحالة إكلينيكية حادة. وتشير التقديرات إلى أنّ حالات الملاريا التي تحدث أثناء فترة الحمل تتسبّب في وفاة 000 200 رضيع كل عام.
* الحوامل المصابات بفيروس الأيدز يواجهن قدراً أكبر من المخاطر، حيث تضعف المناعة المكتسبة لديهن نتيجة الإصابة بالفيروس.
العلاج
من شأن العلاج المبكّر الإسهام في تقليص فترة العدوى وتوقي مضاعفات المرض وتجنّب معظم الوفيات التي يتسبّب فيها. ويمثّل التدبير العلاجي لحالات الملاريا جزءاً لا يتجزّأ من التنمية الصحية على الصعيد العالمي وذلك بسبب العبء الذي يفرضه هذا المرض على الصحة في البلدان المنخفضة الدخل. والغرض من العلاج هو تحقيق الشفاء للمرضى بدلاً من تقليص عدد الطفيليات التي يحملونها.
ويتمثّل أفضل علاج من بين العلاجات المتوافرة لمكافحة الملاريا، ولاسيما الملاريا المنجلية، في توليفة من الأدوية تُعرف باسم المعالجات التوليفية التي تحتوي على مادة الأرتيميسينين. غير أنّ قدرة الطفيلي المتنامية على مقاومة الأدوية تعرقل جهود المكافحة. ولا توجد، حالياً، أيّة بدائل فعالة متاحة في الأسواق أو قيد الاستحداث يمكن الاستعاضة بها عن الأرتيميسينين لعلاج هذا المرض.
وفيما يلي بعض توصيات منظمة الصحة العالمية في هذا المجال:
* التعجيل بعلاج جميع نوبات المرض (في غضون 24 ساعة من ظهور الأعراض إذا أمكن ذلك)؛
* استعمال الناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات لتوقي لسعات البعوض الحامل للعدوى أثناء الليل؛
* العمل، فيما يخص الحوامل اللائي يعشن في المناطق التي يتوطنها المرض بكثرة، على توفير جرعات وقائية من السلفادوكسين- البيريميثامين لتخليص المشيمة من الطفيلي بشكل دوري.
* الرشّ الثمالي داخل المباني من أجل القضاء على البعوض الذي يبقى في جدران البيوت وسقوفها.
مقاومة طفيل الملاريا للأدوية
لقد شهدت ظاهرة مقاومة الطفيلي للأدوية الشائعة المضادة للملاريا انتشاراً بسرعة فائقة. ولتلافي حدوث تلك الظاهرة مع مختلف مركّبات الأرتيميسينين ينبغي استخدام تلك المركّبات بطريقة توليفية مع أدوية أخرى ولا ينبغي استخدامها كمعالجة أحادية (استعمال دواء لا يحتوي إلاّ على مادة الأرتيميسينين بدلاً من استخدام قرص توليفي أقل نجاحاً). ذلك أنّ العلاج الأقلّ نجاحاً الذي لا يحتوي إلاّ على دواء واحد يزيد من حظوظ الطفيلي في تطوير مقاومته للدواء. ولا بدّ من رصد فاعلية الأدوية بشكل مكثّف للاحتماء من انتشار سلالات الملاريا المقاومة للأدوية وانتقالها إلى مناطق أخرى من العالم.
وتوصي منظمة الصحة العالمية بمواصلة أنشطة الرصد في هذا المجال وهي تساعد البلدان، حالياً، في العمل الذي تقوم به من أجل تعزيز جهود مراقبة الأدوية.
الوقاية
تركّز الوقاية على الحدّ من نسبة انتشار المرض بمكافحة البعوض الحامل له. وهناك تدخلان رئيسيان لمكافحة الناقلات هما:
1- اللجوء إلى أسلوب عالي المردود يتمثّل في استخدام الناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات المديدة المفعول؛
2- الرشّ الثمالي داخل المباني باستعمال مبيدات الحشرات.
ويمكن استكمال هذين التدخلين الأساسيين، على الصعيد المحلي، بوسائل أخرى من وسائل مكافحة البعوض(مثل العمل، ضمن تدابير أخرى، على تقليص مسطحات المياه الراكدة التي يتكاثر فيها البعوض).
مقاومة البعوض لمبيدات الحشرات
يجري تعزيز جهود مكافحة البعوض في العديد من المناطق، غير أنّ ثمة تحديات كبرى مازالت قائمة، منها:
* زيادة مقاومة البعوض لمبيدي الحشرات الأساسيين وهما الدي دي تي ومركّبات البيريثرويد، ولاسيما في أفريقيا
* انعدام مواد بديلة وفعالة لإبادة الحشرات.
* السلوكيات المتغيّرة التي تطبع البعوض الناقل للمرض على المستوى المحلي، والتي يمكن أن تحدث نتيجة جهود مكافحة الناقلات (مع انتقال البعوض إلى مناطق تساعد بشكل أكبر على تكاثره).
ولا توجد، حالياً، أيّة بدائل لمادة الدي دي تي ومركّبات البيريثرويد، علماً بأنّ استحداث مبيدات جديدة من الجهود الطويلة الأجل التي تنطوي على تكاليف كبرى. وعليه لا بدّ، في مجال التصدي للناقلات، من انتهاج الممارسات القائمة على إدارة مبيدات الحشرات بالطرق السليمة.
وينبغي أن يكون الكشف عن ظاهرة المقاومة من العمليات الروتينية التي تطبع برامج مكافحة الناقلات على الصعيد الوطني لضمان استخدام أكثر أساليب المكافحة فعالية.
الآثار الاقتصادية
تفرض الملاريا، إلى جانب العبء البشري، عبئاً اقتصادياً فادحاً في المناطق التي ترتفع فيها معدلات انتشارها، حيث تسهم في تخفيض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تناهز 1.3% في البلدان التي ترتفع فيها مستويات انتشارها. وقد أدّت تلك الخسائر السنوية، عندما تجمّعت على مدى سنوات عديدة، إلى حدوث اختلافات كبرى في الناتج المحلي الإجمالي بين البلدان التي تنتشر فيها الملاريا والبلدان الخالية منها (خصوصاً في أفريقيا).
وتشمل التكاليف المرتبطة بالملاريا مجموعة من النفقات الشخصية والعامة التي تُدفع في سبيل الوقاية من المرض وعلاجه. ويستأثر هذا المرض، في بعض البلدان التي تنوء بعبء فادح من جرائه، بنحو:
40% من نفقات الصحة العمومية.
30 إلى 50% من عمليات إدخال المرضى إلى المستشفيات.
60% من عمليات زيارة المرضى في بيوتهم.
وتصيب الملاريا، بشكل مفرط، الفئات المحرومة والفقيرة التي لا يمكنها تحمّل تكاليف العلاج أو الفئات التي لا تستفيد من خدمات الرعاية الصحية إلاّ بشكل محدود، وتدفع بالأسر والمجتمعات المحلية في حلقة مفرغة من الفقر.
التخلّص من المرض
تظهر البيانات الصادرة في الآونة الأخيرة أنّ انتهاج الاستراتيجيات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، على نطاق واسع، من الأمور الكفيلة بتسريع الحدّ من انتشار الملاريا، لاسيما في المناطق التي ترتفع فيها معدلات انتشارها، مثل أفريقيا. وقد حقّقت المنظمة والدول الأعضاء فيها إنجازات هائلة في الجهود التي تبذلها من أجل التخلّص من هذا المرض. ومن الأمثلة على ذلك تمكّن ملديف وتونس والإمارات العربية المتحدة من التخلّص منه. ويعود نجاح البلدان في هذا الميدان إلى الالتزامات القوية على الصعيد الوطني والجهود التي تُبذل بشكل منسق مع الشركاء.