وايْتانجي، معاهدة. معاهدة وايتانجي كانت بين شعب الماووري في نيوزيلندا والحكومة البريطانية.
أصبحت نيوزيلندا مستعمرةً بريطانية طبقا لهذه المعاهدة اعتبارا من عام 1840م. وقد تنازل الماووريون عن كل حقوق السيادة وسلطات السيطرة والسلطة على أراضيهم للملكة فكتوريا. ووافقوا كذلك، على ألايبيعوا أراضيهم إلا للملكة عن طريق ممثليها. ومن ناحية أخرى، ضمنت الحكومة البريطانية للماووريين ملكية تامة لجميع أراضيهم، وقراهم، وغاباتهم، ومصائد أسماكهم، مادامت لهم الرغبة في استبقائها في حيازتهم. وينطبق هذا الضمان على كل الملكيات، سواء لجماعات أو لأفراد. وقد تعهدت الملكة بحماية الماووريين، ومنحهم جميع الحقوق المقررة للرعايا البريطانيين.
أدت مجموعة من العوامل المختلفة إلى دفع الحكومة البريطانية إلى التدخل في نيوزيلندا. ولبضع سنين، كانت بريطانيا تتمتع بمركز مؤثر تجاه الماووريين من خلال أنشطة المنصرين الإنجليز من البروتستانت. ففي الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، أدّى اتساع أعمال أولئك المنصّرين إلى اتصال أعداد أكبر من الماووريين بأفكار أجنبية، ومؤثرات أخرى مضطربة. وفي الوقت ذاته، كان نمو التجارة، واستيطان عناصر وافدة من نيو ساوُث ويلز، يجعلان من نيوزيلندا امتدادًا اقتصاديًا لتلك المستعمرة. وقد لفت المنصّرون، والتجار، وغيرهم ممن عنوا بأمر نيوزيلندا، الانتباه إلى ضرورة ممارسة الحكومة البريطانية لشيءٍ من السيطرة على تلك البلاد. فقد كان تدهور القانون والنظام يؤثر على الأوروبيين والماووريين معًا. ومع ذلك، أرجأت الحكومة البريطانية اتخاذ قرار بهذا الشأن. وعلى الرغم من أنه كان هناك إدراك على المستوى الرسمي بقيام مسؤولية ما لحكم الرعايا البريطانيين وحماية الماووريين من النتائج الأسوأ للتغيرات التي كانت تحدث في مجتمعاتهم، فإن الحكومة كانت متمنعة في الاضطلاع بمسؤولية إقامة مستعمرة بريطانية جديدة، فضلاً عن أنها كانت تخشى ـ وبصدق ـ من أن يكون أي تدخل بريطاني جديد ضارًا بمصالح الماووريين.
وتم الاهتداء إلى حل مؤقت يتمثل في تعيين جيمس بوسبي ـ وهو أحد البريطانيين المقيمين ـ ممثلاً للحكومة، عام 1839م، لتولي حراسة المصالح البريطانية، وتحقيق رفاهية الشعب الماووري. وقد مُنحت نيوزيلندا، أيضًا شيئًا من الاعتراف الرسمي بها دولةً مستقلة. وعندما أثبتت هذه التدابير عدم فعاليتها، وجدت الحكومة البريطانية نفسها مضطرة للتحرك. وقد عجلت واقعة شراء الأوروبيين ـ وبشكل سريعً ـ مناطق شاسعة من أراضي الماووريين، بتصرفات قانونية مشكوك في صحتها، باتخاذ القرار النهائي، سنة 1839م، بجعل نيوزيلندا مستعمرةً بريطانيةً. وإضافة إلى ما تقدم، كانت شركة نيوزيلندا قد شرعت في وضع خطط لاستعمار مناطق كبيرة من البلاد من إنجلترا.
وفي أغسطس سنة 1839م، عينت الحكومة البريطانية ولْيم هوبسون قنصلاً لها في نيوزيلندا. وصدرت له التعليمات بالتفاوض مع الماووريين بغرض التوصل إلى معاهدة معهم تكتسب بريطانيا بموجبها السيادة على نيوزيلندا، التي سوف يكون هو نفسه نائبًا لحاكمها. اضطلع هوبسون بأعباء وظيفته نائبًا للحاكم فور وصوله مباشرةً إلى نيوريلندا بتاريخ 29 يناير 1840م. وفي غضون الأيام التي تلت ذلك، تمت صياغة شروط تلك المعاهدة.
ففي الخامس من فبراير، دعا هوبسون الرؤساء إلى اجتماع في وايتانجي بمنطقة خليج الجزر. وتُلي على الحضور نص المعاهدة التي ترجمها إلى لغة الماووري هنري وايمز، أحد المنصرين. وتبع ذلك جدل عنيف، بين الرؤساء. فكثير منهم وقف موقفًا معارضًا للمعاهدة. وأبدى أولئك أسفهم لضياع الأرض التي بيعت للأوروبيين، وطالبوا بمعرفة الإجراء الذي سوف تتخذه الحكومة البريطانية في هذا الشأن. وكانت هناك، أيضًا، شكاوى حول معاملات تجارية غير منصفة أجراها أوروبيون مع ماووريين. وقد شكك بعض الرؤساء في مقدرة هوبسون على فرض سيطرته على تلك الأمور. وكان الماووريون قلقين، على وجه الخصوص، من أن يؤدي الحكم البريطاني إلى ضياع استقلالهم.
استحسن بعض الرؤساء الآخرين المعاهدة، خاصة أولئك الذين كان لهم اتصال وثيق بالمنصرين، أمثال هوني هيكي، وتاماتي واكانيني، وإرويرا مايهي باتووني. واستنتج هيْكي أن الماووريين ليس في مقدورهم معرفة كيفية تأثير الحكم البريطاني في شعبهم. ولكنه حث على قبول ذلك التغيير بقدرٍ من الثقة، لأن خياري الحكم الفرنسي وسلوك الرعايا البريطانيين غير المقيد في نيوزيلندا لم يكن مرغوبًا فيهما. وقال نيني كلامًا مشابهًا لذلك، وأضاف أنه قد فات الأوان لرفض إقامة حكومة بريطانية في البلاد، لأن الأوروبيين قد أخذوا أراضي ماوورية كثيرة بالفعل، ولا سبيل للماووريين إلى إعادة السيطرة عليها. وقال باتووني إن البلاد في حاجة إلى حاكم بريطاني يكون الأب والقاضي وصانع السلام بالنسبة لكل واحد من الماووريين أو الأوروبيين على حد سواء.وقد أقنعت هذه الحجج المؤيدة للمعاهدة كثيرًا من الرؤساء.
وفي 6 فبراير، وافق أكثر من أربعين رئيسًا على المعاهدة، سواء بالتوقيع على وثيقتها، أو برسم علامة مُوْكوُ الخاصة بهم عليها ـ وتمثل هذه العلامة جزءًا من تصميم الوشم الذي يضعونه على وجوههم. وقد وقّع هوبسون، بوصفه قنصلاً، ونائبًا للحاكم، على المعاهدة نيابةً عن الحكومة البريطانية. وفي ظرف أسبوعٍ واحد، أضيف إلى المعاهدة أكثر من مائةٍ من أسماء رؤساء آخرين. وقد تم التنازل، فقط عن إقليم نيوزيلندا الشمالي، ولكن هوبسون كان يرى، وقتئذٍ، أن هذه الخطوات الأولى التي تتخذ أسلوب عقد المعاهدات، إنما تمثل التدابير الأكثر أهمية نحو نقل سيادة نيوزيلندا إلى التاج البريطاني. ومع ذلك، كان من الضروري وقتذاك تأكيد سلطة بريطانيا على كل البلاد، بإقناع الرؤساء في أماكن أخرى لإضافة أسمائهم إلى المعاهدة. وعندما حال مرض مفاجئ، دون تنقل هوبسون، أخذ موظفون بريطانيون ومنصرون إنجليز نسخًا من المعاهدة لجمع توقيعات مابقي من الرؤساء، أو الحصول على علامات الموكو الخاصة بهم. وقد أفلح هؤلاء في الحصول على موافقة معظم المناطق. فانضم إلى المعاهدة، أكثر من خمسمائة رئيس بصفة نهائية. وكان من بين الموقعين نسوة من ذوات المنزلة الرفيعة. غير انه كان هناك إغفال للمعاهدة في مناطق أخرى مهمة. فقد كان من بين الرؤساء الذين رفضوا التوقيع على المعاهدة تي ويْرُو ويرُو، الرئيس الأكبر لإقليم وايْكاتُو، وتي هيُوهيُو، الذي كان يتمتع بنفوذ على كثير من الماووريين في الجزيرة الشمالية الوسطى.
وفي 21 مايو، أعلن هوبسون أن نيوزيلندا مستعمرة بريطانية، على الرغم من أن جميع نسخ المعاهدة لم تكن قد أُعيدت إليه حتى ذلك التاريخ. وقد بني ذلك الادعاء البريطاني استنادًا إلى حجج هي أن الماووريين قد تنازلوا لبريطانيا عن الجزيرة الشمالية بموجب معاهدة وايتانجي، وأن جيمس كوك سبق أن اكتشف الجزيرة الجنوبية وجزيرة ستيوارت وأثبت الحق في تملكهما.
ودون علمٍ بالإعلانات التي أصدرها هوبسون، أصدر توماس بنْبري، أحد موظفي الحكومة، إعلانات أخري بفرض السيادة البريطانية على الجزيرة الجنوبية وجزيرة ستيوارت، عندما حصل على توقيعات على معاهدة بالنسبة لتلك المناطق. وقد أكد نشر إعلانات هوبسون في لندن في أكتوبر سنة 1840م، دون نزاع قانوني، أن نيوزيلندا مستعمرة بريطانية.
واعتبارًا من سنة 1840م، أصبحت المعاهدة محلاً للنقد الشديد والجدل. ونشأت الصعوبة الكبرى من أن بعض الكلمات التي استُعملت في الترجمة الماوورية للمعاهدة لم تكن تحمل المعنى ذاته الذي تحمله الكلمات المقابلة لها في النص الإنجليزي. وقد وقع تسعة وثلاثون رئيسًا على النص الإنجليزي، في حين وقع الباقون على الترجمة الماوورية لذلك النص. ففي حين يقول النص الإنجليزي أن الماووريين تنازلوا عن السيادة، تقول الترجمة الماوورية إنهم وافقوا على إنشاء وظيفة حكم بريطاني أو نظام حاكم بريطاني. وفي حين يقول النص الإنجليزي بضمان حيازة الماووريين للأراضي، تنص الترجمة الماوورية على تأكيد حق الماووريين في إنشاء نظام حكم الرؤساء على أراضيهم. وقد تسببت هذه التناقضات، مع أوجه القصور الأخرى التي شابت تفاهم الطرفين، في إثارة كثير من الشك حول تفسير المعاهدة. ولسنوات عديدة، كان غير الماووريين ينظرون إلى النص الإنجليزي للمعاهدة باعتباره المعاهدة الحقيقية، التي تمثل محاولةً للتعامل بإنصاف مع الجنس الماووري. ولكن اعتراض الماووريين على المعاهدة، منذ القرن التاسع عشر وما بعده، استند إلى حجة مؤداها عدم فهم شروط المعاهدة فهمًا حقيقيًا أو الوفاء بها. وقد ظل الجنسان معًا يتمسكان برأي نيوزيلندي قويٍّ، هو أن المعاهدة تشكل أساسًا اتفاقيًا للدولة، يمكن أن تُشاد عليه مساواة عرقية صادقة. غير أن المعاهدة لم تتلق سوى قدرٍ ضئيلٍ من الاعتراف من جانب محاكم القضاء في نيوزيلندا.