الشكوى فقط لله سبحانه
الشكوى مشتقة من (الشَّكْو) ،وقد قال الإمام الراغب الأصفهاني عن معناها : (الشَّكْوُوالشِّكايةوالشِّكاةوالشَّكوى: إظهار البثّ .
وأصل الشَّكْو: فتح الشَّكوة وإظهار ما فيها، وهي سقاء صغير يجعل فيه الماء ، وكأنه في الأصل استعارة ، كقولهم : بثثت له ما في وعائي ، ونفضت ما في جرابي : إذا أظهرت ما في قلبك).
الشكوى إذاً هي أن يقدم شخص لآخر مشكلته ، وأن يبثه همومه ، وأن يظهر له ما في قلبه من أحزان ، ويضع بين يديه ما يعانيه من آلام ، بهدف الحصول على مساعدته .
نأتي الآن إلى التعبير القرآني ، لنرى السياق الذي وردت فيه "الشكوى" ودلالة ذلك .
الشكوى مرتان في القرآن
لم يرد من اشتقاقات "الشكوى " في القرآن إلا صورة الفعل المضارع . وقد وردت بهذه الصورة مرتين في القرآن :
1.في قصة يعقوب ويوسف ، وحزن يعقوب على فراق ابنه يوسف – عليهما السلام – تأثرلما أخبره أولاده باحتجاز ابنه الثاني في مصر،فتذكر يوسف ، وشعر بالحزن لفقد ابيه الثنين وأعلن هذا قائلاً (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) يوسف 86.
ونلاحظ أن موضوع الشكوى هو بث يعقوب وحزنه – عليه السلام – كما نلاحظ أنه قدم الشكوى إلى الله فقط ، فلم يشك بثه وحزنه إلى أحد من البشر .
2.في قصة "خولة بنت ثعلبة" حيث ظاهَرَ منها زوجها "أوس بن الصامت "فاتت الرسول صلى الله عليه وسلم وعرضت الامر عليه ، وطلبت منه بيان الحكم ، وهو يقول لها في رواية: ( لم ينزل عليّ فيك شيء)وفي رواية أخرى : ( ما أراك إلا بِنْتِ منه ) أي : وقع الطلاق وانفصلت عنه . وكانت هي تحاوره وتراجعه وتعلن الشكوى إلى الله .قال تعالى : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) المجادلة 1.
وعندما نمعن النظر في الآية ، فسنلاحظ ما يلي :
1. أن الشكوى موجهة إلى الله فقط ن ولذلك كانت "خولة " تشتكي إلى الله .
2. نسبت الآية لخولة فعلين : الأول : الجدال ، وقد كان مع الرسول عليه الصلاة والسلام ( تجادلك ) . والثاني : الشكوى ووجهتها إلى الله .
3. لا بد منط"سماع "الشكوى من الشاكي ، وحل مشكلته ، وطالما أن خولة قدمت شكواها إلى الله ، فقد سمع الله شكواها ، وقدم لها الحل. ولذلك أشارت الآية ثلاث مرات إلى ذلك . الفعل الماضي "سمع الله " . والفعل المضارع "الله يسمع " . وصيغة المبالغة " إن الله سميع ".
4.ولأن الآية تتحدث عن الله ، والسياق في تعظيم الله ، فقد وردت كلمة "الله" – لفظ الجلالة – أربع مرات في الآية .......
ونخرج من هذا بهذه الحقيقة اللطيفة :
الشكوى في القرآن ، وردت في صورة الفعل المضارع ، وهي موجهة إلى الله تعالى فقط .
ولعل هذا الاستعمال القرآني للشكوى يشير للمسلمين إلى أن لا يتوجهوا بشكواهم إلا إلى الله ، لأن الشكوى أساساً لا تكون إلا لله سبحانه .
وهذا لا يمنع من إخبار الآخرين بمشكلة الإنسان ، وإسماعهم شكواه ، لكن توجُّهَه بمشكلته في الحقيقة هو لله ، وتوكله على الله ، واعتقاده بأن القادر على كل شيء هو الله ، زأنه يسخِّر ما يشاء من الأسباب ، فالبشر الذين يخاطبهم ويشكو لهم أسباب فقط ، والمسبب والمقدِّر هو الله جل جلاله ....
اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا ، وقلة حيلتنا وهواننا على الناس .........
من كتاب(لطائف قرآنية ) د. صلاح الخالدي