"السعــــادة".......
يختلف معناها من شخص لآخر، وتختلف كذلك الطرق التي تؤدي إليها، فالسعادة كاللؤلؤة في أعماق البحار تحتاج إلى غواص ماهر يتقن صنعة الغوص والاكتشاف.. يظل الرجل والمرأة يبحثان عن هذه "اللؤلؤة" طيلة عمرهما -قصدا أم لم يقصدا- ولا يصلان إلى موطنها إلا عند وصولهما إلى مرحلة عمرية معينة قد يتفقان فيها أو يختلفان.
هذا ما ذهبت إليه دراسة أمريكية حديثة لتحديد أهم مراحل الإنسان إحساسا بالسعادة، ففي دراسة فريدة من نوعها استمرت 45 عاما قام علماء النفس الأمريكيون بإجراء 3 دراسات على رجال ونساء في 3 ولايات أمريكية تراوحت أعمارهم بين 28: 70 عاما، حيث خضع المشاركون في هذه السنوات إلى استجوابات سنوية تدور حول السعادة.
(سر الاستقرار) حيث توصلت الدراسات في النهاية إلى أن الرغبة في الاستمتاع بالحياة من الأهداف التي لا تغيب عن بال أي إنسان سواء كان رجلا أم أنثى، فمع تقدم العمر يزداد الإقبال على الحياة وترتفع الروح المعنوية.
ولاحظ العلماء أن نسبة سعادة المرأة وإقبالها على الحياة تزداد بعد بلوغها مرحلة الثلاثينيات من العمر حيث تتحسن حالتها النفسية مقارنة بالرجل، ثم يحدث العكس بعد سن الأربعين؛ فتقل فرص الشعور بالسعادة النسبية لحواء حيث تدخل مرحلة "سن اليأس" التي تؤدي إلى الشعور بالاكتئاب، بينما يبدو الرجل في هذه المرحلة من العمر أكثر سعادة، وعندما يصل كل من المرأة والرجل إلى مرحلة الخمسينيات فإنهما يتساويان في درجة حبهما للحياة وإحساسهما بالبهجة والسعادة.
يعلق على هذه الدراسة الأستاذ الدكتور "فكري عبد العزيز" استشاري الطب النفسي والأعصاب، عضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية- حيث يعطي لنا تعريفا للسعادة فيقول: السعادة هي الشعور بالأمان الصحي النفسي والرضا عن الذات الإنسانية والاستقرار الفكري والوجداني. وعن فترة الثلاثينيات التي تحدثت عنها الدراسة بأنها فترة تزيد فيها سعادة المرأة قال: هذه المرحلة تعتبر سن الاستقرار في عملية الارتباط وإنجاب الأبناء، ومن ثم فقد أصبحت حياة المرأة مرتبطة باستكمال رسالتها من خلال إسعاد الزوج وتنمية قدرة الأسرة، وهذا يعكس أن المرأة قادرة على الإنتاج والعطاء والعمل بما يُسعد إمكانياتها وقدراتها مما يزيد من شعور الأمان والاستقرار لديها.
ويضيف: ليست السعادة في هذه المرحلة من العمر مرتبطة بزيادة ماديات أو ممتلكات؛ فلم تعد المادة أو المركز هما الدافع في هذه المرحلة، إنما هو الاستقرار الأسري الذي يُصاحبه أيضا نضوج انفعالي لدى المرأة؛ فهي في منتصف العمر تقريبا مما يعني أنها حددت هويتها وأحلامها وعرفت المجتمع من حولها مما يعطيها إحساسا بالسعادة. كذلك فمرحلة الثلاثينيات هذه تسبق مرحلة سن اليأس التي يصاحبها آلام نفسية وبيولوجية وجسمية، فالمرأة تشعر في هذه المرحلة ( الأربعينيات ) أن وضعها الإنساني قد انتهى من ناحية الحياة، فهي غير قادرة الآن على الحمل والإنجاب مما يُصيب المرأة بنوع من القلق والآلام والاكتئاب، وهذا يفسر تراجع السعادة لدى المرأة في هذه الفترة وزيادتها لدى الرجل.
صمام أمان...... ويشير الدكتور "فكري عبد العزيز" إلى أن المرأة التي مرت بفترة من السعادة والإحساس بالأمان النفسي والاستقرار وانتظام الدوافع في فترة الثلاثينيات سوف يساعدها ذلك على المرور بأمان من المرحلة التالية وهي فترة الأربعينيات دون حدوث اضطرابات أو دون تعرضها للإحباط والاكتئاب وشعورها بأن الحياة قد توقفت من حولها.
وينصح الدكتور "فكري" المرأة في سن الأربعين بأن تحاول أن تزيد من استقرار الأسرة وأن تزيد من قدرتها الاجتماعية إلى جانب الترويح النفسي وتنمية قدراتها، وعلى المرأة كذلك أن تشارك في المسئولية الأسرية وتستشعر نجاحها في تربية أطفالها وبناء أسرتها؛ فهذا كله سوف يؤدي إلى سعادتها، أما الخطأ الذي نحذر منه فهو سلوك المرأة الخاطئ بأن تتقوقع على نفسها في هذه المرحلة.
أما عن فترة الخمسينيات التي أشارت إليها الدراسة بأن الشعور بالسعادة يتساوى فيها بين الرجل والمرأة فيقول الدكتور "فكري": هذه المرحلة يشعر الطرفان أنهما قد حققا أهدافهما في الحياة من خلال استقرار الأبناء وبناء الأسرة؛ وهو ما يؤدي إلى الشعور بالأمان. ويضيف بأن الاختيار الموفق لشريك الحياة أو شريكة الحياة منذ البداية إلى جانب الوعي الديني والالتزام الخلقي كل ذلك يساعد على نمو العلاقات الأسرية؛ ما يؤدي في النهاية إلى الشعور بالسعادة.
اهتمامات المرأة .......أما الأستاذة الدكتورة "سامية خضر" أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس فترى أن مرحلة الثلاثينيات هي سن النضج لدى المرأة، فقد أنهت دراستها واستقرت في عملها وحياتها الزوجية، فهي الآن أصبحت مسئولة عن الآخرين وليس العكس؛ ما يعطيها إحساسا بالحرية فهي بذلك أكثر مرونة، كما أن هذه السن نضجت فيها المرأة فكريا؛ فقد فهمت أشياء كثيرة في المجتمع كانت مشوهة فيما مضى بالنسبة لها..
كل هذه العوامل تؤدي في النهاية إلى شعور المرأة بالسعادة. وتختلف الدكتورة "سامية" مع ما ذهبت إليه الدراسة الأمريكية من تراجع نسبة السعادة لدى المرأة في فترة الأربعينيات التي تصل فيها المرأة إلى سن اليأس فتقول: نحن الآن في القرن 21 ومعه تغيرت أجندة اهتمامات المرأة عن الماضي، ففي الماضي وعلى سبيل المثال كانت هناك أقاويل عن سن اليأس وما يحدث للمرأة فيه من تغييرات نفسية واجتماعية وصحية... إلخ، أما الآن فقد تغير هذا الكلام وأصبح شيئا منتهيا، وهذا يعود لعدة أسباب مثل انشغال المرأة بأشياء أخرى فرضتها عليها ظروف الحياة، إلى جانب تطور الأدوية وزيادة الرعاية الصحية والرعاية الرياضية، والحديث عن هذه السن في وسائل الإعلام المختلفة بشكل علني أدى إلى تواري القلق عند المرأة ، ولم تصبح هذه السن تسبب إحباطا لديها أو تشغل تفكيرها، فمتوسط سن المرأة اليابانية 82 عاما فليس من المعقول أن تظل المرأة هناك 30 عاما في حالة يأس .... فالشعور بالسعادة لا يتراجع بالقدر الكبير في هذه المرحلة كما قالت الدراسة.
وعن فترة الخمسينيات قالت: في هذه المرحلة تكون الحدود بين المرأة والرجل مختفية فلم تعد موجودة كما كانت في المراحل العمرية السابقة، سواء كان ذلك في المنصب أو الفكر أو الشخصية؛ فالمرأة تتساوى مع الرجل في ذلك لذا تتساوى درجة الشعور بالسعادة في هذه الفترة لديهما. وتشير الدكتورة سامية إلى بعض المعايير الاجتماعية التي تتحكم في نسبة الإحساس بالسعادة لدى المرأة فتقول: يتوقف ذلك على مدى شعور المرأة بالحرية وهل تخضع إلى نوع من المراقبة أم لا، ومدى إمكانياتها في اتخاذ القرارات من عدمه.... إلخ. وتضيف: هناك عامل مهم يجب أن نشير إليه حيث تختلف درجة الإحساس بالسعادة من مجتمع لآخر ومن طبقة اجتماعية إلى أخرى ومن مستوى تعليمي إلى آخر، فمثلا العادات والتقاليد في المجتمعات النامية تعمل على إحكام السيطرة على المرأة، أما في الغرب فتتمتع المرأة بالحرية وتستطيع أن تعبر عنها بأشكال متعددة، وهذا ينعكس على درجة الإقبال على الحياة، فالآلية مختلفة تماما بين الشرق والغرب.