يا له من مقام لو كان في القلوب حياة..
هذه دعوة للعيش في رحاب هذه الكلمات الروحية الشفيفة ،
نقرأها ونتدبرها ونعيش معها لحظات سماوية صرفة ..
ونحاسب أنفسنا على ضوئها
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله .. وهو يتحدث عن ( منزلة المحبة )
= =
هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون ..وإليها شخص العاملون ..
وإلى علمها شمر السابقون .. وعليها تفانى المحبون ..
وبروح نسيمها تروح العابدون .
فهي قوت القلوب .. وغذاء الأرواح .. وقرة العيون ..
وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات ..
والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات ..
والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام ..
واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام ..
وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال :
التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه ..
تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها ..
وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدا واصليها ..
وتبوؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها ..
وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب ..
وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب ..
تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة ..
إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب ..
وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة :
أن المرء مع من أحب .. فيالها من نعمة على المحبين سابغة ..
تالله لقد سبق القوم السعاة وهم على ظهور الفرش نائمون ..
وقد تقدموا الركب بمراحل وهم في سيرهم واقفون ..
من لي بمثل سيرك المدلل *** تمشي رويدا وتجئ في الأول
أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم حي على الفلاح ..
وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم ..
وكان بذلهم بالرضى والسماح ..
وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح ..
**
تالله لقد حمدوا عند الوصول سراهم .. وشكروا مولاهم على ما أعطاهم ..
وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح ..
فحيهلا إن كنت ذا همة فقد *** حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا
وقل لمنادي حبهم ورضاهمُ *** إذا ما دعا : لبيك ألفا كواملا
ولا تنتظرْ بالسير رفقةَ قاعدٍ *** ودعهُ ، فإنّ الشوقَ يكفيك حاملا
وأحي بذكراهمْ سراكَ إذا ونتْ *** ركابكَ فالذكرى تعيدك عاملا
وإما تخافن الكلالَ فقل لها *** أمامكِ وردُ الوصلِ فابغ المناهلا
وخذ قبسا من نورهم ثم سر به *** فنورهمْ يهديكَ ليس المشاعلا
وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة *** فعند اللقا ذا الكد يصبح زائلا
فما هي إلا ساعة ثم تنقضي *** ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلا
أول نقدة من أثمان المحبة : بذل الروح ..
تالله ما هزلت فيستامها المفلسون ، ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون ..
لقد أقيمت للعرض في سوق من يزيد .. فلم يرض لها بثمن دون : بذل النفوس
فتأخر البطالون ، وقام المحبون ينظرون أيهم يصلح أن يكون ثمنا ..
فدارت السلعة بينهم ووقعت في يد :
( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )
لما كثر المدعون للمحبة ، طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى ..
فلو يعطى الناس بدعواهم ، لادعى الخلي حرقة الشجي ..!!
فتنوع المدعون في الشهود فقيل لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة :
( قل إن كنتم تحبون الله ، فاتبعوني يحببكم الله )
فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه ..
فطولبوا بعدالة البينة بتزكية :
( يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم )
فتأخرا أكثر المحبين وقام المجاهدون فقيل لهم إن نفوس المحبين وأموالهم
ليست لهم فهلموا إلى بيعة :
( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) …
إذا غرست شجرة المحبة في القلب ،
وسقيت بماء الإخلاص ، ومتابعة الحبيب :
أثمرت أنواع الثمار ، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها ..
أصلها ثابت في قرار القلب وفرعها متصل بسدرة المنتهى ..
لا يزال سعي المحب صاعدا إلى حبيبه لا يحجبه دونه شيء ..
( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه
)