فضيلة العلامة محمد ناصر الدين الألباني
السؤال : يقال : إن الداعية إلى الإسلام يجب ألاّ يكون متشددًا بأمور السنة ، وأن يتجنب -أكثر ما يمكن - المواقف التي تثير الأمور المتعلقة بالسنة ، وأنه يجب أن يكون له سياسة بعيدة تقريبًا عن السنة ، فهل هذا صحيح ومفيد في أمور الدعوة !؟ وإن كذلك ؛ فهل يجوز لنا اتباعه !؟ وكيف التوفيق بينه وبين الحرص على السنة !؟
الجواب : الحقيقة أن السنة - لاسيما في معناها العام - لا يجوز لمسلم أن يعرض عنها ولو مؤقتًا ، فالمسلم - لاسيما - إذا كان يقول ، أو يقال عنه : إنه داعية ؛ فيجب أن يدعو إلى الإسلام ، والإسلام كلٌ لا يتجزأ ، وأن يبين للناس كل ما يتعلق بالإسلام ، لكن الأمر كما قيل : ( العلم إن طلبته كثير ، والعمر عن تحصيله قصير ، فقدم الأهم منه فالأهم ) .
وأن يهتم الداعية بالدعوة إلى أهم شيء ، ثم الذي يليه وهكذا ، ولكن إذا كان في مناسبة ما وبدت له خطيئة من بعض الناس تخالف الشريعة في بعض الأحكام التي ليست من أصول الشريعة ، لكن الوقت وقت بيان ، ووقت أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ؛ فلا يجوز له أن يكتم ذلك باسم السياسة ، وإنما يدعو إلى السنة التي يعرفها في تلك المناسبة ، ولكن كما قال الله - عز وجل - : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) . [ النحل : 125 ] .
فلم يقل الله - عز وجل - : ادع إلى شيء واترك شيئًا ، وإنما أمر بالدعوة بالحكمة والموعظة وبالتي هي أحسن .
فمثلاً : إذا كان هناك إنسان يصلي في مسجد ، فرأى بجانبه شابًا في مقتبل العمر يصلي وهو متختم بخاتم من الذهب ، فقد يرى بعض الناس أن من السياسة في الدعوة أن يسكت ، وألا ينصح هذا المصلي بهذه المخالفة ، فهذا من السياسة الشرعية ، ومتى ينصحه يا ترى ! وهو قد يفوته ، ولا يراه مرة أخرى !
والصور تتعدد وتتكرر ، وخاصة من الشخص - كما قلت في أول الجواب - الذي نصب نفسه للدعوة إلى الإسلام ، فهو لا يجوز أن يدعو إلى بعض الإسلام ويترك البعض الآخر ، لكن يجب أن يهتم بالأهم فالأهم ، هذا لا بد منه ، ولكن يرى المنكر ويسكت عنه اليوم ، واليومين ، والثلاثة ، والأربعة ، والشهر ، والشهرين ؛ بزعم أن هذا من سياسة الدعوة ؛ فلم يكن الأمر كذلك في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ولا في عهد السلف الصالح ، وإنما القاعدة في ذلك من ناحيتين :
• الناحية الأولى : من حيث الأسلوب .
• الناحية الثانية : من حيث عموم الأمر ، فهو شامل لكل شيء ؛ لأن هناك نصوصًا كثيرة جدًا ، ومن أشهرها ما هو معروف لدينا جميعًا : ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) .
رأى منكرًا لم يستطع تغييره بيده فينزل إلى المرتبة الثانية ، ويغير ذلك المنكر بلسانه ، بالتي هي أحسن ، كما في الآية السابقة ، وإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ، فلم يقل : إن اقتضت حكمة الدعوة أو سياسة الدعوة فعليك أن تسكت ، لا . بل قال : إن استطعت ، فما دمت تستطيع أن تغير المنكر مهما كان ، ما دام أنه - كما جاء في السؤال - مخالف للسنة فعلينا البيان ، ثم لست عليهم بمسيطر .
الواقع أن المشكلة ليست مشكلة تقسيم الإسلام والدعوة إليه إلى قسمين :
• القسم الأول : أن ندعو إليه عاجلاً .
• القسم الثاني : أن ندعو إليه آجلاً ، أو لا ندعو إليه بتاتًا .
ليست هذه هي المشكلة ، لاسيما أنه ليس هناك كتاب مصنف في بيان الإسلام الذي يجب أن ندعو إليه عاجلاً ، والإسلام الذي يجب أن ندعو إليه آجلاً ، أو لا ندعو إليه مطلقًا ، بزعم أن سياسة الدعوة تقتضي ذلك ، فليس هناك كتاب ، ولا يمكن أن يوجد مثل هذا الكتاب ، فهذا الذي يزعم ويريد أن يقسم الإسلام إلى قسمين : قسم ندعو إليه مباشرة ، وقسم نؤجل أو ننسئ ، من أين له هذا التقسيم !؟ وما دليله !؟
هذا في الواقع ينبغي أن يكون من أكبر علماء المسلمين ؛ حتى قد يسمح له بهذا التقسيم ، فأين هؤلاء !؟
نحن نعرف الذين يتولون الدعوة لا يعرفون من الإسلام إلا شيئًا قليلاً ، ثم هم أنفسهم يخالفون هذه القاعدة ، أنا أقولها صريحة : إن الذين يدعون نظريًا إلى تقسيم الإسلام إلى قسمين : قسم هام يبدأ به ، وآخر لا يشغل به ، نحن نعرف أن هؤلاء يدعون إلى أمور قد لا تكون في الإسلام مطلقًا ، فضلاً عن أن تكون من الإسلام الذي هو من القسم الأول الهام ، ونحن تكلمنا في هذا كثيرًا وكثيرًا ، ولذلك نقتصر على هذا ، وبهذا القدر الكفاية ، والحمد لله رب العالمين .
محاضرة صوتية بعنوان : " الدعوة السلفية "