نعمة المطر
إنزال المطر نعمة من أعظم وأجل نعم الله عز وجل،بل هي نعمة دالة على توحيد الله جل جلاله وافراده بالعبادة ، قال الله سبحانه { يَـأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:21، 22].
قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره ج1/ص45
وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته وبطلان عبادة من سواه وهو ذكر توحيد الربوبية المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك فكذلك فليكن الإقرار بأن الله ليس له شريك في العبادة وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري وبطلان الشرك .
ومما يدل على عظم قدر هذه النعمة، أن الله عز وجل سماها بالغيث، وجعلها مظهرا من مظاهر رحمته، يقول سبحانه: { وَهُوَ الَّذِى يُنَزّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِىُّ الْحَمِيدُ } [الشورى:28]، وفي سورة الأنبياء يقول: { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَـواتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَـهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَىْء حَىّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } [الأنبياء:30].
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : كانت السماوات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، فلما خلق للأرض أهلا فتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات.
ومما يدل على عظم نعمة المطر، الأوصاف التي ذكر الله في كتابه، فأحيانا يصف الله المطر بالبركة، وأحيانا يصفه بالطهر، وأحيانا بأنه سبب للحياة، ونحو هذا من الصفات التي لا تليق إلا بهذه النعمة العظيمة، يقول سبحانه: { وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَـرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّـتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ } [ق:9]، ويقول جل ذكره : { وَهُوَ الَّذِى أَرْسَلَ الرّيَـاحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُوراً } [الفرقان:48]،
ويقول تبارك اسمه : { وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَآء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِى ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } [النحل:65]، وغير ذلك من الآيات. فالبركة والطهر وأحياء الأرض في هذا المطر يا عباد الله.
في هطول المطر حينا وتوقفه أحيانا ، وفي هطوله في مكان دون مكان ذكرى للمعتبرين وعظة للمتعظين قال الله سبحانه { وَهُوَ الَّذِى أَرْسَلَ الرّيَـاحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُوراً لّنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَـاماً وَأَنَاسِىَّ كَثِيراً وَلَقَدْ صَرَّفْنَـهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } [الفرقان:48-50].
يقول الامام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: وقوله تعالى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَـهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ } . أي أمطرنا هذه الأرض دون هذه، وسقنا السحاب يمر على الأرض ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقا، والتي وراءها لم يُنزل فيها قطرة من ماء، وله في ذلك الحجة البالغة، والحكمة القاطعة.
قال ابن عباس وابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ: ليس عام بأكثر مطرا من عام، ولكن الله يصرفه كيف يشاء، ثم قرأ هذه الآية: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَـهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } .
أي ليذكروا بإحياء الله الأرض الميتة، أنه قادر على إحياء الأموات والعظام الرفات، أو ليذكر من منع المطر إنما أصابه ذلك بذنب أصابه، فيقلع عما هو فيه، فالذنوب والمعاصي هي سبب كل شر، وهي طريق كل بلاء.
لا يعلم وقت نزول المطر إلا الله فقد تتلبد السماء بالغيوم ويقول الناس المطر قريب لكن الغيوم ما تلبث أن تنقشع ، فعلم وقت نزول المطر مما أستأثر الله به جل جلاله قال الله سبحانه {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }لقمان34 ، وهذه الخمسة سماها النبي صلى الله عليه وسلم بمفاتح الغيب التي لايعلمها إلا الله كما ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( مفاتح الغيب ) خمس لايعلمهن إلا الله ( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) .
قال الامام الطبري رحمه الله في تفسيره ج21/ص88
( وينزل الغيث ) فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلا أو نهارا .
ومما يقال عند نزول المطر:
(اللهم اجعله صيِّباً نافعاً)
ومن سنن المطر:
يستحب مع نزول المطر أن يَحْسر الإنسان شيئاً من ملابسه, حتى يصيبه المطر تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن أنس رضي الله عنه قال:
(أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه
حتى أصابه من المطر. فقلنا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديثُ عَهد برِّبه تعالى) (رواه مسلم ).
ويسنُّ أن يخرج الإنسان شيئاً من متاعه ليصيبه المطر
فعن ابن عباس رضي الله عنهما
أنه كان إذا أمطرت السماء يقول: يا جارية، أخرجي سرجي، أخرجي ثيابي، ويقول:
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًاِ . (أخرجه البخاري
وذكر بعض أهل العلم أنه عند نزول المطر يستحب الدعاء
لأنه وقت إجابة؛ لحديث مكحول مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث)
وإذا نزل المطر بغزارة وكان شديداً فخاف المسلم على نفسه أو أهله وماله فيشرع له أن يقول:
(اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكَام والظِّراب والأودية ومنابت الشجر). (رواه البخاري)
نسأل الله تعالى أن يجعل ما يُنزل علينا من الأمطار بفضله وبرحمته وبرضاه وان لا أن يكون عذاباً وسخطاً وغرقاً آآآآآآآآمين.