الإمامة
هي رئاسة عامة في حراسة أمر الدين والدنيا، خلافة عن النبي
حكمها :
يري جمهور علماء المسلمين أنها واجبة علي الكفاية، فقد اجتمع الصحابة بعد وفاة النبي ( علي استخلاف أبي بكر الصديق، فكان ذلك إجماعًا، لأن الناس لا يصلحون بدون قائد في كل زمان.
وقد جاء الشرع بتفويض الأمور إلي ولي في الدين، قال-عز وجل- : {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]. ويعني هذا أن طاعة أولي الأمر تقتضي وجوب نصبهم وإقامتهم.
وقد مارس الرسول ( سلطات سياسية لا تصدر من غير قائد دولة،كإقامة الحدود وعقد المعاهدات وتعيين الجيوش وتعيين الولاة وفصل الخصومات بين الناس في الشئون المالية والجنائية ونحو ذلك.
وشذت طائفة وقالت: إن إقامة الإمام جائزة، ولا يلتفت لكلامهم، فإن في الأخذ بهذا الرأي ضياع للدين والدنيا، وفساد لمصالح الناس.
كيفية اختيار الإمام:
ذكر الفقهاء أربع طرق لتعيين الإمام، وهي: النص، والبيعة، وولاية العهد، والقهر والغلبة، وطريقة الإسلام الصحيحة عملا بمبدأ الشوري، وفكرة الفروض الكفائية هي طريقة واحدة وهي بيعة أهل الحل والعقد، وانضمام رضا الأمة باختياره، ماعدا ذلك، فمستند ضعيف، بسبب التعسف في تأويل النصوص، والاعتماد علي نصوص واهية، وأهواء خاصة، أو إقرار واقع قائم لم يجد المسلمون حكمة أو مصلحة في الثورة عليه،أو القضاء علي وجوده، حقنًا للدماء، ومنعًا للفوضي، ومراعاة لظروف خارجية.
أما التعيين بالنص، فالوارد هو اقتصاره علي عَلِيِّ بن أبي طالب كما فهمت الشيعة، واستدلوا بأحاديث ووقائع أولوها لتوافق رأيهم، إلا إنها بجملتها ليس فيها شيء يصح في تولية عَلِيِّ بعد النبي (، وإلا كان الصحابة آثمين حينما ولوا أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-ولوكان علي أحق بالخلافة لكان أمرًا مشتهرًا بين الصحابة، ولكن هذا لم يحدث.
أما التعيين بولاية العهد فقد أجازه الفقهاء مادام الموصي إليه أهل للإمامة، وقد أوصي أبو بكر لعمر، وأوصي عمر لأهل الشوري، ولم يكن في ذلك خلاف من أحد، فكان إجماعًا معتدًا به، مع رضا الأمة بذلك، ولا تجوز أن تورث الإمامة.
أما الإمامة بالقهر وبالغلبة فهي حالة استثنائية غير متفقة مع الأصل الموجب لكون السلطة قائمة بالاختبار، وإقرارها فيه مراعاة لحال واقعة للضرورة، ومنعًا من سفك الدماء.
ولا يجوز الخروج علي الحاكم المسلم مهما كان فاسقًا مادام يقيم شعائر الإسلام، فإن في قتاله إزهاقًا لأرواح كثير من المسلمين، بل يجب الصبر عليه، والنصح والإرشاد له، والدعاء أن يهديه الله، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
طريقة البيعة:
اتفق فقهاء المسلمين -عدا الشيعة الإمامية- أن تعيين الخليفة يكون بالبيعة، وهي الاختيار والاتفاق بين الأمة وشخص الخليفة، فهي عقد يتم بإرادة كل منهما علي أساس من التراضي.
ونظرية البيعة في الإسلام سبقت كل متحدث في كيفية تولية الحاكم، كنظرية جان جاك روسو الذي افترض أن أساس السلطة السياسية عقد اجتماعي بين الشعب والحاكم.
وأهل الحل والعقد يمثلون الأمة في اختيار الإمام، وأن الأمة هي مصدر السلطة التنفيذية، لأن حق التعيين والعزل ثابت لها.
وأهل الحل والعقد هم المجتهدون والرؤساء ووجوه الناس الذين يقومون باختيار الإمام نيابة عن الأمة.
وظيفة أهل الحل والعقد
وترتكز وظيفة أهل الحل والعقد علي الترشيح والترجيح في اختيار الإمام وفق المصلحة والعدل، فيقدم للبيعة منهم أكثرهم فضلا، وأكملهم شروطًا، ومن يسرع الناس في طاعته، فإن توافرت الشروط في أكثر من واحد روعي السن، والعلم والشجاعة، وغير ذلك في الأفضلية.
شروط أهل الحل والعقد:
يشترط فيمن يكون أهلا ليمثل أهل الحل والعقد ما يلي:
1- العدالة: ويقصد بها أنها ملكة تحمل صاحبها علي ملازمة التقوي والمروءة، من حيث امتثال أوامرالله، واجتناب المنهيات الشرعية.
2- العلم: الذي يتوصل به إلي معرفة من يستحق الإمامة علي الشروط المعتبرة فيها.
3- الرأي والحكمة في تدبير الأمور والمصالح: لكون الإمام لا يستغني عنهما.
عدد أهل الحل والعقد:
اختلفت الآراء في عدد أهل الحل والعقد، والأصوب أنه ليس هناك ارتباط بين اختيار أهل الحل والعقد وبين العدد، وما سبق من الآراء مصحوبة بحوادث كأدلة، كالقول بأن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة، وجعل عمر أهل الشوري الذين يختارون الخليفة منهم ستة. وقيل: تنعقد بثلاثة. وقيل: تنعقد بواحد. فليس في كل ما ذكر أمر معتبر، وإنما هو اجتهاد غير ملزم؛ لاختلاف الأحوال والأزمان ومصالح الناس.
شروط الإمام:
يشترط فيمن يرشح للإمامة أو الوزارة ، ما يلي:
1- أن يكون مسلمًا، حرّا، ذكرًا، بالغًا، عاقلا: فلا يصلح العبد، أو الأنثي، أو الصبي، أو المجنون.
2- العدالة: ويقصد بها الديانة والأخلاق الفاضلة، وهي في الجملة التزام الواجبات الشرعية، والامتناع عن المنكرات والمعاصي المحرمة في الدين.
3- الكفاية العلمية: وذلك حتي يكون قادرًا علي استنباط الأحكام فيما يجد من حوادث ونوازل، أو ما يستنبط من أحكام شرعية، وغيرها من أحوال السياسة الشرعية.
4- حصافة الرأي في القضايا السياسية والحربية والإدارية.
5- صلابة الصفات الشخصية: بأن يتوافر فيه الجرأة والشجاعة والنجدة، وجهاد الأعداء، وإقامة الحدود، وإنصاف المظلوم.
6- سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان: ليتمكن من مباشرة أعمال الخلافة وقد فصّل العلماء الكلام في هذا الأمر.
* وقد اشترط بعض العلماء أن يكون الخليفة من قريش، وهو أمر لا اتفاق عليه، والأولي أن يختار الإمام وفق ما هو أصلح للأمة بعيدًا عن المكان أو النسب.
وظائف الإمام وواجباته
قسم الفقهاء واجبات الإمام إلي وظائف دينية، ووظائف سياسية.
الوظائف الدينية:
يجب علي الإمام القيام بوظائفه الدينية، وهي:
1- حفظ الدين: وذلك بالمحافظة علي أحكامه، وحماية حدود الله، وعقاب من يخالفها.
2- الجهاد في سبيل الله: ضد كل عدو أو معتد، أو خارج عن الإسلام، لأن الجهاد هو السياج الذي يحفظ الدين {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} [التوبة: 14]. وغير ذلك من الآيات التي تدعو إلي الجهاد.
3- جباية الفيء والغنيمة والصدقات: والصدقات هي ما تؤخذ من أموال المسلمين تطهيرًا لهم. أما الفيء فهو كل ما وصل من المشركين عفوًا من غير قتال. والغنيمة:ما وصل من أموال المشركين عنوة وبقتال. والفيء والغنيمة أموال تؤخذ من الكفار انتقامًا، والصدقات توزع في مصارفها الشرعية الثمانية، أما أموال الفيء والغنيمة فتصرف في المصالح العامة.
4- القيام علي شعائر الدين: من أذان وإقامة الصلوات وصيام وحج، ويعين الخليفة الإمام والمؤذن للصلاة، ويصون المساجد ويرعاها، ويؤم الناس في الصلاة إذا حضر، وييسر للحجيج إقامة شعائر الحج، ويشرف علي وقت الصيام بدءًا ونهاية، والإشراف علي كل ما يتعلق بالدين.
الوظائف السياسية:
للخليفة وظائف سياسية يجب القيام بها، أهمها:
1- المحافظة علي الأمن والنظام العام في الدولة.
2- الدفاع عن الدولة في مواجهة الأعداء.
3- الإشراف علي الأمور العامة بنفسه.
4- إقامة العدل بين الناس.
5- إدارة المال.
6- تعيين الموظفين في الدولة.
انتهاء ولاية الحاكم:
تنتهي ولاية الحاكم بموته،أو بخلع نفسه، أو بعزله إذا تغير حاله، كجرح عدالته، أونقص في بدنه نقصًا لا يليق بالخلافة.
حقوق الإمام الحاكم:
للحاكم تجاه المحكومين حقان: الطاعة في غير معصية، والنصرة ما لم يتغير حاله.
1- حق الطاعة: إذا بويع الإمام؛ وجبت طاعته من كل الرعية بلا استثناء، يقول النبي ( :(يد الله مع الجماعة، ومن شذ، شذ في النار) [الترمذي]. وعنه ( قال:(علي المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية،فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) [أحمد وأصحاب السنن].
وإذا أخطأ الحاكم خطأ غير أساسي لا يمس أصول الشريعة؛ وجب علي الرعية تقديم النصح له باللين والموعظة الحسنة، يقول النبي (: (الدين النصيحة). قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال:(لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) [مسلم].
ولكن لا طاعة له إذا ظهرت معصية تتنافي مع تعاليم الإسلام القطعية الثابتة، لقول النبي (: (لا طاعة لأحد في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) [متفق عليه].
ولا يجوز الخروج علي الحاكم بثورة مسلحة إلا إذا أعلن الكفر صراحة، فإن أعلن الكفر صراحة وجب عزله، فعن عوف بن مالك الأشجعي أن النبي ( قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم[يعني الدعاء]،وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)[مسلم].
وعن عبادة بن الصمت قال: (دعانا النبي (، فبايعناه علي السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندكم من الله فيه برهان) [البخاري].
2-مناصرة الإمام ومؤازرته: يجب علي الأمة أن يتعاونوا مع الحاكم في كل ما يحقق التقدم والخير والازدهار في جميع المجالات الخارجية والداخلية، بإقامة المجتمع الخير، وتنفيذ أحكام الله. قال تعالي: {ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران: 104]. وقال أيضا: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [آل عمران: 110].
وقد جعل رسول الله ( مسئولية الرعاية علي كل فرد في المجتمع، يقول النبي (: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية ومسئولة عن رعيتها...) [متفق عليه].
وعنه ( أنه قال: (والذي نفسي بيده، لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه، فلا يستجيب لكم)[الترمذي].
وتتحدد سلطات الخليفة في الإسلام بالأسس التالية:
1- يخضع الخليفة للتشريع الإسلامي: ويطالب بتنفيذ أحكامه، وإصدار القوانين لما قرره الشرع.
2- ليس للحاكم سلطة التشريع: فالتشريع حق لله وحده.
3- يلتزم الحاكم وأعوانه بقواعد نظام الحكم الإسلامي ومبادئه العامة: التي حددها الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله (.
وأهم هذه القواعد: الشوري، والعدل، والمساواة في الحكم بين الناس، والحفاظ علي كرامة الإنسان، والحرية في العقيدة والفكر والقول ما لم تكن هناك مخالفة لقواعد الدين، ورقابة الأمة بحيث تكون هي التي تراقبه في تطبيق الشرع، وإذا انحرف عن الشرع نصحته، وإلا عزلته.