فضيلة العلامة د. ربيع بن هادي بن عمير المدخلي :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين
.....أسأل الله أن يجعل هذا منبرًا للإسلام الحق الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وفهمه الخلفاء الراشدون ، والأئمة المهديون ، والسلف الصالحون . والدعوة الجادة المتواصلة إلى ذلك للمسلمين عمومًا أولاً ، وللمنحرفين منهم بالخصوص ؛ سواء كان هذا الانحراف بالشبهات والبدع والضلال .
• كضلال أهل الفلسفة والكلام : الذين ضلوا في القضايا العلمية الدينية بسبب الأصول الفاسدة التي استمدوها من فلاسفة اليونان الوثنيين ؛ فأوقعتهم في تعطيل أسماء الله وصفاته ، وتحريف آياته . ومستحيل أن يعرفوا الله حق معرفته التي أرادها من عباده إلا من خلال بيانه في محكم كتابه ، ومن خلال بيان نبيه الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، وأوقعتهم في عقائد فاسدة أخرى في أبواب النبوة والأمور الغيبية التي لا طريق لها إلا الوحي الذي أوحاه الله إلى رسله - عليهم الصلاة والسلام - ولا سيما خاتمهم صاحب أكمل رسالة وأشملها .
• وكذلك الذين ضلوا في العمليات من أتباع المتصوفة : الذين وقعوا في الشرك بالله في أبواب توحيد العبادة كدعاء غير الله عند الشدائد والأهوال أو في سائر الأحوال ، وكالذبح والنذر وتقديم القرابين لغير الله ، أو ما دون ذلك من البدع في صلاتهم وأذكارهم وحجهم وصيامهم ، وفي كثير من تقاليدهم وعاداتهم .
• وكذلك المخدوعين بالسحرة والكهان والمشعوذين : مما يؤدي بهم إلى الشرك والكفر .
ثانيًا : المنحرفون في أبواب الشهوات ، والمرتكسين في حمأة المعاصي والمخالفات لأوامر ونواهي رب البريات : كآكلي الربا وشاربي الخمور وسائر المسكرات والمخدرات ، وكالمتحللين أخلاقيًا وأدبيًا الخارجين عن آداب الإسلام العظيمة : التي يؤدي الخروج عنها والانحلال منها إلى فساد عريض تضيع فيها عزتهم وكرامتهم وشرفهم وعرضهم لسخط ربهم وأليم عقابه في الدنيا والآخرة . إلى أمور أخرى يلهثون فيها وراء أعداء الإسلام مما يصدق عليهم ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ) .
ثالثًا : المنحرفون سياسيًا ومنهجيًا من الأحزاب الإسلامية : التي زادت الأمة بلاءً ودمارًا بتفريقهم للأمة إلى أحزاب وشيع كل حزب بما لديهم فرحون ، وبغلوهم الشديد في التعصب لأحزابهم ولاءً وبراءً مهما بلغت من الضلال والانحراف ، وارتكاب أنواع الظلم والفجور في خصومة من ينصحهم ويرشدهم صراط الله المستقيم واتباع نبيهم الكريم وسلوك منهج السلف الصالحين .
وننصح قادة هذه الأحزاب بالتزام الحق والصدق في أنفسهم وتربية أتباعهم على ذلك قولاً وفعلاً ، وبالابتعاد عن الأساليب السياسية القائمة على الكذب والتلبيس ، كما ننصحهم بعدم اتخاذ الإسلام مطية لتحقيق طموحاتهم وغاياتهم الدنيوية مالية كانت أو سياسية .
كما ننصح الأتباع بالتزام منهج الإسلام في كل شأن من شؤونه في التعامل مع دينهم ، وربهم ، ونبيهم ، وصحابته الكرام ، وعلماء الأمة الهداة ، وإنزالهم منازلهم ، والذب عن حياض كرامتهم ، وإهانة من يمس كرامتهم ومنازلهم ، كما نحذرهم من الغلو والمبالغة في تقديس الأشخاص ، وتعظيمهم ورفعهم فوق منازلهم ، وليتذكروا قول الله تعالى : ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ ﴾ . [ النساء : 171 ] ، وقوله تعالى : ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ﴾ . [ المائدة : 77 ] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ) ، وكما في قوله - صلى الله عليه وسلم - لما قال له بعض الناس : أنت سيدنا وابن سيدنا ، قال : ( لا يستخفنكم الشيطان ؛ إنما أنا عبد ؛ فقولوا : عبد الله ورسوله ) .
كما نحذرهم من الظلم وارتكاب البهت ، وانتهاك أعراض من تخاصمونهم بحق - لو كنتم على حق - فضلاً أن ترتكبوا كل هذا في حق من تخاصمونهم بالباطل ، فإن الله قد حرم الظلم على نفسه وعلى عباده ، كما في الحديث القدسي الصحيح الذي رواه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " : ( يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا ؛ فلا تظالموا ) .
وقبل ذلك قول الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ . [ النساء : 40 ] ، وقوله : ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ . [ فصلت : 46 ] ، إلى آيات كثيرة في تحريم الظلم ، وبعد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( اتقوا الظلم ؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) .
وظلم العبد المسلم وانتهاك عرضه لا سيما إذا كان من دعاة الحق والسنة من أشد أنواع الظلم بل أشد حرمة من الربا كما بين ذلك رسول الهدى والعدل - صلى الله عليه وسلم - بقوله العادل الحكيم : ( الربا اثنان وسبعون بابًا أدناها مثل إتيان الرجل أمه ، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه ) ، وفي حديث آخر : ( أربى الربا شتم الأعراض ) . [ انظر " الصحيحة " للألباني برقم : 1871 ] إلى غير ذلك من الأحاديث المشددة الزاجرة عن انتهاك أعراض المسلمين بالظلم والهوى ، وإنني لأخاف على كثير من أصحاب العواطف العمياء ، والتبعية البلهاء : أن يقعوا في استحلال أعراض الأبرياء من دعاة السنة والحق ؛ فضلاً عن غيرهم من الأبرياء .
رابعًا : الأحزاب العلمانية التي تنكرت للإسلام وأهله ، واستهانت بعقائده وتشريعاته وأحكامه ؛ يُنادون بوجوب العودة إلى الإسلام واحترام تعـاليمه ، وعقائده وتشريعاته ، وإن ما خُدعوا به من مناهج الغرب وتشريعاتهم وأخلاقهم من أحط ما انحدرت إليه البشرية وأفسده لدين البشر وحياتهم قبل آخرتهم .
وإن أسمى وأجمل وأعلا العقائد والأحكام والتشريعات هو ما أوحاه رب السموات والأرض إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ففيه العزة والرفعة في الدنيا والآخرة ، وفيه العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه من الأسود والأحمر والأبيض ، والذكر والأنثى ، والحر والعبد .
فما يريد هؤلاء بعد هذا فعليهم أن يرفعوا أنفسهم إلى مستوى الإسلام ؛ فيدرسونه ليعرفوا منـزلته ، والحقيقة وليدة البحث كما يقال ، وليعودوا إلى جادة الإسلام ، ورفع رايته ، والذب عن حياضه ، وتكون دعوة هذه الأصناف قائمة على الحجج والبراهين من كتاب الله وسنة رسوله ، ويستعان على ذلك بفقه السلف وفهمهم لكتاب الله وسنة رسوله ، وبكتب أئمة الإسلام من بعدهم كابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وتلاميذهم ، ويستقطب علماء السنة الخلص في هذا العصر للمشاركة الفعالة بالمقالات والمؤلفات الموجزة في بيان دين الله الحق .
والله الموفق ، والهادي إلى سواء السبيل .