قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل ، للإمام ابن تيمية رحمه الله ..
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله :
" ولابد من التنبيه على قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل ، فتعتصم به ، فتقل آفاتها ، أو تذهب عنها بالكلية ، بحول الله وقوته .
فنقول : اعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة : المحبة ، والخوف ، والرجاء . وأقواها الـمحبة ، وهى مقصودة تراد لذاتها ؛ لأنها تراد فى الدنيا والآخرة بخلاف الخوف فإنه يزول فى الآخرة ، قال الله تعالى : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [يونس: 62 ] ، والخوف المقصود منه : الزجر والمنع من الخروج عن الطريق ، فالمحبة تلقى العبد فى السير إلى محبوبه ، وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره إليه ، والخوف يمنعه أن يخرج عن طريق المحبوب ، والرجاء يقوده ، فهذا أصل عظيم ، يجب على كل عبد أن ينتبه له ، فإنه لا تحصل له العبودية بدونه ، وكل أحد يجب أن يكون عبداً لله لا لغيره .
فإن قيل : فالعبد فى بعض الأحيان ، قد لا يكون عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه ، فأي شىء يحرك القلوب ؟ قلنا : يحركها شيئان :
أحدهما : كثرة الذكر للمحبوب ؛ لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به ، ولهذا أمر الله عز وجل بالذكر الكثير ، فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } الآية [ الأحزاب: 41-42]
والثانى : مطالعة آلائه ونعمائه ، قال الله تعالى : { فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الأعراف: 69] ، وقال تعالى : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ } [ النحل:53 ] . وقال تعالى : { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهرَةً وَبَاطِنَةً } [ لقمان: 20 ] ، وقال تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم: 34] .
فإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه ، من تسخير السماء والأرض ، وما فيها من الأشجار والحيوان ، وما أسبغ عليه من النعم الباطنة ، من الإيمان وغيره ، فلابد أن يثير ذلك عنده باعثا ، وكذلك الخوف ، تحركه مطالعة آيات الوعيد ، والزجر ، والعرض ، والحساب ونحوه ، وكذلك الرجاء ، يحركه مطالعة الكرم ، والحلم ، والعفو .
وما ورد فى الرجاء والكلام فى التوحيد واسع .
وإنما الغرض التنبيه على تضمنه الاستغناء بأدنى إشارة .
والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه سلم .
منقول للفائدة.