الإفراط في استخدام الهاتف الجوال
الإفراط في استخدام الهاتف الجوال
يقود إلى السهر والخمول في الصباح
لعل من المثير للاهتمام، معرفة أن من أعراض اضطرابات الشخصية، عدم قدرة الشخص على البقاء وحيدا لفترة وجيزة، والحرص الشديد على التواصل مع الآخرين في جميع الأوقات. وقد أصبح هذا العَرَض منتشرا هذه الأيام نتيجة لاستخدام أدوات الاتصال الحديثة بشكل مفرط، ومنها الهاتف الجوال. فمن المألوف أن نجد أحدهم لا يقوى على مقاومة إلحاح العبث بهاتفه الجوال بصورة متكررة خلال الساعة الواحدة، سواء لأمر ضروري، وتنسيق موعد مهم، أو لتمضية وقت الفراغ، والتحادث أثناء قيادة السيارة أو قبل وقت النوم عن أمور يمكن تأجيلها، أو لكتابة نص رسالة ليست بتلك الأهمية، وإرسالها بشغف للجميع.
دراسة أميركية
أظهرت دراسة أميركية، نشرت في عام 2010، تم إجراؤها على 21 مراهقا، الأثر السلبي للإفراط في استخدام الهاتف الجوال على طبيعة نوم المجموعة التي استخدمته للاتصال أو إرسال رسائل نصية بمعدل أعلى من 15 مرة يوميا، مقارنة بأفراد المجموعة التي استخدمته بمعدل أقل. وقد وجد أن فرط استعمال الجوال أدى بشكل ملحوظ إلى فرط السهر، والاستيقاظ متأخرا والشعور بالخمول الشديد عند الصباح، نتيجة للأرق أو التململ في الفراش أثناء الليل.
ويبدو أن توقيت استخدام الجوال يرتبط بازدياد حدة أعراض اضطرابات النوم، فاستعماله عند النوم مباشرة يزيدها بمعدل الضعف، أما استعماله من بعد منتصف الليل إلى الساعة الثالثة صباحا، فيزيدها إلى 4 أضعاف.
ولعل مرحلة النوم العميق أكثر مراحل النوم تأثرا بفرط استعمال الهاتف الجوال، مما يتسبب في ضعف الاستفادة من ساعات النوم الضرورية، وقلة التعرض لهرمون النمو الضروري لصيانة أعضاء الجسم وترميم أنسجتها خلال هذه المرحلة. ويبدو أن آثار استخدام الهاتف الجوال على طبيعة النوم تتعدى أثره السلوكي، فقد بينت دراسة أميركية - سويدية مشتركة، أن التعرض للموجات التي يستقبلها الهاتف الجوال عند الاستخدام، له أثر سلبي على القدرة على الخلود إلى النوم، يختصر من نسبة التعرض لمرحلة النوم العميق، وأن مجموعة الرجال والنساء الذين تعرضوا لها قد زادت لديهم أعراض الصداع وقلة التركيز.
الآثار الاجتماعية
من الملاحظ أن وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف الجوال – على الرغم من أهميتها - تساعد على رفع حدة التوتر النفسي وتشتيت الانتباه وضعف التركيز، وحتى ازدياد المشكلات العائلية.
ففي دراسة أميركية نشرت نتائجها عام 2005، تم دراسة مستوى رضا الأزواج العاملين على مدى سنتين، وتبين أن الاستمرار في استخدام الجوال داخل البيت لأغراض العمل، قد قلص من مستوى رضاهم عن حياتهم الزوجية ورفع من حدة اضطرابات المزاج لديهم، وأظهر اختراق مشكلات العمل لأجواء المنزل.
أما بالنسبة للنساء العاملات، فقد ساعد استخدام الجوال على انتقال مشكلاتهن وواجباتهن المنزلية إلى بيئة العمل، مما أثر سلبا على مزاجهن وأدى إلى قصور في أداء وظيفة بعضهن. لا شك أن تنافس شركات الاتصال في تقديم أفضل الخدمات بأقل التكاليف، والحافز النفسي الذي تذكيه إعلانات أجهزة الاتصال والمعلومات بمختلف أنواعها، هي عوامل مهمة ساعدت بشكل كبير على انتشار التعرض للمكالمات والرسائل وجعلها عادة أكثر منها حاجة لدى كثير من الناس، أوصلت بعضهم إلى حد الإدمان السلوكي الاجتماعي. ومما زاد من فرط الارتباط بالهاتف الجوال، احتواؤه على خاصية الاتصال بالإنترنت مما جعل من السهل تصفحها لاسلكيا في أماكن كثيرة تتوافر فيها هذه الخدمة، وإضافة مواصفات تقنية عالية حفزت مستخدميه كثيرا على التواصل مع غيرهم على مدار اليوم.
نصائح صحية
نتيجة لثقافة السهر والارتباطات الاجتماعية، أصبح من المقبول في عدد من المجتمعات العربية أن يناقش كثير من الناس مشكلاتهم واهتماماتهم عبر الهاتف الجوال في أوقات متأخرة من الليل، وأن يقوم بعضهم بالاتصال لأمر غير ذي بال في أي وقت، في انتهاك صريح للخصوصية الفردية، وإزعاج واضح لكثير من الناس خلال أوقات راحتهم.
وينصح خبراء اضطرابات النوم والاختصاصيون النفسيون، بضرورة إعطاء النفس فرصة للسكون، والتقليل من الارتباطات الاجتماعية خاصة قبل النوم وأيام الإجازات، ونشر ثقافة ترشيد استعمال وسائل الاتصال كالجوال والإنترنت، وعدم تحولها إلى «هاجس اجتماعي»، يقلل من فرص الهدوء النفسي، ويزيد من تعكر المزاج والشد العصبي، ويسبب حرمانا مزمنا من النوم أو أرقا مزعجا، يصعب في كثير من الأحيان التخلص من مضاعفاته السلوكية والنفسية. ومن المفيد نشر ثقافة النوم السليم التي تدعو إلى تجنب السهر، وانتظام ساعات النوم والاستيقاظ حتى أيام العطلات الأسبوعية، والتخلص من التوتر قبل النوم عن طريق إغلاق الهاتف الجوال، أو وضعه في وضع الصامت، وممارسة تمارين الاسترخاء وخفض شدة الأضواء، إضافة إلى تجنب الإثارة الذهنية أو تناول المنبهات ومشروبات الطاقة، والحرص على تناول الخفيف من العشاء.