مسائل مهمة في إحداد المرأة
السؤال:
توفي والدي - رحمه الله وأدخله فسيح جناته؛ إنه سميع مجيب - مع العلم أن والدتي عمرها 65 سنة، حفظها الله.
1. هل يجوز لأمي في العدَّة أن تضع العطر في بيتها عندما يضيق نَفَسها؟
2. هل يجوز لها أن تزور أبناءها وبناتها، وأن تنام عندهم؛ لتخفيف الحزن عنها؟
3. هل يجوز لها أن تصبغ شعرها أو تقصَّ منه شيئاً؟
4. هل عدَّة المرأة كبيرة السن - أو التي يئست من الحيض - تختلف عن المرأة صغيرة السن؟
أرجو إفادتي بالإجابة عن أسئلتي، وجزاكم الله كل الخير، وجعلها في ميزان حسناتكم.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإنه يجب على الزوجة التي توفي عنها زوجها أن تعتدَّ أربعة أشهر وعشرة أيام، إن كانت غير حاملٍ؛
لقوله – تعالى -: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]،
وفي "الصحيح" عن زينب بنت جحش، وعن أم حبيبة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحدُّ على ميِّتٍ فوق ثلاث، إلا على زوجٍ أربعة أشهر وعشراً)).
فيتعين على المرأة ترك الزينة، وترك الطيب بجميع أنواعه، وكذلك زينة بدنها من خِضَابٍ ومساحيق وكحل وما إلى ذلك، وترك لِبْس الحُلِيِّ بأنواعه، حتى الخاتم ونحوه، وترك لبس الثياب الملونة للزينة، فتمنع من كل ما يُعد زينة شرعاً أو عرفاً، سواء اتصل بالبدن أو الثياب، ولا يتعين عليها لباس السَّوَاد، بل تلبس ما شاءت من اللباس المبتذل الذي لا يراد للزينة لحديث أم عطية في الصحيحين – قالت: ((كنا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ على ميِّتٍ فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوباً مصبوغاً إِلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ، وقد رُخِّصَ لنا - عند الطُهْرِ، إذا اغتسلت إحدانا من محيضها - في نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أظفار، وكنا نُنْهَى عن اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ)).
لكن لو احتيج لشيء من ذلك على سبيل التَّدَاوِي، فلا مانع منه، ويُرَخَّصُ فيه بقدر الضرورة.
وعليه؛ فلو وصف الأطباء لأُمُّكِ العطر كعلاج، فلا بأس باستعماله لضرورة التداوي.
أما خروج المُعتدة من البيت الذي توفى عنها زوجها فيه، فلا يجوز، إلا إذا وُجد عذر يُرخص لها في ذلك: كمراجعة الأطباء، أو إزالة الوحشة الحاصلة لها بطول المكث، أو إجراء البيع الذي لا يتم إلا بحضورها، ونحو ذلك؛ فتخرج نهاراً وتعود للمبيت في بيتها، كما يحرم عليها أن تتحول عن السكنى فيه إلا لحاجة أو ضرورة على نفسها أو على مالها أو فيما لو أخرجها صاحب المنزل – مثلاً - بغير اختيارها ونحو ذلك، فإن خرجت من مسكنها بدون مسوغ شرعي لزمها أن تعود إليه لتكمل عدتها فيه.
أما صبغ الشعر للمُعْتَدَّةِ بسبب وفاة زوجها، فَيَحْرُم ولو بغير الحناء؛ لأن ذلك من الزينة المُحَرَّمَةِ في حَقِّهَا؛ قال ابن قدامة في "المغني": "الثاني: اجتناب الزينة، وذلك واجب في قول عامة أهل العلم، منهم ابن عمر، وابن عباس، وعطاء، وجماعة أهل العلم يكرهون ذلك، وينهون عنه".
وقال في "منح الجليل شرح مختصر خليل" – المالكي -: "تركت - يعني الْمُتَوَفَّى عنها - (التزين) في بدنها؛ (فلا تَمْتَشِط بِحِنَّاءٍ) بالمد والتنوين (أو كَتم) بفتح الكاف والفوقية صبغ يُذْهِبُ حُمْرَةَ الشَّعرِ ولا يُسَوِّده (بخلاف نحو الزيت) الخالي عن الطيب (والسِّدْرِ).
ولْيُعْلَم؛ أنه لا فارق بين الشَّابَّةِ والعجوز فيما ذكرنا من وجوب العدة والإحداد؛ لعموم النصوص التي لم تُفَرِّق بين صغيرة وكبيرة.
فعدة الوفاة فريضة على كل امرأة مات عنها زوجها، سواء كانت عجوزاً أو غير عجوز، وسواء كانت تحيض أو لا تحيض، والمدخول بها وغير المدخول بها سواءٌ في لزوم عدة الوفاة؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234].
وقال ابن القيم في "زاد المعاد": "وأما عِدَّةُ الوفاة فتجب بالموتِ سواء دخل بها أو لم يدخل اتفاقاً، كما دل عليه عموم القرآن والسنة". وقال القرطبي في "تفسيره": "عدة الوفاة تلزم الحُرَّةُ والأمة، والصغيرة والكبيرة، والتي لم تبلغ المحيض، والتي حاضت، واليائسة من المحيض، والكتابية - دخل بها أو لم يدخل بها، إذا كانت غير حامل- وعدة جميعهن إلا الأَمَةَ أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لعموم الآية في قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234]".
إذا تَقَرَّرَ هذا، عُلِمَ أن استثناء المرأة العجوز من العدة في بعض المجتمعات من المفاهيم الخاطئة،، والله أعلم.
إجابة الشيخ خالد الرفاعي - مراجعة الشيخ سعد الحميد حفظهما الله