الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فإن من علامة توفيق الله عز وجل للعبد أن يوقظه من غفلته ويوفقه لتدارك عمره القصير فيما ينفعه غداً في الدار الآخرة ، ومن علامة الخذلان أن ينسى العبد نفسه ، ويفرِّط في ساعاته وأيامه ولياليه ؛ فينصرم العمر القصير دون أن يقدم لنفسه ما ينفعها عند الله عز وجل فضلاً عما يضره ويهلكه .
وفي هذه المقالة القصيرة محاولة للتعرف على موانع الانتفاع بالعمل يوم القيامة لعلنا نتجنبها فننتفع بأعمالنا الصالحة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .وهي كما يلي :
1-أن لا يكون صاحب العمل مؤمناً بالله عز وجل ولا بوعده ووعيده ، أو كان مشركاً به أو مرتداً عن دينه ؛ فلو تقرب العبد إلى الله عز وجل بقربات كثيرة من صلاة وصيام وغيرها وهو مشرك بالله عز وجل الشرك الأكبر وذلك بصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل فإنه بذلك لا ينتفع بأي عمل صالح عند الله عز وجل
2-إرادة العبد بعمله الدنيا وليس الآخرة قال الله تبارك وتعالى : (مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ) (هود
3-أن يكون سعيه وعمله مخالفاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأن من شروط الانتفاع بالسعي والعمل أن يكون موافقاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مبتدع ولا مبدل.
4-حقوق العباد ومظالمهم : يقول الله عز وجل : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) (الزمر :30-31) والخصومة تكون فيما بين العباد من مظالم ؛ فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : لما أنزلت هذه الآية قال : أيْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ! أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : « نعم ليكررن عليكم حتى يؤدَّى إلى كل ذي حق حقه » [3] قال الزبير : والله إن الأمر شديد وهذا المانع الخطير من موانع الانتفاع بالعمل الصالح يوم القيامة من أشد الموانع خطراً وأصعبها تحرزاً ؛ فلا يسلم من تبعات العباد إلا من رحم الله عز وجل ، وقليل ما هم . والغرماء يوم القيامة لا يقبلون من عمل خصومهم إلا النظيف الذي تجاوز مصفاة الإيمان والإخلاص والمتابعة .
أما العمل الملوَّث فلا يقبلونه لعدم نفعه ؛ فإذا كان العمل النظيف أقل القليل كما سبق بيانه لأنه ثمرة تصفيات كثيرة ، وكل مصفاة تُسقِط منه جزءاً إذا كان الأمر كذلك فإن المغبون الخاسر مَنْ ضيَّع هذا القليل ووزعه يوم القيامة بين خصومه وغرمائه ، وحال بين نفسه وبين الانتفاع بأعماله المقبولة عند الله عز وجل
نسأل الله عز وجل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه موافقة لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم صادرة عن إيمان وتوحيد خالصين . كما نسأله أن يجنبنا ظلم العباد والاعتداء على حقوقهم ، وأن يخرجنا من الدنيا كافِّين اللسانَ عن أعراضهم ، خُمْصَ البطون من أموالهم ، خفيفي الظهور من دمائهم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
(منقول )