كن وسطيا..تُفتّح لك الحياة
بقلم - الشيخ عائض القرني
العدل مطلب عقلي وشرعي، لا غلو ولا جفاء، لا إفراط ولا تفريط، ومن أراد السعادة فعليه أن يضبط عواطفه، واندفاعاته، وليكن عادلاً في رضاه وغضبه وسروره وحزنه؛ لأن الشطط والمبالغة في التعامل مع الأحداث ظلمٌ للنفس، وما أحسن الوسطية، فإن الشرع نزل بالميزان، والحياة قامت على القسط، وأتعب الناس هو من طاوع هواه واستسلم لعواطفه وميوله.. حينها تتضخم عنده الحوادث وتظلم لديه الزوايا وتقوم في قبله معارك ضارية من الأحقاد والدخائل والضغائن؛ لأنه يعيش في أوهام وخيالات، حتى إن بعضهم يتصور أن الجميع ضده، وأن الآخرين يحبكون مؤامرة لإبادته، وتملي عليه وساوسه أن الدنيا له بالمرصاد، فلذلك يعيش في سحب سود من الخوف والهم والغم.
إن الإرجاف ممنوع شرعًا رخيص طبعًا على أناس مفلسين من القيم الحية والمبادئ الربانية "يحسبون كل صيحةٍ عليهم"...
أجلس قلبك على كرسيه، فأكثر ما يخاف لا يكون، ولك قبل وقوع ما تخاف وقوعه أن تقدر أسوأ الاحتمالات، ثم توطّن نفسك على تقبل هذا الأسوأ، حينها تنجو من التكهنات الجائرة التي تمزق القلب قبل أن يقع الحدث فيبقى كقول الشاعر:
كأن قطاة علقت بجناحها .. على كبدي من شدة الخفقان
أيها العاقل النابه أعطِ كل شيء حجمه، ولا تضخم الأحداث والمواقف والقضايا، بل اقتصد واعدل ولا تجُر ولا تذهب مع الوهم الزائف والسراب الخادع.. اسمع ميزان الحب والبغض في الحديث: "أحبب حبيبك هونًا ما فعسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما فعسى أن يكون حبيبك يومًا ما"، عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم".
إن كثيرًا من التخويفات والأراجيف لا حقيقة لها، وقديمًا قالوا:
وقلت لقلبي إن نزا بك نزوة .. من الهم افرح أكثر الروع باطـلهُ
هذا الكلام المكتوب لن تستفيد منه حتى تحاول تطبيقه في نفسك وبيتك وعملك وحياتك؛ لتحصل على حياة أجمل بكثير من حياتك التي تعيشها.. حياة سعيدة رغيدةً طيبة تصل منها إلى حياة دائمة مطمئنة في جنات النعيم "ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".