فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله تعالى - : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد :
فيجب أن نعلم أنَّ هناك رخصاً في شريعة الإسلام تَدُلُّ على سعة رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين وتدل على سماحة هذه الشريعة وعلى المسلمين أن يتقبَّلوها ويأخذوا بها لأن الله يُحِبُّ أن يتقبَّلَها المسلمون .
- قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ( الآية (البقرة:185)
- و قال تعالى : مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ( الآية (المائدة:6)
- و قال تعالى : هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ( الآية (الحج:78)
- و قال تعالى : يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً ( (النساء:28)
وقيَّد الله الأمور بالقدرة والاستطاعة والوسع والطاقة :
- فقال تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ( الآية (التغابن:16)
- وقال تعالى : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( (البقرة:286)
- قال شيخ الإسلام-رحمه الله- ([1]) بعد أن ذكر هذه الآيات وغيرها- : ( وقد ذكر في الصيام والإحرام والطهارة والصلاة والجهاد من هذا أنواعاً ( يعني من الرخص عند وجود الأعذار والمشقات ) .
- ثمَّ قال- : ( وقال في المنهيات ) : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ( [الأنعام: 119]
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ( [البقرة: 173]
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( [الأنعام: 145]
لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ( [البقرة: 286]
وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ ( [الأحزاب: 5]
وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ ( [البقرة: 220] ) اهـ .
يعني أنَّ الله تعالى حرَّم الميتة والدَّم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ به لغير الله فإذا اشتدَّ الجوع بالمسلم فلم يجد ما يأكل ويسدُّ به رمقه فقد رخَّص الله له أن يأكل ما وجد منها ولا إثم عليه ولا حرج .
وإذا وقع المسلم في معصية خطأً منه أو مخالفة لنصٍّ في حال الاجتهاد فلا يُؤاخذ بذلك ويسعُه عفو الله ورحمته .
وذكر شيخ الإسلام أنَّ الإسلام جاء بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنَّه يُرجَّحُ خير الخيرين ويُدفع شرُّ الشرَّين ,وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتُدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما .
- أقول : ورسول الله عليه الصلاة والسلام يُحبُّ أن يتقبَّلَ المسلمون رُخَصَ اللهِ تعالى ويأخذوا بها : فقد بوَّب الإمام البخاري -رحمه الله- :[باب الدِّين يُسْرٌ وقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( أَحَبُّ الدِّينِ إلى الله الحنيفية السمحة ) ] صحيح البخاري (1/23) .
أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس قال : ( قيل لرسول الله عليه الصلاة والسلام : أيُّ الدِّين أحبُّ إلى الله قال : ( الحنيفية السمحة ) .
من طريق يزيد قال أنا محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس-رضي الله عنهما- وذكره . المسند (1/236) .
وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( إنِّي لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكني بُعثتُ بالحنيفية السمحة ) في حديث طويل أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/266) .
وفي المسند أيضاً (6/116) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ( وضع رسول الله عليه الصلاة والسلام ذقني على منكبيه لأنظر إلى زفن الحبشة حتى كنت التي مللت فانصرفت عنهم ) .
ثم ساق بسنده إلى عبد الرحمن عن أبيه قال : ( قال لي عروة أنَّ عائشة قالت : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام يومئذ : ( لتعلم يهود أنَّ في ديننا فسحة إنِّي أُرسلتُ بحنيفية سمحة ) .
وهذه الأحاديث تتعاضد فتصل إلى درجة الحسن إن لم ترقَ إلى درجة الصِّحة .
وعن ابن عمر-رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قال : ( إنَّ الله يُحبُّ أن تُؤتى رُخَصُهُ كما يَكْرَه أن تُؤتَى معصيته )
رواه الإمام أحمد (2/10) وابن حبان وغيرهما انظر إرواء الغليل (3/9-13) .
ومن حديث ابن عباس-رضي الله عنهما- : ( أنَّ الله يُحِبُّ أن تُؤتَى رُخَصُهُ كما يُحِبُّ أن تُؤتى عزائمه )
ومن حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: ( إنَّ الله يُحبُّ أن تُقبَلَ رُخَصُه كما يُحبُّ أن تُؤتَى عزائمه ) انظر الإرواء أيضاً للألباني وقد صححه بمجموع طرقه.
وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما- :( أنَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام مرَّ برجلٍ في ظل شجرة يُرَشُّ عليه الماء قال : ( ما بالُ صاحبكم هذا ؟ قالوا : يا رسول الله صائم قال :( إنَّه ليس من البِّرِ أن تصوموا في السَّفر وعليكم برخصة الله التي رخصت لكم فاقبلوها ) رواه النسائي في الصيام (4/176) والطحاوي (2/62) وانظر إرواء الغليل للعلامة الألباني(4/54-55) وقد صحَّح الحديث .
وعن عائشة-رضي الله عنها- قالت :( رخَّصَ رسول الله في أمر فتنـزَّه عنه ناسٌ من الناس فبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فغضب حتى بَانَ الغضبُ في وجهه ثم قال: ( ما بَالُ أقوامٍ يَرغَبُون عمَّا رُخِّصَ لي فيه فواللهِ لأنَا أعلمهم بالله وأشدُّهم له خشية ) رواه مسلم في الفضائل (128) . وفي رواية له :( فقام خطيباً فقال : ما بَالُ أقوامٍ ) الحديث .
- والرُّخصةُ في اللُّغة هي : السهولة واليسر وقيل : النعومة واللِّين .
- وفي الاصطلاح لها تعاريف ومن أجودها:(هي الحكم الشرعي الذي غُيِّرَ من صعوبةٍ إلى سهولةٍ لعذرٍ اقتضى ذلك مع قيام سبب الحكم الأصلي ) ([2])
ومُثِّلَ لها بالتلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه عليها كما فعل عمار-رضي الله عنه- وأنزل الله تعالى : ) إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ( ( النحل:106)
ومثل الفطر في شهر رمضان بعذرٍ شرعيٍّ وتيمم المريض الذي لا يُطيق استعمال الماء أو لا يجد الماء أو الذي لا يملك ثمن الماء فكل من الفطر والتيمم رخصة تزول بزوال سببها في هذه الأمور(3) وأمثالها .
والذي يتنـزَّهُ من الأخذ بالرخصة ويرغب عنها يأثم والذي يتتبع رخص العلماء والمذاهب يأثم والمنهج الحق أن يؤخذ برخص الله على الوجه الذي رُخِّصَ فيه .
1-ولقد رخص الله للمؤمن أن يقول كلمة الكفر في حال الإكراه قال الله تعالى : ) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(4) ( (النحل:106) .
- قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله- في تفسير هذه الآية الكريمة : ( وأما قوله : ) إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ( فهو استثناء ممَّن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مُكرَهاً لما ناله من ضرب وأذى .وقلبه يَأْبَى ما يقول وهو مُطمئنٌ بالإيمان بالله ورسوله ) اهـ ثم ذكر قصة عمار -رضي الله عنه- المشهورة وذكر أن الآية نزلت بسببها . تفسير القرآن العظيم ( 2/605 ) .
- وقال العلامة ابن الوزير-رحمه الله- : ( وقد أجمعت الأمة على العمل بمقتضى النصوص في الإكراه والنسيان فكذلك أخوهما وثالثهما وهو الخطأ إن شاء الله تعالى بل هو أكثر منهما ذكراً وشواهد في الكتاب والسنة والبلوى به أشد والرخصة إنما تكون على قدر شدة البلوى ) إيثار الحق على الخلق ( 439 ).
والحاصل أن في الآية الكريمة رخصة لمن أكره على الكفر أن يقول بلسانه كلمة الكفر لكن لابُدَّ أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان ولابُدَّ أن يُبغضَ الكفر وأهله .
ولو قالها بلسانه مختاراً لكان كافراً بالله لأنه لا يفعل ذلك إلا وقد شرح صدره بالكفر .
والشاهد أن المؤمن المستضعف المُكرَه يسقط عنه أصلٌ عظيمٌ ألاَ وهو إظهار التوحيد وإظهار العداوة والبغض للكفر والكافرين ويكفيه أن يكون قلبُه مطمئناً بالإيمان وأن يكون مبغضاً للكفر، كل ذلك رحمة من ربِّ العالمين الذي علمنا أن ندعوه فنقول : ) رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( (البقرة:286)
2- الأصل في باب الولاء والبراء إظهار العداوة للكافرين والبراءة منهم ومن معبوداتهم كما قال الله تعالى : ) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (
(الممتحنة:4).
وقال تعالى: ) لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ( (آل عمران:28).
- قال ابن كثير -رحمه الله- : ( نهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة ثم توعد على ذلك فقال : ) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ( أي : ومن يرتكب نهي الله في هذا فقد بَرِئَ من الله ) .
ثم ساق -رحمه الله- آيات ينهى الله فيها عن مولاة الكافرين والوعيد والذم لمن يفعل ذلك ثم قال: [ وقوله تعالى: ) إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ( أي : من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرِّهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته ،كما قال البخاري عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه قال : ( إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم ) وقال الثوري قال ابن عباس :( ليس التقية بالعمل وإنما التقية باللسان ) ] تفسير القرآن العظيم (1/ 365 ) .
وفي هذه الآية تحريم موالاة الكفار وتكفير من يُواليهم باطناً وظاهراً إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته ومعنى ذلك : أنه يحل له إذا خافهم أن يظهر لهم ما يعصم به دمه من التقية باللسان وما تحصل به التقية .
- وقال العلامة السعدي في كتابه (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: ص/128) عند تفسير هذه الآية : ( أي تخافوهم على أنفسكم فيحل لكم أن تفعلوا ما تعصمون دماءكم من التقية باللِّسان وإظهار ما به تحصل التقية ).
ومثل هذا لا يمكنه أن يظهر كثيراً من أعمال الإسلام ومن إظهار عداوة الكفر والكافرين ومثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والله لا يؤاخذه بترك هذه الواجبات والأصول .
3- هناك أعذار تسقط بها واجبات مثل حضور الجمعة والجماعات :
- قال الموفق ابن قدامة -رحمه الله- في المقنع (1/219-220): ( ويعذر في الجمعة والجماعة المريض ومن يدافع الأخبثين والخائف ضياع ماله أو فواته أو ضرر فيه أو موت قريبه أو على نفسه من ضرر سلطان أو ملازمة غريم ولا شيء معه أو فوات رفقته أو غلبة النعاس أو الأذى بالمطر والوحل والريح الشديد في الليلية المظلمة الباردة ) .
قال المُحَشِّي-وهو العلامة سليمان بن عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله- : [ قوله : ( والخائف من ضياع ماله... الخ ) الخوف يتنوع ثلاثة أنواع :
أحدها : الخوف على نفسه بأن يخاف سلطاناً يأخذه أو لصاً أو سبعاً أو سيلاً أو نحو ذلك مما يؤذيه في نفسه أو يخاف غريماً يحبسه ولا شيء معه يعطيه فإن حبس المعسر ظلم واستثنى القادر على الأداء ومن عليه حد قذف أو حد لله.
ثم قال : الثاني : أن يخاف على ماله من لص أو سلطان أو نحوه أو يخاف على بهيمته من سبع أو شرود إن ذهب وتركها أو على منـزله أو متاعه أو زرعه.
وسرد عدداً من نحو هذه الأعذار ثم قال : فهذا وأشباهه عذر في التخلف عن الجمعة والجماعة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( أو خوف ) ولأن في أمره عليه الصلاة والسلام بالتخلف بالصلاة في الرحال لأجل الطين والمطر مع أن عذرهما أيسر من ذلك تنبيهاً على جوازه .
وقال : الثالث : الخوف على أهله وولده أن يضيعوا أو يخاف موت قريبه ولا يشهده فهذا عذر في ترك الجمعة والجماعة وبه قال عطاء والحسن والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً وقد استصرخ ابن عمر-رضي الله عنهما- على سعيد بن زيد وهو يتجهز للجمعة فأتاه في العقيق وترك الجمعة ) ].
وساق الأدلة على هذه الأنواع وغيرها من الأعذار التي تحصل بها الرخصة .
وقد وُجِّه سؤالٌ فقهيٌ إلى أحد العلماء الأفاضل مضمونه أنَّ : ( بعض الناس يقول يجوز التنازل عن الاتجاه إلى القبلة في الصلاة على الدابَّة ) ما صحة هذا الكلام ؟
فأجاب هذا الفاضل بقوله : ( وأما صلاة النافلة على الراحلة إلى حيث توجهت به فهذا ليس بتنازلٍ عن القبلة لكن قبلة الراكب في النافلة هي حيث ما توجَّهت به راحلته وأما قبلة غير الراكب وفي الفريضة فلا بُدَّ أن تكون إلى الكعبة لأنَّ استقبال القبلة شرطٌ من شروط صحة الصلاة في الفريضة . وأمَّا النافلة فأمرها أوسع لأنَّ الله جلَّ وعلا يقول : ) ولله المشرق والمغرب فأينما تولُّوا فثمَّ وجه الله ( قال بعض المفسِّرين : هذه الآية نزلت في التنفُّل في السَّفر (5) ) اهـ .
- أقول : في هذه الإجابة تضييق لما وسَّع الله ورفع فيه الحرج عن أمَّة محمد عليه الصلاة والسلام فهناك حالات تجوز فيها صلاة الفريضة إلى غير القبلة نصَّ عليها القرآن والسنَّة وصرَّح بها المفسِّرون والفقهاء وأئمة الحديث .
- قال تعالى : ) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً ( ( النساء :102)
1- قال الإمام ابن كثير-رحمه الله- في تفسير ([6]) هذه الآية :
[ قوله تعالى :) وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ( الآية . لصلاة الخوف أنواع كثيرة ([7]) فإن العدو تارة يكون تجاه القبلة وتارة يكون في غير صوبها والصلاة تارة تكون رباعية وتارة تكون ثلاثية كالمغرب وتارة تكون ثنائية كالصبح وصلاة السفر ثم تارة يصلون جماعة وتارة يلتحم الحرب فلا يقدرون على الجماعة بل يصلون فرادى مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ورجالا وركبانا ولهم أن يمشوا والحالة هذه ويضربوا الضرب المتتابع في متن الصلاة ومن العلماء من قال يصلون والحالة هذه ركعة واحدة لحديث بن عباس المتقدم وبه قال أحمد بن حنبل قال المنذري في الحواشي وبه قال عطاء وجابر والحسن ومجاهد والحكم وقتادة وحماد وإليه ذهب طاوس والضحاك وقد حكى أبو عاصم العبادي عن محمد بن نصر المروزي أنه يرى رد الصبح إلى ركعة في الخوف وإليه ذهب ابن حزم أيضا وقال إسحاق بن راهويه :( أما عند المسايفة فيجزيك ركعة واحدة تومئ بها إيماء فإن لم تقدر فسجدة واحدة لأنها ذكر الله ) وقال آخرون يكفي تكبيرة واحدة فلعله أراد ركعة واحدة كما قاله الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه وبه قال جابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وكعب وغير واحد من الصحابة والسدي ورواه بن جرير ولكن الذين حكوه إنما حكوه على ظاهره في الاجتزاء بتكبيرة واحدة كما هو مذهب إسحاق بن راهويه وإليه ذهب الأمير عبد الوهاب بن بخت المكي حتى قال فإن لم يقدر على التكبيرة فلا يتركها في نفسه يعني بالنية رواه سعيد بن منصور في سننه عن إسماعيل بن عياش عن شعيب بن دينار عنه فالله أعلم ومن العلماء من أباح تأخير الصلاة لعذر القتال والمناجزة كما أخر النبي عليه الصلاة والسلام يوم الأحزاب الظهر والعصر فصلاهما بعد الغروب ثم صلى بعدهما المغرب ثم العشاء ... ] اهـ .
- أقول : في هذا الكلام مسائل :
1- جواز صلاة الخوف في بعض الحالات إلى غير القبلة .
2- جواز الاقتصار على ركعة عند الإمام أحمد وغيره في حال المسايفة وعند إسحاق ركعة يوميء فيها إيماء .
3- جواز الصلاة في حال الخوف على ظهر الدابَّة .
4- جواز المشي وضرب العدوّ أثناء الصلاة .
وفي هذه الصور تنازل عن واجبات وشروط وأركان في الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام ,وردٌّ لقول بعض الناس : لا يجوز الصلاة إلى غير القبلة إلاَّ في صلاة المتنفِّل على الراحلة .
2- وقال العلاَّمة السعدي-رحمه الله- في تفسيره ( ص106- مؤسسة الرسالة ) في تفسير قوله تبارك وتعالى :
) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ( ( البقرة 238-239) : ( يأمر بالمحافظة على الصلوات عمومًا وعلى الصلاة الوسطى، وهي العصر خصوصًا، والمحافظة عليها أداؤها بوقتها وشروطها وأركانها وخشوعها وجميع ما لها من واجب ومستحب، وبالمحافظة على الصلوات تحصل المحافظة على سائر العبادات، وتفيد النهي عن الفحشاء والمنكر خصوصًا إذا أكملها كما أمر بقوله)وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ( أي : ذليلين خاشعين، ففيه الأمر بالقيام والقنوت والنهي عن الكلام، والأمر بالخشوع هذا مع الأمن والطمأنينة .
) فَإِنْ خِفْتُمْ ( :لم يذكر ما يخاف منه ليشمل الخوف من كافر وظالم وسبع، وغير ذلك من أنواع المخاوف، أي: إن خفتم بصلاتكم على تلك الصفة فصلوها ) رِجَالاً ( أي: ماشين على أقدامكم ،) أَوْ رُكْبَانًا ( على الخيل والإبل وغيرها، ويلزم على ذلك أن يكونوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وفي هذا زيادة التأكيد على المحافظة على وقتها حيث أمر بذلك ولو مع الإخلال بكثير من الأركان والشروط، وأنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة، فصلاتها على تلك الصورة أحسن وأفضل بل أوجب من صلاتها مطمئنا خارج الوقت ) فَإِذَا أَمِنْتُمْ ( أي:زال الخوف عنكم ) فَاذْكُرُوا اللَّهَ ( وهذا يشمل جميع أنواع الذكر ومنه الصلاة على كمالها وتمامها ) كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ( فإنها نعمة عظيمة ومنة جسيمة، تقتضي مقابلتها بالذكر والشكر ليُبْقِي نعمته عليكم ويزيدكم عليها ) اهـ.
- أقول : في هذا الكلام مسائل :
1-أمر الله بالمحافظة على الصلاة في حالة الأمن بشروطها وأركانها وخشوعها
2- والرخصة في حال الخوف عند قتال العدو في الصلاة على حسب ما يستطيعه المؤمن ويتيسر له راجلاً وراكباً إلى القبلة وإلى غيرها .
3- في حال الخوف : أ- من ظالم . ج- من سبع .
ب- من كافر . د - من غير ذلك من أنواع المخاوف.
- أقول : وفي هذا الكلام دليل على سماحة الإسلام وتيسيره ودليل على سعة رحمة الله لهذه الأمة ولا سيما عند الشدائد فيعفيها من القيام ببعض الواجبات وفيه إبطال لقول بعض الناس الذين لا يجيزون التنازل إلا عن السنن فقط ولا يجوز عندهم التنازل عن الواجبات وأنه لا يجوز الصلاة لغير القبلة إلا للراكب المتنفل فقط.
3-وقال الإمام أبو داود السجستاني في سننه ([8]) ضمن أبواب صلاة الخوف:
( باب من قال يكبرون جميعا وإن كانوا مستدبري القبلة ثم يصلي بمن معه ركعة ,ثم يأتون مصافَّ أصحابهم ويجيء الآخرون فيركعون لأنفسهم ركعة ,ثم يصلي بهم ركعة ,ثم تُقبل الطائفة التي كانت مقابل العدوّ فيصلون لأنفسهم ركعة والإمام قاعد ثم يسلم بهم كلِّهم جميعا )
1240 حدثنا الحسن بن علي ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا حيوة وابن لهيعة قالا أخبرنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة هل صليت مع رسول الله عليه الصلاة والسلام صلاة الخوف قال أبو هريرة نعم قال مروان متى فقال أبو هريرة عام غزوة نجد قام رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى صلاة العصر فقامت معه طائفة وطائفة أخرى مقابل العدو ظهورهم إلى القبلة فكبر رسول الله عليه الصلاة والسلام فكبروا جميعا الذين معه والذين مقابلي العدو ثم ركع رسول الله عليه الصلاة والسلام ركعة واحدة وركعت الطائفة التي معه ثم سجد فسجدت الطائفة التي تليه والآخرون قيام مقابلي العدو ثم قام رسول الله عليه الصلاة والسلام وقامت الطائفة التي معه فذهبوا إلى العدو فقابلوهم وأقبلت الطائفة التي كانت مقابلي العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله عليه الصلاة والسلام قائم كما هو ثم قاموا فركع رسول الله عليه الصلاة والسلام ركعة أخرى وركعوا معه وسجد وسجدوا معه ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابلي العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله عليه الصلاة والسلام قاعد ومن معه ثم كان السلام فسلم رسول الله عليه الصلاة والسلام وسلموا جميعا فكان لرسول الله عليه الصلاة والسلام ركعتان ولكل رجل من الطائفتين ركعة ركعة ) .
- أقول : في هذا الكلام من الفقه :
(1) جواز الصلاة في حال الخوف إلى غير القبلة .
(2) الذهاب مشياً في أثناء الصلاة لمواجهة العدوّ وكل ذلك من مبطلات الصلاة في حال الأمن لأنَّها شروط وواجبات وأركان للصلاة ، لكن الله تبارك يوسع على عباده المؤمنين في حال الشدائد والمعوقات عن استكمال القيام بالفرائض والواجبات .
وفي هذا إبطال لقول من يقول : إنه لا يجوز التنازل عن الواجبات بل فقط عن السنن المستحبات ذلكم القول الذي يخالف نصوص الكتاب والسنَّة وإجماع الأمَّة في التسامح في الأخذ بالرخص في الأصول والواجبات كما بيَّنا ذلك مراراً وتَكراراً . ونقلتُ فيه أقوال أئمة الإسلام مثل ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهَّاب-رحمهم الله تعالى- .
4- وقال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي في (المقنع -مع حاشية الشيخ سليمان ابن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب-رحمهم الله-) / ص240-241):
(فصل : وإذا اشتدَّ الخوف صلوا رجالا وركبانا إلى القبلة وغيرها يُومِئُون إيماءً على قدر الطاقة (*) ... )
(*) : : قال المُحَشِّي (العلامة سليمان بن عبد الله -رحمه الله-) :( قوله "وإذا
اشتد الخوف -إلى قوله- قدر الطاقة" وجملة ذلك أنَّه متى اشتدَّ الخوف والتحم القتال فلهم الصلاة كيفما أمكنهم رجالا وركبانا إلى القبلة إن أمكنهم وإلى غيرها إن لم يمكنهم يومئون بالركوع والسجود ويجعلون سجودهم أخفض من ركوعهم على قدر الطاقة , ولهم التقدم والتأخر والطعن والضرب والكر والفرُّ ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها في قول أكثر أهل العلم , وحكى ابن أبي موسى أنَّه يجوز تأخير الصلاة في رواية حال التحام القتال ,والأول أصح لقوله عزَّ وجلَّ ) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً ( وقال ابن عمر -رضي الله عنهما- :( فإن كان خوف أشدَّ من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ) متفق عليه ([9]) ولأنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام صلى بأصحابه في غير شدَّة الخوف فأمرهم بالمشي إلى العدو وهم في الصلاة ثمَّ يعودون لقضاء ما بقي من صلاتهم وهذا عمل طويل ومشي كثير واستدبار القبلة ,فإذا جاز ذلك مع أنَّ الخوف ليس بشديد فمع شدَّته أولى ) اهـ.
- وقال ابن قدامة : ( ... فإن أمكنهم افتتاح الصلاة إلى القبلة فهل يلزمهم ذلك ؟ على روايتين (**) ....)
(**) : قال المُحشِّي : ( قوله " فإن أمكنهم افتتاح الصلاة الخ" إحداهما لا يجب اختارها أبو بكر لأنها جزء من الصلاة فلم يجب كبقية أجزائها , والثانية يجب لأنَّه أمكنه ابتداء الصلاة مستقبلا فلم يجز بدونه كما لو أمكنه ذلك في ركعة كاملة ) اهـ.
- وقال ابن قدامة : ( .. ومن هرب من عدو هربا مباحا أو من سيل أو من سبع ونحوه فله أن يصلي كذلك . وهل لطالب العدو الخائف فواته الصلاة كذلك على روايتين(***) .ومن أمن في الصلاة أتم صلاة آمن ومن ابتدأها آمنا فخاف أتمَّ صلاة خائف ,ومن صلى صلاة الخوف لسواد ظنِّه عدوا فبان له أنَّه ليس بعدو أو بينه وبينه ما يمنعه فعليه الإعادة ) اهـ.
(***) : قال المُحشِّي : (:"وهل لطالب العدو الخ" إحداهما واختاره الأكثر أنَّه له ذلك روي عن شرحبيل بن حسنة وقاله الأوزاعي لقول عبد الله بن أنيس ( بعثني النبيُّ عليه الصلاة والسلام إلى خالد بن سفيان الهذلي قال : اذهب فاقتله . ورأيته وقد حضرت صلاة العصر فقلتُ : إنِّي أخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت وأنا أصلي أُومئُ إيماء نحوه ) رواه أبو داود , وظاهر حاله أنَّه أخبر بذلك النبيَّ عليه الصلاة والسلام أو كان قد علم جوازه , فإنَّه لا يظَنُّ به أنَّه فعل ذلك مخطئا ولأنَّ فوات الكفار ضرر عظيم , والثانية لا يصلي إلا صلاة آمن صححها ابن عقيل وقاله أكثر العلماء لأنَّها مشروطة بالخوف وهو معدوم هنا , وكذا التيمم له , وقاله ابن أبي موسى إن خاف الطالب رجوع العدو صلى صلاة خائف وهو الذي في الشرح .
على قوله " فعليه الإعادة " كذا ذكره الأكثر لأنَّه لم يوجد المبيح أشبه من ظنَّ الطهارة ثمَّ علم بحدثه ,وسواء استند ظنُّه إلى خبر ثقة أو غيره ) اهـ كلام المُحَشِّي.
- قلتُ : في هذا الكلام ما يأتي :
1- في الصلاة حال الخوف من العدو تجوز الصلاة للمؤمنين رجالاً وركباناً إلى القبلة وغيرها يُومئون إيماءً .
2- وفي هذا تظهر سماحة الإسلام ,فاستقبال القبلة أصلٌ من أصول الإسلام من استجاز الصلاة إلى غير القبلة في حال الأمن وبغير عذرٍ فقد كفر . والقيام في الصلاة والركوع والسجود كلُّها أركان من أركان الصلاة من أخلَّ بواحدٍ منها بغير عذرٍ فصلاته باطلة. وفي هذا الظرف (الخوف من العدوّ) تسقط عنه هذه الأركان وما يتبعها من الواجبات .
3- ( وللمصلِّين في حال التحام القتال الكرُّ والفرُّ والطعن والضرب والتقدُّم والتأخر ) : وهذه الأعمال تُنافي الصلاة وتُبطلها لولا العذر أليس هذا التنازل عن هذه الواجبات من أدلِّ الأدلَّة على رحمة الإسلام وسماحته ؟!
4- وللهارب من عدوٍّ هرباً مباحاً أو من سيل أو سبع أو نحو ذلك فله أن يصلي صلاة الخوف ,يسقط عنه استقبال القبلة ويَجْتَزِئ بالإيماء عن الركوع والسجود ويُصلي إيماءً وهو على الدابَّة التي يهرب عليها إن كان هارباً على دابَّة أو غيرها .
5- أليس في القول بأنَّه لا يجوز التنازل عن الواجبات ولا يجوز التنازل إلاَّ عن السنن فقط حرجٌ وتضييق على المسلمين ؟ يُنافي ما تميَّزت به رسالة محمد عليه الصلاة والسلام من السماحة .
هذه السماحة التي تضافرت عليها نصوص الكتاب وتطبيق الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام وبيَّنها وقرَّرها علماء الإسلام فكيف يُضلَّل من يُقرِّرُها إنَّ ذا لمن العَجَبِ العُجاب (!).
ليلة الجمعة 20 ربيع الأوَّل لعام 1426 من الهجرة النبوية .. على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم)
---------------------------------------------------------------------------
([1] ) : انظر مجموع الفتاوى ( 20/48-50) .
([2]) : انظر ( مذكرة أصول الفقه /ص93-تحقيق العربي ) للشيخ العلاَّمة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-
(3) : انظر ( الجهد المبذول ) للشيخ زيد بن هادي المدخلي-حفظه الله- / ص93 .
(4) يجوز للمسلم في هذه الصورة أن يأخذ بالعزيمة كما فعل سلمان رضي الله عنه بل الأخذ بالعزيمة فيها أفضل .
(5) : قُلتُ: ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية عدداً من الأقوال منها عن ابن عباس أنها أول ما نسخ ونقل نحوه عن أبي العالية والحسن وعطاء الخراساني وعكرمة وقتادة والسدي وزيد بن أسلم وقال ابن كثير وقال مجاهد :"( فأينما تولوا فثم وجه الله ) حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلوا بها الكعبة" تفسير القرآن العظيم ( 1/162-163) .
وعلى القول بنسخ هذه الآية تكون الصلاة إلى غير القبلة في الأحوال التي جوزها الله ثابتة بنصوص أخرى وسأذكر بعضها في هذا البحث .
(6) : تفسير القرآن العظيم ( 1/547-559) دار المعرفة .
(7) : أوصلها بعضهم إلى عشر صفات وبعضهم إلى خمس عشرة وذكر ابن القيم-رحمه الله- أنَّها ترجع إلى ستٍّ أو سبعٍ انظر ( زاد المعاد 1/531-532) .
([8]) : (2/32-34 / الدعاس ) .
([9]) : قلتُ : انظر صحيح البخاري باب ( فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً ..) حديث(4535) ورواه كذلك في باب (صلاة الخوف ..) حديث (943) مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهذا تفسير للآية الكريمة . وعند مسلم (باب صلاة الخوف 839 : ( وقال ابن عمر : فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصَلِّ راكباً ,أو قائماً تُومِئُ إيماءً ) .